حملت سنة 2009 أحداثا كثيرة طغى عليها التهديد والاضطرابات. فإسرائيل والولاياتالمتحدة تواصلان التحرش بالشعوب المستضعفة بالعدوان والحروب كما حصل في غزةوفلسطين ويحصل في العراق وأفغانستان، مهددين بذلك السلم والأمن في العالم بأسره. كما شهد هذا العام توسع رقعة الاضطرابات السياسية في الدول كما يحدث في إيران واليمن والصومال. بالنسبة للاقتصاد العالمي كانت هذه السنة مميزة جدا بأزمتها المالية التي لم توفر أحدا دافعة بالعالم إلى مربع الكساد والبطالة والفقر. ومما طبع سنة 2009 ظهور وباء أنفلونزا الخنازير القاتل الذي حبس أنفاس العالم حيث حصد حتى الآن 11 ألف ضحية وملايين المصابين، لينشر الذعر في كل مكان. أما الكوكب الأزرق المهدد بالاحتباس الحراري فهو مهدد أكثر من أي وقت مضى بسبب جشع الدول الصناعية التي فوتت على البشرية فرصة مؤتمر كوبنهاغن للمناخ لمحاصرة انبعاثات الغازات الدفيئة بسبب الحسابات السياسية والاقتصادية الضيقة. إذا انتهت 2009 بحلوها ومرها، جاء عام جديد ستستقبله البشرية بالأمل في كوكب نقي وآمن ومستقر. شخصيات غادرت وسياسات تغيرت حملت سنة 2009 بين طياتها أحداثا تاريخية أثرت بشكل عميق في المشهد الدولي. من أبرز هذه الأحداث العدوان الإسرائيلي على غزة وما حمل من مشاهد مروعة نقلتها الفضائيات على المباشر، جعلت العالم كله يقف على الوجه البشع للإسرائيليين. كما جرت غزة الجريحة رؤوس الكيان العبري إلى المحاكم الدولية لأول مرة كما حدث في إسبانيا وبريطانيا، بالإضافة إلى إدانة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إسرائيل تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بناء على تقرير القاضي غولدستون. العالم يتخلص من بوش من أجمل ما رأينا في ,2009 خروج الرئيس الأمريكي جورج بوش من البيت الأبيض بعد 8 سنوات كانت جحيما على العالم بسبب الحروب الوحشية التي خاضها في العراق وأفغانستان، ودعمه التام لجرائم إسرائيل في فلسطين ولبنان، بالإضافة لسياساته الاقتصادية الفاشلة التي أفرزت الأزمة المالية الضخمة التي لاتزال تبعاتها إلى اليوم. يضاف إلى هذا كله تنكره لاتفاقية كيوتو للمناخ ومساهمته في تخريب التوازن البيئي على الكوكب الأزرق. رحل بوش وجاء أوباما الذي أعاد نوعا من التوازن في العالم بالنسبة لقضايا المناخ والاقتصاد ولو بشكل منقوص. أما قضايا المسلمين فلم يختلف كثيرا عن سلفه بالنسبة لأفغانستان والعراق، رغم حرصه على الظهور بمظهر رجل السلم والحوار في الكلمات المعسولة التي أطلقها في خطابه بالقاهرة للعالم الإسلامي، وكذا تخفيف حدة دعمه لإسرائيل بالمقارنة مع بوش. أزمة حكم في إيران عاشت إيران على مدار أشهر في 2009 على وقع أزمة حكم عميقة بين تيارين شكلا على مر تاريخ دولة ولاية الفقيه صورة المشهد السياسي ضمن ما رسمه الخميني من خطوط عريضة للدولة الإسلامية. الأزمة تفجرت بسبب الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية والتي لم تحظ باعتراف التيار الإصلاحي الذي يقوده المرشح الخاسر مير حسين موسوي، والرئيس السابق محمد خاتمي ومهدي كروبي، وبدعم خفي من هاشمي رفسنجاني الرجل الثاني في الجمهورية بعد المرشد. أزمة طاحنة قسمت البلاد إلى فريقين، ما بين مؤيد ومعارض، وضاعت في غبارها مصداقية النخبة الدينية الحاكمة. وبالموازاة مع أزمة الحكم في إيران تصاعدت في المقابل أزمة الملف النووي الإيراني بشكل كبير، ولم يحسم الجدل الدائر حتى الآن بين إيران والغرب بقيادة الولاياتالمتحدة حول حق طهران في الحصول على تكنولوجيا نووية وفرض المزيد من العقوبات عليها. الحريري والأسد على طاولة عشاء في مطعم دمشقي في العلاقات السورية اللبنانية التي كانت محل جدل دولي واسع منذ اغتيال الرئيس الحريري سنة 2005 وما تبعها من تطورات وتغيرات عميقة في الساحة اللبنانية كانت كلها في اتجاه مواجهة سوريا، كانت سنة 2009 مميزة للغاية بالنسبة لتاريخ العلاقات بين البلدين، حيث بدأت برفع العلم السوري فوق السفارة السورية في بيروت، وانتهت بزيارة الرئيس سعد رفيق الحريري لدمشق زيارة تاريخية تخللها عشاء ودي بين الرجلين حمل العديد من الدلالات خاصة بعد سنوات من العداء والخصومة بين الرجلين. تلك هي خلاصة سنة 2009 بكل ما يحمله المشهدان من رمزية. الحوثيون من مواجهة اليمن إلى مواجهة السعودية من الأحداث البارزة التي عرفتها في 2009 تجدد التمرد الحوثي في شمال اليمن بعد انهيار اتفاق الهدنة والمعارك الطاحنة التي تدور في تلك المسالك الوعرة وما رافقها من معاناة إنسانية بالغة لأهالي المنطقة. كما انتقلت المواجهات إلى الجبهة السعودية حيث قام المتمردون الحوثيون باختراق الحدود السعودية واحتلال جبل الدخان مما استدعى ردا قاسيا من المملكة التي رأت في الظاهرة الحوثية الشيعية امتدادا لصراعها الخفي مع إيران، فما كان منها إلا الضرب بيد من حديد ليتراجع الحوثيون في نهاية السنة ويعلنون انسحابهم من أراض المملكة مقابل وقف هذه الأخيرة قصفها على مواقعهم. ورغم هذا الهدوء النسبي إلا أن الأوضاع مرشحة لتتفجر مجددا دون حل سياسي بين اليمن والحركة الحوثية. 