أحمد بن بيتور.. كان الوحيد الذي تجرأ على كسر الروتين التقليدي لرجال السياسة في الجزائر في تعاملهم مع الانتخابات الرئاسية، فقرر طرح نفسه أمام الجزائريين في فترة كان الجميع يتهيب فيها من فكرة الترشح، لأن كل المؤشرات كانت توحي بأن الرئيس بوتفليقة يتجه لعهدة رابعة، لكن فجأة قلب مرض الرئيس غير المتوقع كافة الموازين، وأضحى رئيس الحكومة الأسبق يبدو للرأي العام بمظهر الرجل الصادق الذي كان يحمل منذ البداية برنامجا حقيقيا لإنقاذ البلاد، عكس باقي المرشحين الذين سيظهرون قريبا، ليصنعوا برامج ديكورية يكون المواطن والوطن آخر اهتماماتهم فيها. يطرح بن بيتور برنامجا رئاسيا متماسكا في جانبه النظري عماده الأكبر النهوض بالاقتصاد الوطني من كبوته من خلال خطة مدروسة للخروج من الدولة الريعية ذات المورد الوحيد الآيل للنضوب إلى بناء دولة صناعية قادرة على التجدد ومجابهة التحديات المستقبلية التي تنتظرها في ظرف إقليمي ودولي لا يرحم الضعيف. غير أن إيصال تلك المفاهيم النظرية العميقة من دكتور الاقتصاد إلى جموع المواطنين، وتبسيطها في برنامج عملي واضح يفهمه عامة الجزائريين، يبدو من أكبر العوائق التي تواجه "المنظر" بن بيتور في طموحه لأن يصبح "السياسي" القادر على استقطاب قاعدة شعبية عريضة تمكنه من الدعم والسند في الانتخابات القادمة. لذلك، يعتبر بن بيتور في نظر المراقبين مرشحا الأنتليجنسيا الجزائرية أو النخبة المتعلمة، التي بإمكانها استيعاب ما يطرحه من أفكار، في حين يبقى المواطن البسيط الذي مازال ينظر إلى الرئيس على أنه "القائد " القادر على الخطابة والتأثير، غير متحمس كثيرا لبن بيتور الذي يعترف له بالأهلية العلمية ويخشى من كونه يفتقد الكاريزما. ورغم قامته العلمية الرفيعة في مجال تخصصه الاقتصاد، لا يحظى بن بيتور بالإجماع في خياراته وأفكاره المسايرة لاقتصاد السوق والعولمة، فمنذ أن أعلن الرجل نيته في الترشح للانتخابات القادمة، لا تتوقف أحزاب محسوبة على اليسار من مهاجمته، بل وصل الحد ببعض الشخصيات إلى اتهامه بأنه يشكل خطرا على مستقبل البلاد، وهو الوصف الذي أطلقه عليه وحيد بوعبد الله أحد كوادر جبهة التحرير الوطني حين استضافته في "فوروم البلاد"! ومن بين من هاجم بن بيتور بشدة في الفترة الأخيرة، زعيمة حزب العمال لويزة حنون التي كالت له اتهامات عنيفة بالتحريض على الفتنة ومحاولة ركوب موجة الاحتجاجات في الجنوب للحصول على شعبية يفتقدها في الشارع، غير أن ضراوة الهجوم قد يجد له مسوغا آخر في أفكار الرجل الليبرالية واشتغاله في فترة 1997-1998 مستشارا لدى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وهما أداتا الهيمنة الامبريالية العالمية التي تسعى لتنصيب رجالاتها في الجزائر، وفق ما تؤمن به حنون. ويبدو أن شعور بن بيتور بالعزلة السياسية، دفعه للبحث عن فضاءات يمكن أن تتبنى أفكاره ومشاريعه، لكنه على ما يظهر لم ينجح إلى الآن في استقطاب أحزاب ذات ثقل في الساحة الوطنية، فالإسلاميون لم يتحمسوا له وأبدوا توجسهم منه، وبينما راجت أنباء عن إمكانية دعمه من قبل حركة مجتمع السلم ومجموعة الذاكرة، سارع الزعيم الجيد لحمس عبد الرزاق مقري لقطع دابر هذه الإشاعات وأكد عدم صحتها. لذلك، لجأ بن بيتور إلى عباءة حزب جيل جديد بقيادة جيلالي سفيان، فأقام الرجلان تحالفا غير معلن، يقوم من خلاله حزب جيل جديد بتأمين الجانب التنظيمي لتحركات بن بيتور في الولايات، وتوج في الأخير بمبادرة مشتركة انضم إليها المجاهد محمد مشاطي ضد ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة. لكن المبادرة لم تحظ بالزخم الشعبي المطلوب مثلما كان معولا عليها من قبل أصحابها، ربما لاعتمادها على حزب لا يملك الثقل الكبير في الساحة السياسية، إلى جانب أن مرض الرئيس بوتفليقة قد حسم الجدل بشأن عدم ترشحه نهائيا. وما يعاكس حظوظ بن بيتور أيضا، خلافه الشهير مع الرئيس بوتفليقة في أعقاب تعيينه رئيسا للحكومة سنة 2000، مما دفعه لإعلان استقالته بعد 6 أشهر من توليه المنصب، في سابقة أثبتت عناد الرجل وقوة شخصيته ومواقفه، لكنها صنعت له خصما قويا في الساحة السياسية. ومع أن الكثير من الأصداء تشير إلى عدم ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة ما يعني أن مرشحا ثقيلا قد أزيح من طريق بن بيتور، إلا أن تأثير الرئيس في خيارات من يخلفه في مؤسسة الرئاسة قد لا يصب في صالحه. إلى جانب ذلك، لا يحظى بن بيتور بدعم من المؤسسة العسكرية، رغم رواج إشاعات حول وقوف شخصيات ثقيلة من المؤسسة العسكرية بجانبه، سرعان ما قام بتكذيبها جملة وتفصيلا، وهو ما يجعله في النهاية مرشحا لا يملك إلا برنامجه لإقناع الجزائريين، ثم التضرع إلى الله في أن تكون الانتخابات حرة نزيهة حتى لا يضيع جهده سدى!.