يطفو منصب نائب رئيس الجمهورية إلى النقاش السياسي كلما عاد الحديث عن تعديل الدستور، وهو نقاش تفرضه المعطيات الراهنة والتجربة التي تدفع في اتجاه استحدث هذا المنصب السياسي الهام. النقاش في الجزائر لا يرتكز على مهام وصلاحيات نائب الرئيس بقدر ما ينصبّ على هويته، باعتبار أنه سيكون الرجل الثاني في هرم الدولة. وتطرح عملية التمحيص لأوراق الشخصيات الوطنية عدة أسماء مقترحة لهذا المنصب بعد أشهر قليلة من موعد الرئاسيات القادمة، وبين التوازنات الداخلية وحتميات ما يراه الرأي العام، وتلميحات الخارج تظهر هذه الأسماء التي قد يكون من بينها نائبا لرئيس الجمهورية بعد التعديل الدستوري. الأخضر الإبراهيمي.. ورقة ديبلوماسية في مواجهة الخارج يعتبر الأخضر الإبراهيمي واحد من أبرز الشخصيات الوطنية التي تملك رصيدا هاما من الحضور السياسي والديبلوماسي في المنتديات الدولية والاقليمية والعربية، فضلا عن الحضور القوي لدى الرأي العام، والتوافق بين أصحاب القرار، إذ أن مساره السياسي والمهني ورصيده في ذلك، يجعله من الشخصيات الوطنية القليلة التي تبتعد كليا عن الصراعات السياسية والنزاعات على السلطة. كما أن وجوده في منصب نائب الرئيس من شأنه أن يمنح السلطة ورقة قوية في مواجهة الخارج، ويمكن للأخضر الإبراهيمي ومن خلال تجاربه الثرية في الوساطات الأممية أن يترك بصماته القوية على الكثير من الملفات الحساسة ذات العلاقة بالخارج، بدءا من العلاقات الجزائرية الفرنسية مرورا بالأمريكية، وقضايا الصحراء الغربية، والحضور الجزائري في الملفات العربية من تونس وليبيا وسوريا إلى قضايا منطقة الساحل. والأخضر الإبراهيمي في النهاية يحظى بالقبول لدى الرأي العام فهو شخصية نظيفة سياسيا وتاريخيا، كما يعتبر جسر التواصل بين جيل الثورة وما بعد الاستقلال، ووجوده في هذا المنصب يعتبر أيضا حدثا أريحيا للطبقة السياسية. مولود حمروش.. صفقة التوازنات بين السلطة والمعارضة تؤكد الكثير من المعطيات السياسية أن مولود حمروش لا يرغب في الترشح للرئاسيات القادمة لاعتبارات يطول شرحها، بعضها معلوم وبعضها الآخر مجهول. كما أن خرجاته وبخلاف أسماء أخرى مثل علي بن قليس أو أحمد بن بيتور نادرة، ونحن على مقربة من موعد الرئاسيات، وحالة مولود حمروش لا يمكن فصلها عن وضع جبهة القوى الاشتراكية ونقصد رسائل "الحب" التي يبعث بها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني لزعيم الأفافاس في أكثر من مناسبة، فضلا عن تسريبات تحدثت عن زيارة يكون الوزير الأول عبد المالك سلال قد قام بها لآيت أحمد في مقر إقامته بسويسرا على هامش مشاركته في منتدى لمعهد التكوين والبحث التابع للأمم المتحدة. وعند الحديث عن حمروش والأفافاس، فإن رئيس الحكومة الأسبق واحد من الشخصيات السياسية التي تملك علاقة جد لصيقة بالأفافاس، وهي علاقة وطيدة بدأت منذ جانفي 92 على أرضية معارضة إلغاء المسار الانتخابي وقتها وتواصلت عبر كافة الاستحقاقات بواسطة عرابها الراحل عبد الحميد مهري، والمؤكد أن صمت الأفافاس الذي يشبه مباركة السلطة لجل قراراتها وخارطة طريقها له ما يفسره، وقد يكون هذا التفسير في تولي مولود حمروش منصب نائب الرئيس، وبطبيعة الحال فإن مولود حمروش الذي يسميه البعض ابن النظام يملك حضورا داخل أطراف في السلطة وخارجها، ويمكن أن يكون رجل التوازنات، فضلا عن شعبيته التي لا يمكن أن ينكرها أحد، وكل هذه المعطيات تدفع باسم مولود حمروش إلى منصب نائب الرئيس. بلخادم.. ظل الأفلان والولاء للرئيس يصّب حديث عبد العزيز بلخادم عن مساندته للعهدة الرابعة في خانة إمكانية أن يكون مرشّحا قويا لمنصب نائب رئيس الجمهورية، فالرجل لايزال بجواره ظل حزب جبهة التحرير الوطني الذي قاده كآلة حصدت الخصوم السياسيين للرئيس دون كلل ولا ملل. واسم عبد العزيز بلخادم يدرج دوما في قالب الولاء لبوتفليقة، وهذا ما يزيد من حظوظه برغم التحفظات التي تبديها أطراف أو أجنحة في منظومة الحكم عندنا، وقد يزيد هذا من حظوظ ترشيحه لهذا المنصب الذي يتطلب