2009 لم تحسم صراعا بين البيئة والنمو الاقتصادي مؤتمر كوبنهاغن للمناخ.... الدول الصناعية ترهن مصير الأرض في 22 أكتوبر طلبت الحكومة الأثيوبية من المجتمع الدولي إمدادها بمساعدات غذائية طارئة لحوالي 6.2 ملايين نسمة من مواطنيها يعانون خطر المجاعة التي تهدد البلاد بسبب الجفاف طويل الأمد وقلة الأمطار كان له الأثر الشديد على إنتاج المحاصيل ونمو المراعيب. هذه عينة بسيطة من بعض ما تعانيه الشعوب الفقيرة في دول العالم الثالث بسبب الصناعات الغربية المتطورة وما تطلقه من سموم وغازات ترفع من حرارة الأرض وتخل بالتالي بالتوازن البيئي للكوكب الأزرق بشكل يؤسس لنزاعات دولية ومآسٍ إنسانية غير مسبوقة. وبنظرة متصفحة على ما شهدته سنة 2009 من كوارث بيئية وطبيعية نجد تعاظم غير مسبوق لتداعيات الأزمة المناخية على الكرة الأرضية من خلال تعرض أجزاء واسعة منها للفيضانات والأعاصير والجفاف التي خلفت وراءها آلاف الضحايا وخسائر مادية بملايير الدولارات. أما المؤسف فهو أن ما ستستقبل الأرض أخطر مما استدبرت بكثير. وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، دعت الأممالمتحدة إلى مؤتمر كوبنهاغن أواخر السنة لإنقاذ الأرض من خلال وضع آلية دولية ملزمة لتخفيض الانبعاثات الغازية. وبتاريخ 19 ديسمبر أقرت قمة كوبنهاغن الاتفاق الذي أبرم بين كل من الولاياتالمتحدة والهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا، ثم ما لبث أن عمم على كل الدول المشاركة في المؤتمر. وتتضمن الاتفاقية الجديدة تخصيص مبلغ 30 مليار دولار تمنح للدول الفقيرة لمساعدتها على مواجهة مخاطر تغيرات المناخ على أن يرتفع المبلغ إلى 100 مليار دولار بحلول عام .2020 ويسعى الاتفاق إلى خفض درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين، وهو الأمر الذي رفضته العديد من الدول النامية فيما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأنه لا يستجيب كلية للآمال والتطلعات. وكالعادة لعبت الحسابات الاقتصادية والسياسية الضيقة للدول الصناعية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة والمجموعة الأوروبية دورا رئيسيا في فشل المؤتمر من خلال الخروج بتوصيات محتشمة غير ملزمة تمثل تراجعا واضحا عن مستوى اتفاقية كيوتو المناخية. وبهذا تعتبر سنة 2009 محطة حزينة للمدافعين عن البيئة من شعوب ومنظمات دولية. فمؤتمر كوبنهاغن لم يقض على هواجس تدهور النظام البيئي في الكوكب الأزرق...لندخل السنة الجديدة على أمل أن تحمل معها تطورات مبشرة في صالح مناخ الأرض. 2009 سنة حزينة للاقتصاد العالمي أزمة المال تهز الرأسمالية وترسم خريطة قوة جدية في العالم تميزت سنة 2009 بكونها سنة الأزمة الاقتصادية التي خلطت الأوراق وجعلت العالم بأسره يقف مذهولا مصدوما من حجم الكارثة. فبعد 80 سنة من الكساد الكبير، عاد نفس المشهد نفسه بحدة أكبر بحكم عولمة الاقتصاد وترابطه وتشابكه. فأزمة الرهن العقاري أو الأصول الفاسدة جعلت أعرق البنوك الدولية تنكشف أمامها بملايير الدولارات لتنهار البنوك ومعها أسواق الأسهم، ويدخل العالم في دائرة الكساد مما جعل أغلب الاقتصاديات الدولية تسجل انكماشا وتراجعا. كما سجلت التجارة الدولية تراجعات كبيرة بسبب السياسات الحمائية للدول. واعترف قادة الغرب بالأثر العميق الذي أحدثته هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي الذي فقد الثقة وأضحى هشا، إلى درجة أن أصغر أزمة سياسية أو اقتصادية أو أمنية تؤثر عليه وتبث الذعر في أسواقه المالية. كما توقع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن يحتاج الاقتصاد العالمي إلى عدة سنوات حتى يعيد هيكلة نفسه والخروج من دائرة الأزمة. وأما الأهم فهو تسجيل سنة 2009 تغيرا تاريخيا في ميزان القوى في العالم على إثر الأزمة العالمية ، حيث انتقل من عصر الإمبراطورية الأمريكية إلى عصر تعدد القوى أي توزع مراكز صنع القرار الدولي بين الولاياتالمتحدة والمجموعة الأوروبية والهند والصين، هذه الأخيرة كانت المستفيد الأكبر بتسجيلها وتيرة نمو ضخمة، مكنتها من احتلال المرتبة الثانية في جدول أعظم الاقتصاديات العالمية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية.