نستطيع أن ننسج على منوال صالون الكتاب ''سلطان'' الذي هو ثمرة الأفكار التي ننتجها في هذه الديار وبعضها باسم الثورة والثوار أمثلة حقيقية: الكتاب قرصان أو أتان أو بهتان. أيكم يقرأه فلا يجد له على أرض الواقع إلا الأوهام... لأن السلطان نفسه غير مرغوب فيه على الدوام! فكيف إذا كان كتابه! الكتاب سلطان العام الذي فات حمل شعار معرض الكتاب دعوة ''احكي لي كتاب'' كما رسمت بكل أخطائها النحوية والإملائية! كأنها أخطاء كتب بن بوزيد التي يلزمها ميزانية جديدة من أجل تصليحها. وهذا العام شعار صالون الكتاب ''الكتاب سلطان ...'' وليس خير أنيس، أو خير جليس؟ ولو عدّل أصحاب التسمية العنوان قليلا لقالوا لنا مثلا ''الكتاب رئيس'' أو ''حتى وزير''! فليس هناك حرج مادام أن الكتاب سلطانا أي أبوهم! أما السلطان من سلطنة وسلاطين فقد ولوا أجمعين، ولم يعد يذكرهم أحد إلا من اثنين: سلطان عمان قابوس الذي صنع مملكة من لا شيء حين كان بلدا في السبعينيات من القرن الماضي يشعل الشوارع بأنوار الفوانيس، وسلطان بروناي الذي يحقق أعلى ثروة في العالم، ولا ينسى مواطنيه على قلة عددهم فيحصلون على نصيب من الدخل يعد الأعلى في العالم! وفيما عدا هذين السلطانين المحبوبين، فإن كلمة السلطان نفسه لا تدعو للاطمئنان... فإذا اقتربت منه كثيرا لسعك كالثعبان أو حرقك كالنيران، وإذا ابتعدت عنه طواك النسيان! وبالكاد تجد الآن من يحب صفة سلطان لأنه يذكره أول ما يذكره بفكرة الخلافة والاستخلاف في المنصب. والعنوان العام لهذا بعد أن وصلنا الآن إلى تكوين مجتمع مفيد تسلل إلى مفاصل الحكومة والمال والأعمال أن الولد يخلف أباه في مصنعه أو في منصبه أو في مزرعته وفي كل خير، وقد نحصل في يوم قريب جدا بواسطة عقلية السلطان على قائمة اسمية بالمناصب المسموح بها لفئة الفقراء وتلك المسموح بها لفئة الأغنياء... فلا يعتدي واحد على الآخر بمسابقة مزورة أو مفبركة إلا من باب ما يفعله الخماس الذي يتعارك مع خماس آخر حول مال الناس! ولهذا يمكنكم أن تسألوا الآن أيا كان عن رأيه في صفة السلطان فلا يقول خيرا فيه. وقد ينعته البعض بأن شيطان أي أنه مسؤول غير مرغوب فيه، والأجدر أن يتظاهروا أمامه أحيانا وليس على الدوام للتذكير بأنهم ليسوا نياما مثل السبعة رقود وكلبهم الباسط ذراعيه من الذين فاقوا فوجدوا أنفسهم في الزقاق!! فكيف قفزت في ذهن عمنا أمزيان صاحب الصالون أمر السلطات في كتاب؟! بعض المحللين يقولون إن معشر العرب (والقبائل) وليس العجم مولعون بالدوران في الفراغ والعودة إلى سالف العصر والأوان مع بنت السلطان التي جاء يخطبهعا واحد من الرعيان، فزجوا به في السجن أياما حتى يفهم قدر حجمه ولا يتطاول على من أكبر منه وهذا باسم تكافؤ الفرص وانعدام الفوارق الاجتماعية... وباسم''الخاوة'' أيام الثورة وحتى الوطنية والوطن... ورحم الله امرأ عرف قدره، وعالما عرف حدود علمه. وليس بعيدا فقط، سلطان مراكش أودع واحدا من رعيته العزيرة لأنه تطاول على خطبة بنت النسب والحسب من العائلة المالكة. ومخربش مشاكس برتبة مدير جريدة هناك أودع السجن نفسه لأنه تجرأ على نقد زواج واحد من تلك العائلة بشقراء من بنات عيسى (سابقا) من الألمان! ولهذا لم يخطئ أحد حينما علق على صالون ''الكتاب سلطان'' بقوله قرصان! وإن كان قرصان بحجم بابا عروج بنى دولة وقرصان الصومال أزعج حكومات عليها سلاطين شعبين وغير منتخبين بالتزوير كما هو الحال عندنا. ولهذا، فإن أمزيان ''الزين'' ومعه الأسرة الأدبية التي