احتفلت الأسرة الإعلامية في الجزائر يوم أمس باليوم العالمي لحرية الصحافة والتعبير.. طبعا هذه المناسبة نحتفل بها كل سنة مثلها مثل عيد العمال وعيد المرأة والمعاقين… بل إننا سنحتفل العام القادم بالعيد الوطني للصحافة يوم 22 أكتوبر القادم تيمّنا بالخريف المقبل، وربما بحملة الحرث والبذر التي تعقب موسم حرائق الغابات السياسية في بلادنا على طريقة أزمة صائفة 62 الشهيرة التي تم إحياؤها خلال فترة حكم الرئيس الأسبق اليامين زروال. البارحة لم أحتفل بالمناسبة، وأنا على كل حال لا أتذكر أنني احتفلت بهذه المناسبة التي يوزع فيها المسؤولون "لي سوطاس" و" فناجين بختة" على الصحفيين، ربما لأننا بحاجة إلى فناجين "بختة" لارتشاف القهوة لأن العمر المتوسط للصحفي لا يزيد في الغالب عن 50 سنة، ربما هذا صحيح لكن باستثناء الصحفيين العاملين في القطاع العمومي. البارحة لم أحتفل بالمناسبة، لأنني أردت تجنب الكثير من المظاهر المشينة التي تعكس نوعا مقززا من المنتمين إلى هذه المهنة التي ستتحول بإذن الله إلى أقدم مهنة في التاريخ مستقبلا.. فقد حكى لي صديقا أن "صحفيا" استقبله أحد ولاة الجمهورية وعندما وافق على كافة طلباته لإحياء اليوم العالمي للصحافة دعا الصحفي والي الولاية للحضور من أجل أن يكرمه رجال الصحافة، فرفض الوالي بلباقة.. أكره هذه الاحتفالات التي تتدافع فيها فناجين القهوة لتذكّرني بالأزمة والطوابير، تماما مثلما يفعل بعض المنتسبين إلى هذه المهنة أمام الإدارات والشركات، لذلك أكره الإسقاطات التي تذكّرني بصحافة "الاستقصاء" على طريقة اقتفاء الأثر. هل يمكن أن نحلم بمهنة نبيلة غير هذه؟ فقد كان الشاب عز الدين الشلفي مثلا أكثر جرأة وصراحة من كثير الصحفيين وهو يندد بالحقرة. هل يمكن أن تتحسن وضعية مئات الصحفيين الذين يعيشون حالة من القلق النفسي والتوتر الاجتماعي على كافة المستويات؟ قبل أيام قامت سلطات تلمسان بإقصاء مراسل صحفي من قائمة المستفيدين من السكن الاجتماعي، رغم أن راتبه لا يتعدي العشرين ألف دينار، والتهمة أن الجريدة التي يعمل لصالحها تمنحه راتبا غير معلوم. ولست أدري لماذا لا تحتسب السلطات المداخيل غير المعلنة ولا المعلومة للمستفيدات من السكن الاجتماعي الذي يتحول بين عشية وضحاها إلى أوكار للرذيلة، ومن هنا يمكن للجان توزيع السكن إقصاؤهن من الاستفادة. الشيء الوحيد الذي أصبحت أدركه أن السلطات العمومية تتعامل مع المراسلين والصحفيين بأسوأ ما تتعامل به مع المشتبه فيهم وفئات أخرى لا أريد تسميتها حفاظا على الصورة الجميلة التي لاتزال مرتسمة لدى البعض عن الصحافة، وعلى رأي الصحفي القدير جلال الدين الحمامصي.. هنالك قربة مقطوعة أو أن الأمر برمته أشبه بتلك القربة المقطوعة التي ألف باسمها كتابه الشهير وضمنه سيرته ومختلف المراحل التي مر بها خصوصا تحت حكم أنور السادات. لذلك أقول إن الوضع متشابه بل متطابق سواء في بلدنا الذي افتك مرتبة جد متأخرة في مجال حرية الصحافة، وبالمناسبة فهو تقرير نشر قبل أكثر من شهرين، أو في مصر ولبنان والأردن أو أي بلد آخر، فهنالك نظرة مخيفة تجاه الصحافة… نظرة تؤكد أن المستقبل يدفع بالأجيال إلى الابتعاد عن مهنة الصحافة قدر الإمكان، فهي قاتلة وخطيرة ومثيرة للقلق والرعب والخوف، لذلك قد ينصح الأطباء الناس بالابتعاد عنها مثلها مثل التدخين وكل ما يسبب الأمراض الفتاكة..