لو قال لي جزائري إن أسرابا من الطائرات العسكرية الفرنسية عبرت أجواء الجزائر .. لتسافر ألف كيلومتر فوق رؤوسنا .. قبل أن تفرغ حمولتها من القنابل على رؤوس الماليين البؤساء.. ما كنت لأصدق ذلك لثلاثة أسباب على الأقل .. الأول أن حرمة الأجواء.. كحرمة الأرض والبحر.. هي مسألة وجود الدولة ذاتها.. فالشعب الذي تنكشف سماؤه.. لن تبقى له أرض يسير عليها.. والثاني.. أن فرنسا تحديدا.. بحكم ما فعلت فينا.. هي آخر من يمكن السماح له بعبور فضائنا.. والثالث.. أن الجزائر أعلنت صراحة رفضها أي عمل عسكري في مالي.. لأنها تعلم جيدا أن دخان الحرب عابر للحدود. ما حدث بعد ذلك.. أن هذه الأسباب الثلاثة لم تمنع الميراج والرافال من الطيران في سمائنا.. والفاعل بيننا معلوم.. أعلن عنه الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته.. مقرونا بالشكر لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. *** أقول صراحة.. إن حرمة أجوائنا ليست من الأسرار الاستراتيجية التي تستقل بإدارتها غرف العمليات المغلقة.. ولا هي من الصلاحيات التي تستقل بها مجموعة محدودة من أصحاب القرار.. إنها كرامة دولة وشرف شعب.. وعربون وفاء لدماء ملايين الشهداء الذين احترقوا بلهيب النابالم قبل خمسين عاما. وأتساءل: أين المجلس الشعبي الوطني.. باعتباره صوت الشعب وإرادة الناخبين؟ وأين ضمير الأمة ممثلا في قواها الحية؟ وأين أصحاب الألسنة الطويلة الذين يتشدقون بحرمة الحدود الدولية؟ وأين الصامتون الذين ابتلعوا حجرا ضخما بحجم القنابل التي تلقيها الطائرات الفرنسية في الصحاري المالية؟ اليوم .. ها هم الفرنسيون يطيرون فوق رؤوسنا.. برخصة أو بغير رخصة.. يتفرجون علينا نهارا ويصوروننا ليلا.. وإذ نعلم كيف بدأت القصة.. فإننا لا نعلم كيف تنتهي.. فلا أحد يوقف الكثبان المتحركة.