انتقص الحكم الصادر في حق "سعد عبد الله جاب الله" عن مجلس الدولة، يوم الثلاثاء الماضي، من وزن تواجد الأحزاب الإسلامية على الساحة السياسية من جهة، ومن وقع المعارضة الفعلية التي ولدت من رحم أزمة 5 أكتوبر1988 من جهة أخرى• فإزاحة "عبد الله جاب الله" من المشهد السياسي بعد نجاح جناح التقوميون بقيادة "بولحية" و"جهيد يونسي" في استصدار حكم من مجلس الدولة ضده، له أثر كبير على التعددية السياسية الحقيقية بالجزائر، بالنظر للمواقف التي أبداها "جاب الله" كمعارضة في العديد من المناسبات، إلى جانب أحزاب معارضة كالأفافاس والأرسيدي وحزب العمال كمحطة أولى، وله تداعيات على التيار السياسي الإسلامي بالجزائر كمحطة ثانية، خاصة وأن "جاب الله" قد نجح في لف حوله أنصار التيار الإسلامي، سواء بالنسبة لهؤلاء الذين سقطت عنهم صفة النضال السياسي، بعد حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، أو بالنسبة لهؤلاء الذين نبذوا طريقة تعاطي قادة حركة مجتمع السلم مع العديد من القضايا، معتبرين ذلك نوعا من الانبطاح المعلن للسلطة من جهة أخرى، وقد وفرت هذه الأجواء ل"عبد الله جاب الله" نوع من المصداقية، مكّنته من كسب حلفاء إضافيين محسوبين على التيار الإسلامي المعارض بالجزائر• وقد تمكن "جاب الله" على مدى مسيرته النضالية، منذ تأسيس جمعية الإصلاح والإرشاد سنة 1988، مرورا بتحولها إلى حركة النهضة سنة 1989، ثم إلى حركة الإصلاح الوطني، التي أصبحت حزبا قويا بالمعارضة، من تعزيز رصيده النضالي بالداخل، وتعزيز مصداقيته بالخارج، الأمر الذي منحه صك لتحقيق فوز كبير في الانتخابات التشريعية لسنة 2002، غيرت الخريطة السياسية بالجزائر• لكن سرعة صعود "جاب الله" إلى الواجهة قابلتها سرعة سقوط مماثلة، عندما سجل نقاط ضده في عدة محطات انتخابية، أولها رفضه تزكية مرشح الرئاسيات بالإجماع على مستوى حركة النهضة "عبد العزيز بوتفليقة" سنة 1999 عندما كان رئيسا لها، ثم وقوفه في صف مرشح الانتخابات الرئاسية لسنة 2004 الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني "علي بن فليس" ضد رئيس الجمهورية "عبد العزيز بوتفليقة"، وهو قائدا لحركة الإصلاح، وقد انتهت هذه الخرجات بالسلطة إلى المسارعة إلى تقليم أصابع "جاب الله" مكّنتها من الإسقاط به من على رأس الحركة في صائفة 2005• وهكذا دخلت حركة الإصلاح زوبعة الخلافات، وأصبحت أروقة المحاكم الفضاء المناسب لفض نزاعاتها الداخلية، بدل ممارسة نشاطها الحزبي في حقل المعارضة الراديكالية الذي اختارته منهجا لها، واختتمت مرحلة المد والجز بنجاح القوميون في استصدار حكم من مجلس الدولة لصالحهم، وتمكينهم من إدارة شؤون الحركة، رغم ذلك يتمسك الشيخ بالحركة ويصر أنه رئيسها الفعلي من خلال العودة إلى مؤسستها المنبثقة عن المؤتمر التأسيسي سنة 1999• لكن المتتبع للندوة الصحفية التي عقدها "عبد الله جاب الله"، يوم السبت الماضي، بشأن منطوق الحكم الصادر عن مجلس الدولة، يستنتج بكل صراحة أن وقع الصدمة كان قوي جدا على الشيخ، إلى درجة أنه فسره لصالحه، رغم أن كل المؤشرات تقول عكس ذلك • والمؤكد اليوم أن "عبد الله جاب الله" رجل المعارض القوي وزعيم التيار الإسلامي المعارض في الجزائر لديه خيارين لا ثالث لهما، الأول في العودة إلى نقطة الصفر، وتأسيس حزب جديد وهو ما يعني جولات من النضال والصبر لافتكاك موقع على الساحة السياسية الجزائرية، أو التقدم كمتنافس في الانتخابات الرئاسية القادمة، التي تدل المعطيات السياسية أنها تتجه نحو عهدة ثالثة لرئيس الجمهورية•