لا وجود لها أصلا كما يجزم صاحب الجاحطية الطاهر وطار، يريد أن يلعب على الأوتار بعد أن رفع من قيمة الكتاب إلى مرتبة سلطان غير مرغوب فيه أو حائر أو خائر مثلما تخور الأبقار! بدليل أنه قال لنا العام الماضي ''احك لي كتابا''، بدل أن يقرأه هو بنفسه على اعتبار أنه يغزو قلب السلطان! ... ربنا كما خلقتنا!! كل واحد فينا يمكنه أن يكون سلطانا... حتى الذي يشرب قهوة وفارو أوسي فارو كما يرفع من شأنه جيراننا الذين ينتخبون مثلنا سلطانا في ''دارو''! ولاحظوا أن شرط الدار مطلوب هنا لكي تكون سلطانا. ولا تنسوا أن سلطنة الواحد منا في هذه الحالة مهدّدة أيضا بفضل غلاء الأسعار. فالحكومة بعد أن عاقبت أصحاب النوايا الخبيثة في شراء سيارة بالتقسيط لكي لا ترهق جيوبهم قررت رفع أسعار الفارو والشمة، وهو نوع من التبغ يوضع في الفم أنه شرحي العالم أجمع باستثناء هذا البلد بعد أن حافظ على مكانته، والمرجح أن ''السلطان في دارو'' يتأثر مع الفارو، ولا يتأثر بالكتاب، باعتباره سلطانا في آخر الزمان بعد نحو 60 عاما من الثورة التحريرية، وكان يفترض أن يكون محضرا كالخبز اليومي. فالمحطة التي وصلنا إليها بعد كل هذه المدة أننا ربنا كما خلقتنا... كنا نتحجج بأننا تعلمنا من الجبل ككتاب مفتوح والواقع ككتاب مفضوح، فصرنا نتحجج بأن المهم أن يكون الواحد ''فاهم'' فينا ولاعجلو باش اقرا! والمنطق هذا الوحيد في العالم الذي يجعل الواحد فينا فاهما وفهيما دون أن يقرأ حرفا واحدا ودون أن يجلس إلى متعلم. فهل بعد هذا يمكن أن نتحدث عن كتاب كالسلطان، بالمفهوم غير السيئ النية كما هو واضح عند أصحاب الصالون، أي الذي يحظى بالتبجيل والاحترام؟ أصل الصورة مشتق من ثور حسب ما يقوله اللغويون، وهو فعل تغيير في الأفكار والسلوك قبل أن يكون تغييرا في السياسة ونظام الحكم وانتقال السلطة. والثورة التي تفعل ذلك وتبقى تدور كالثور المربوط فما الذي جنيناه فكريا من هذه الثورة التي كان ختامها الكتاب سلطان والذي عنده قهوة وفارو سلطان في دارو؟ أولى الثمرات المعروفة أنها سوت بين الثيران، فالذي يقرأ ويكتب كالذي لا يقرأ ولا يكتب، وهو أمر قائم الى اليوم، وليس هناك سبيل لتغييره في المنظور القريب إذا كانت الكفاءة آخر ما يسأل عنها. وثاني الثمرات أن مساواة جديدة حدثت هذه المرة بين حزب البقر والبشر! فقد توارد إلى مسامعنا أن الجزائريين الذي سيحصلون على بطاقات تعريف وجواز سفر بيومتري غير قابل للتزوير وبالفرنسية سيكون لأبقارهم وثيرانهم وأغنانهم نفس الحظ! فالحكومة تسعى إلى أن تزود كل دابة خاصة على الحدود ببطاقة تعريف إلكترونية (من دون جواز سفر) لكي تضبط حدود تحركها، وتمنع تهريبها وسرقتها! فماذا لو أن هذه الحكومة قامت بقياس وزن البشر حسب سعر كيلوغرام لحم لتحدد القيمة الحقيقية للإنسان الذي تعرض لكل هوان وصار وزنه كالذبان! أما ثالث الثمرات وأخطرها أن تختلط علينا الأمر فتكشف فصائحنا من الخارج، من قطع الغيار المغشوشة إلى الطائرات التى كشفها الأوكرانيون وحتى أرصدة أصحابنا التي يقرأها الإسبان وليس الكتاب عندهم سلطانا أو تصدر قرارات مجهولة المصدر تثير فينا ولا أحد يعرف مصدرها أو ببساطة نقيم صالونا دوليا هذه المرة ليس للكتاب وإنما لتربية الماعز والدجاج معا... فأين الربط بين الاثنين إذا كان الخلاف بينها فقط في القدرة على التسلق والطيران ولو على ظهور الغير! المهم المصلحة وهي أولا وأخيرا! ولا يهم إن كان الكتاب سلطانا أو خبرا أو قرصانا أو أتانا أي حماراا!