في الجزائر.. أغلب الأفعال مبنية للمجهول.. بمعنى أن الفاعل غير معروف النسب.. وعنوان إقامته غير محدد.. وهويته مفقودة.. وكل التحريات ستفشل لو حاولت ضبطه متلبسا في مكان الجريمة. أما الأفعال المبنية للمعلوم.. أي تلك التي تقع في دائرة الضوء.. وتطلع عليها الشمس نهارا.. وتضيئها مصابيح الحكومة ليلا.. فهي نادرة.. وإن وجدت فهي من الأفعال البسيطة والناقصة مثل كان وأخواتها. *** الدليل على أن المجهول عندنا يفوق المعلوم.. والسري يطغى على العلني.. وما تحت الأرض يزيد على ما فوق الأرض.. أننا لم نحاكم فاعلا حقيقيا إلى اليوم.. ولم نرم لصا ضخما وراء القضبان.. ولم تنته لجنة تقصٍّ إلى نتيجة تعرض على الرأي العام.. ولم يفتح ملف مشبوه لنطلع عليه.. باستثناء ما أعلنته لجنة صديقي قبل أيام.. بعد أن خطف العريس العروس.. وعقدا القران في البرلمان. *** الناس عندنا.. يتكلمون بضمير الغائب أكثر مما يتحدثون بضمير المتكلم والمخاطب.. ولسبب ما يفعلون ذلك.. وهذه اللغة الكتومة جزائرية المولد والمنشأ.. فكل شيء منسوب إلى (هم).. فأنت لا تسمع إلا: هم لا يريدون.. هم يقررون.. هم يحيون ويميتون.. هم غاضبون على فلان.. وهم راضون عن علان.. هم أزاحوه وهم أعادوه. وإن أفصحوا قليلا.. قالوا “الجماعة” لا تريد.. وقد قرروا هذه المرة أن يأكلوا رأس فلان.. لأنه يخوض بيده في عش الدبابير.. ويدس أنفه الطويل فيما لا يعنيه.. وإن تجرأت وسألت من هم الجماعة؟ قيل لك: هم!!.. وإن ألححت في السؤال أجابوك.. (هاذوك.. علاش ما تعرفهمش؟).