يدفع أطفال غزة ثمناً باهظاً جداً للحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع الصغير جداً في مساحته، والمكتظ جداً بسكانه، الثمن ليس بأجسادهم التي تمزّق وتُحرق بفعل الصواريخ التي تنهال على منازلهم فقط، فالمعاناة النفسية جراء القصف الجنوني ستبقى ملازمة لهم ربما إلى نهاية أعمارهم. ومع دخول الحرب الإسرائيلية يومها السادس، تتراكم معاناة أطفال غزة، الذين يفترض أنهم يتمتعون حالياً بإجازتهم المدرسية، إذ تجاوز عدد من فقدوا حياتهم 30 طفلاً، بالإضافة لنحو 200 جريح، بعضهم فقدوا أطرافهم، وسيعيشون، إن كُتبت لهم حياة، معوقين طول العمر. صعوبة تعامل لكن بعيداً عن "أرقام" الضحايا، كيف يقضي الأطفال في غزة أوقاتهم، لاسيما خلال الليل، حيث ترتفع وتيرة القصف، ويستحيل مع أصواته المرتفعة النوم، سواء تعلق الأمر بالكبار أو الصغار. يجد الأهالي صعوبة كبيرة في التعامل مع أطفالهم، ويحاولون بقدر استطاعتهم توفير بيئة "طبيعية" داخل البيوت، لكن الأمر يخرج عن نطاق سيطرتهم مجرد صاروخ واحد يسقط على بعد أمتار من المنزل، يقلب الأمور رأساً على عقب. مشاهدة الأخبار يقول "أبو طارق" إنه يحرص على الامتناع عن مشاهدة الأخبار عبر التلفاز، في حال توفرت الكهرباء، لكي يبعد أطفاله الثلاثة عن رؤية المشاهد الدامية التي تبثها القنوات، ويحرص كذلك على عدم خروجهم من المنزل، خوفاً عليهم من القصف، ومن رؤية منزل جاره في الحي، والذي دُمّر بشكل كامل قبل يومين بفعل صاروخ إسرائيلي. أما سامي الذي يعيل طفل وطفلة لم تتجاوز أعمارهما خمسة أعوام، فيقول إنه وجد وسيلة قد تبدو مجدية أحياناً لضمان نومهما لبضع ساعات خلال الليل، وهي وضع القطن في آذانهم، لكي لا يفيقوا مذعورين من أصوات القصف الذي يأتي بغتة وبصوت هائل. قلق مزدوج ويؤكد سامي إنه يعيش قلقاً مزدوجاً بسبب الخطر المحدق بأبنائه وعائلته عموماً، وبسبب التداعيات النفسية لما يجري على مستقبل أطفاله، ويضيف أنهم كانوا ينهضون من نومهم بشكل مفاجئ ويبكون بطريقة هستيرية، ما دفعه للجوء لوضع القطن في آذانهم لعل ذلك يخفف قليلاً من أصوات القصف. ولعل ما يثير الغرابة، هو أن الكثير من أطفال غزة، تكوّنت لديهم ما يمكن وصفها بالمناعة ضد الخوف، وإن كان ذلك بشكل جزئي، ففي شوارع غزة يمكن رؤية العديد من الأطفال يلهون ويلعبون كرة القدم خلال ساعات النهار، فيما الطائرات تحوم فوق رؤوسهم، وتقصف أحياناً مناطق بعيدة بعض الشيء عنهم. لكن الأطفال ذاتهم يتغير حالهم تماماً خلال الليل، ويستبد بهم الخوف والقلق، ويطرحون الكثير من الأسئلة، التي يعجز آبائهم عن الإجابة عليها في غالب الأحيان، قبل أن يغالبهم النعاس، ويناموا لوقت قصير، ثم ينهضوا مذعورين من صوت القصف، أو يظلوا نائمين إلى الأبد، إن كان الصاروخ هذه المرة من نصيبهم. نقلا عن 24