طرحت مبادرة “نبني" تقريرا شاملا، يتضمن إستراتيجية متكاملة ل«انتشال الجزائر من أزمتها الراهنة ووضعها على طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في آفاق سنة 2020"، ويعتبر التقرير ثمرة مجهود استمر 24 شهرا، عكف على إعداده مجموعة من الخبراء الجزائريين المتطوعين، وطرحوه على الجزائريين لإثرائه. غصت قاعة الكوسموس برياض الفتح، أمس، بجمهور جاء من مختلف ربوع الوطن، حتى من الجالية الجزائرية في المهجر، حسبما دلت على ذلك مداخلاتهم، وقد حضروا خصيصا لمتابعة عرض التقرير الذي قدمته مبادرة “نبني"، متضمنا العديد من الأفكار والمقترحات الاستشرافية، حول رؤيتها لجزائر ما بعد 2020، تحت شعار “الحلم مسموح". ويرى عايب مبروك وهو مدير شركة، وأحد الفاعلين في مبادرة “نبني"، أن هذا التقرير جاء استجابة لتطلعات الجزائريين الذين “اقتنعوا أخيرا بأن الجزائر لا يمكنها الاستمرار في هذا الطريق الذي يودي بها إلى الهاوية، وأصبح الجميع، بعد مرور الأزمات الإقليمية في إطار ما سمي بموجة الربيع العربي، يتطلع إلى غد أفضل في الجزائر، من خلال التغيير عبر “الفكرة" وهو الشعار الذي اعتمده مبادرة نبني". ويوضح مبروك أن “نبني" فكرة طرحتها مجموعة صغيرة من الغيورين على الجزائر، وسرعان ما “تَحلّق حولها عدد كبير من الجزائريين، من كل المستويات، همهم الوحيد المساهمة في بناء مصير بلادهم، حتى صارت الآن تستوعب 50 باحثا من كل المجالات ضمن هيئة تفكير وضعتها المبادرة لبحث مسائل الغد". ويقول مبروك إن الصيت الواسع الذي أذاعته المبادرة، انتبهت إليه الحكومة، التي تبنت مجموعة من اقتراحاتها السابقة، على غرار مشروع البوابة الإلكترونية للحكومة، والاستجابة لمطلب تخفيف الأعباء البيروقراطية في مجالات الاستثمار في الجزائر. وتنأى “ نبني" عن نفسها خوض المعترك السياسي، حسب ما يقوله المبادرون بها، الذين يريدون أن تبقى “مترفعة" عن الجدل السياسي، والمعارك الإيديولوجية، ومفتوحة أمام جميع الجزائريين بانتماءاتهم المختلفة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث خاطب عبد الكريم بودراع، المتحدث الرسمي باسم “نبني"، الحاضرين بالقاعة قائلا “إدا كنتم تنتظرون معجزة سياسية، أو الرجل الملهم الذي يخلص الجزائر من كل مشاكلها، فأنتم مخطئون، الحل موجود في ثنايا كل واحد منكم بما يقدمه من أفكار ومقترحات لبناء هذا الوطن، ومبادرتنا مفتوحة أمام الجميع"… ويشبه سامي بوكيلة وهو مدير شركة، وأحد المبادرين في “نبني"، حالة الجزائر، بباخرة التيتاتيك قبل أن تلامس جبل الجليد، ويشدد في حديث جمعه مع “البلاد" على تدارك الوضع قبل الغرق المحتوم، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، حيث يقول “بلدنا صار مهددا في اقتصاده وأمنه، ليست الثروة في البترول والغاز، وإنما في رأس المال البشري الذي نمتلكه، ويحقق منا إذا استثمرناه “ألمانيا المغرب". خمسة محاور لوضع الجزائر على السكة في 2020 أشار تقرير مبادرة “نبني" إلى أن التحدي الرئيسي الذي يواجهه اقتصاد الجزائر في آفاق سنة 2020، هو النمو القوي والمتنوع، مقترحا من أجل بلوغ هذه الأهداف، فك ارتباط مداخيل الجزائر مع ريع المحروقات، من خلال زيادة الناتج المحلي خارج المحروقات، بحوالي 50 بالمائة بين 2012 و2020، لتصل نسبته من مداخيل الجزائر من 3 بالمائة حاليا إلى 9 بالمائة في 2025. كما يسمح رفع هذا التحدي بتقليص نسبة البطالة إلى نسبة 8 بالمائة في 2020، و15 بالمائة لحاملي الشهادات الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة، وتكون الجزائر قد اكتسبت مناخ أعمال ذي درجة عالمية في 2020 بين 50 الأفضل في العالم في الترتيب الدولي. وحدد التقرير خمس رافعات أساسية لتحقيق الأهداف التي يصبو لتحقيقها، بداية بالتخلص من الاعتماد على الريع تدريجيا على آفاق 20202030، من خلال إلزام الدولة بتضمين الدستور القادم مادة تحدد سقف الجباية البترولية في الميزانية : 40 بالمائة في 2020، 20 بالمائة في 2030. ولفت لتحويل بيئة المؤسسة والمستثمر إلى مناخ أعمال أكثر جاذبية، وتنفيذ سياسة صناعية جديدة وتبني مقاربة جديدة لسياسات التشغيل والسوق غير الرسمية، وكذا تغيير إطار الحوكمة الاقتصادية ومقاربة الدولة في مجال قيادة السياسة الاقتصادية. وحظي التعليم، بمحور كامل ضمن التقرير، الذي اعترف بوجود مجموعة من التحديات على منظومتنا التربوية، لا بد من رفعها للالتحاق بركب التقدم الاقتصادي والاجتماعي، مشددا على بلوغ خمسة أهداف رئيسية تركز في مجملها على تحقيق تعليم ذو نوعية، وضمان تكافؤ الفرص والاهتمام بجميع التلاميذ دون تمييز. كما خصص التقرير محورا كاملا للصحة، واعتبر أن على منظومتنا الصحية أن تبلغ أربعة أهداف رئيسية في آفاق 2020، من أجل تفعيلها وعصرتنها، من خلال تحسين ترتيب الجزائر عالميا في مجال الصحة العمومية، والقضاء التام على الأمراض المعدية، والاهتمام بصحة الأطفال وتقليص وفيات الرضع. وانتقد التقرير غياب إستراتيجية واضحة منذ الاستقلال لتثمين ونشر الثقافة في الجزائر وحماية التراث، واقترح من خلال مجموعة من الحلول وضعها، زيادة المعروض الهزيل للمنتوج الثقافي، وإعطاء الاستقلالية في التسيير للهياكل الثقافية، إلى جانب تنمية السياسة الفنية في كل الميادين، الموسيقى والأدب والمسرح، والفنون التشكيلية والسينما، من خلال السعي لنشرها في وسائل الإعلام الثقيلة..