إذا كان من العادي جدا أن تكتفي الأحزاب الراضعة والخاضعة بصياغة برقيات تعازٍ، في ردها على مأساة مقتل المدير العام للأمن الوطني، وذلك كأضعف الإيمان بأنها جزء من نوبة الجنون المفاجئ أو الخلاف الشخصي الذي قد يحدث حتى بين البرلماني وأخيه، فإنه من الغرابة أن نعثر على مبرر يستر رُضع الثلاثين مليون سنتيم من سوءة أنهم أضحوا أقرب إلى غواني وراقصات حي سلطوي.. نعرف أن الحكومة قد أغمضت عيون برلمانييها بملء البطن ونلتمس الأعذار لجماعة النزوف الريفي الذين لا ينتظر منهم أن يعضوا الأيادي التي أطعمتهم وحصنتهم، نتفهم ذلك في القضايا الكبرى، فليس معقولا أن يتجرأ برلماني أو رئيس حزب و''حلب'' ما، على وزير الداخلية ويسأله عن تداعيات مقتل علي تونسي، لكن أضعف ''الإدمان'' أن يقدم استفسارا عاما عن الظروف التي أدت بمواطن يقطن بالعاصمة إلى انتعال بندقيته ليدخل في ''خلاف شخصي'' و''مجنون'' مع موظفي شركة سونلغاز ويشهر في وجوههم رصاصه. نعلم أن هناك أسرار دولة تقتضي ألاّ نخوض كثيرا في ''الخلاف الشخصي'' الذي تسبب في مقتل المدير العام للأمن الوطني، لكن تلك الأسرار لا علاقة لها بالمواطن العاصمي الذي أصيب بنوبة ''جنون'' عارضة ليحجز موظفي مكتب سونلغاز المجاور ''لحومته''، في احتجاج خرج من دائرة الخلاف الشخصي إلى دائرة الجنون العام الذي تسبب فيه انقطاع التيار الكهربائي بين المواطن وبين حكومته، فأصبح من العادي و''العاجي'' أن نصطبح على خبر أن أحدهم احتجز رهائن سونلغاز بسلاحه احتجاجا على تضخيم الفواتير.. وأين في العاصمة وليس في الدوار؟