بانضمام 14 حزبا إلى فلك مؤيدي عبد العزيز بوتفليقة للظفر بعهدة ثالثة وبمشاركة خمسة أحزاب في المنافسة وبانخراط نقابات وجمعيات في المسار الانتخابي، لم يعد صوت للمقاطعة يسمع. فالمعارضة الراديكالية التي يمثلها كل من جناح الإصلاحي عبد الله جاب الله وجبهة القوى الاشتراكية، أصبح صوتها خافتا لا يكاد يسمع. فالاثنان يدعوان إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية من منطلق أنها تفتقد المصادقية المطلوبة. وإذا كان الاثنان يجمعان بالحكم على غياب عوامل النزاهة والشفافية بالرغم من الضمانات المقدمة فكلاهما يختلف في أسلوب الدعوة إلى مقاطعة الناخبين للموعد الانتخابي في 9 أفريل .2009 وبعد صمت وتردّد، وما إن قال الوزير الأول السبت الماضي لن نتابع دعاة المقاطعة ولن ندخلهم السجن، حتى تحررت قيادة جبهة القوى الاشتراكية وأعطت تعليمات لفيدرالياتها في 27 ولاية للتحرك في نشاط مواز للحملة الانتخابية والدعوة إلى مقاطعة اقتراع الربيع القادم. وانطلق بالفعل اشتراكيو جبهة قوى آيت أحمد وسكرتيره الأول يخطبون في الناس بعدم جدوى رئاسيات 2009 التي يرون أنها تفتقد رهان وعناصر التشويق، حرية الاختيار والمفاجأة. وذهب كريم طابو إلى حد القول بأن استحقاق أفريل القادم مغامرة تزج بالجزائريين في مستقبل غير محسوب العواقب. وقال أيضا إنها صبغة السلطة لإعادة نفسها وتكييف الظروف لإيهام الناس بتغيير افتراضي لا طائل منه سوى تكرار المراحل نفسها والحفاظ على المواقع والمنافع والريوع. إذا كانت الحركة الديمقراطية والاجتماعية التي يرأسها حسين علي والحزب الاشتراكي للعمال يتفقان على اعتبار المسار الانتخابي مجرد عملية تجميلية للنظام الرافض التداول السلمي على السلطة، فإن حزب سعيد سعدي الذي غاب فجأة عن المشاركة في التنافس على كرسي القاضي الأول في البلاد فإنه يرى أن التزوير مازال أسلوبا مكرسا في التعامل مع استحقاق بعنوان رئاسة الجمهورية. وأوعز زعيم الأرسيدي سبب تجذّر التزوير في المسار الانتخابي الجزائري إلى تكريس الابتزاز السياسي والزبائنية وشراء الذمم. كما يصف الدكتور المشاركة في الاقتراع بالمشاركة في تكريس نظام متعفن والحيلولة دون وصول الشرعية الديمقراطية إلى الحكم. هذا، وكات لسعيد سعدي أن اشترط لمشاركته إشراك ودعوة ملاحظين دوليين للإشراف على العملية الانتخابية ومراقبتها قبل أن يتراجع ويعلن عزوفه عن المشاركة على الرغم من نزول الرئيس عند رغبة رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وقيامه بدعوة مراقبين من الأممالمتحدة، الجامعة العربية، الاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وبين قوافل المشاركين والمؤيدين غرق صوت دعاة المقاطعة وسط الأغلبية الصامتة التي عوّدتنا على المفاجأة. فأي صوت بقي للمعارضة في ظل التيار الجارف واستعراضات القوة التي تقوم بها أحزاب التحالف الرئاسي الموسع إلى النقابة والمنظمات الجماهيرية وجمعيات المجتمع المدني؟ ورغم خرجة سعدي بفكرة العصيان الانتخابي، فإنه لم يقدر على تجسيده على أرض الواقع قبل أن يعلن تجميد كل نشاط سياسي لحزبه لما بعد الرئاسيات. وهي خطوة ذكية جمع فيها المقاطعة وعدم السقوط في مغبة التشويش على مجريات الرئاسيات بإعلانه الدخول في إضراب سياسي يكفيه خطر الانقلاب الداخلي وبروز تيار تصحيحي يقضي على ما تبقى له من صيت وسط بقايا أوفياء الأرسيدي الآيل إلى السقوط.