توافقا سياسيا كبيرا مع الرئيس ذاته، وتجربة بلخادم في هذا السياق ليست بالهينة، فقد تولى رئاسة الحكومة وقاد حزب جبهة التحرير الوطني، وعينه بوتفليقة الممثل الشخصي له، وكلها محطات ترفع من رصيده لأن يكون الرجل الثاني في الدولة. بن صالح.. بلا ضجيج.. يعتبر عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة، واحدا من الأسماء التي لا تشكل أي عقبة في وجه أي طرف من أطراف السلطة، فهو ملتزم بكافة التكليفات كرجل دولة بامتياز، يمكن أن يعوّل عليه لتولي منصب نائب الرئيس، وبصرف النظر عن الشعبية التي يفتقدها مقارنة بأسماء وشخصيات سياسية أخرى، فإن تجربته في الولاء للدولة بصرف النظر عن الأشخاص ترشحه لأن يكون الرجل الثاني، بل إلتزماته وتحفظاته السياسية التي نادرا ما نجدها في رجل سياسي ببلادنا. أويحيى.. المستبعد الممكن.. يبدو اسم الوزير الأول السابق وزعيم الأرندي المغادر للساحة السياسية لأسباب معلومة في ظاهرها ومجهولة في جوهرها مطروحا بقوة في حالات استثنائية، بل قد يكون الأقرب لأن يتولى هذا المنصب، لكنه يظل وإلى أن يثبت العكس من الأسماء ذات الحظوظ المحدودة عند الحديث عن نائب رئيس الجمهورية، رغم أن البعض ظل ينظر إلى أويحيى كلاعب احتياطي هام ضمن معاجلة الحكم في الجزائر، لكن المستجدات السياسية في البلاد أبعدته بشكل تام عن ميدان اللعب، ورغم أنه مستبعد إلا أنه سيظل أيضا ورقة ممكنة. وإذا كانت هذه هي الأسماء المقترحة أو ذات الحظوظ، فإن أسماء أخرى بارزة مستبعدة بشكل تام، ونعني بذلك رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس ورفيقه أحمد بن بيتور. بين مطالب بتمريره عبر البرلمان قبل الرئاسيات ومُناد بتأجيله لما بعد أفريل شرخ في صفوف الموالاة بخصوص موعد التعديل الدستوري انشطرت الأحزاب والشخصيات الوطنية المعروفة بمساندتها لمسعى الرئيس بوتفليقة في تعديل الدستور، بين "متحمس" لمراجعة نص القانون الأسمى للبلاد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، وبين معارض يرافع لصالح تأجيل تغيير الدستور لما بعد شهر أفريل من العام المقبل. وتؤكد التصريحات المتناقضة لأنصار الرئيس بوتفليقة حول موعد التعديل الدستوري أن رئاسة الجمهورية لم تفصل على الأقل إلى حد الآن في واحد من أهم الملفات التي أولاها رئيس الجمهورية الاهتمام في عدة خطابات، رغم إعلان الوزير الأول عبد المالك سلال عن تلقيه مسودة النسخة المعدلة من لجنة عزوز كردون متضمنة إنشاء منصب نائب رئيس للجمهورية، وتقييد فترة العهدة الرئاسية بواحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وفسرت مصادر متابعة أنه بمجرد خروج عمارة بن يونس، وزير التنمية الصناعية، عبر قناة اخبارية أجنبية، عن خط "المتحمسين" لتعديل دستوري في آخر أيام عهدة بوتفليقة الثالثة، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لمس مؤشرات تصب في خانة تأجيل عرض الدستور بعد الاستحقاقات الرئاسية، رغم بقاء "الأفلان مطالبا بالإسراع في تعديل الدستور". وأمام حالة الغموض الذي يكتنف موعد التعديل الدستوري، تواصل المعارضة السياسية "نضالها" لفرض منطقها على السلطة بتأجيل تعديل الدستور لكونه سيكون جذريا مثلما وعد بوتفليقة في أكثر من مناسبة، وفي هذا الإطار تجمع الأحزاب المعارضة وبعض الشخصيات الوطنية، من بينها مترشحون للاستحقاقات القادمة، على ضرورة "إرجاء التعديل الدستوري إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية". ويرى مراقبون أن كل المؤشرات تصب في خانة التأجيل، خاصة أن عامل الزمن بات عائقا أمام التعديل عبر استشارة شعبية. أما إذا كان التعديل لا يمس بتوازن السلطات ويقتصر مروره على البرلمان بغرفتيه فقط لاستحداث منصب نائب الرئيس، فلا يزال هناك متسع من الوقت، رغم لزوم عقد مجلس وزراء للمصادقة على المشروع، ولا يصطدم أبدا مع عائق استدعاء الهيئة الناخبة للاستحقاق الرئاسي المقبل، لكن هذا الأمر يظل مستبعد لكون بوتفليقة يرغب في إحداث تغييرات جوهرية على الدستور الحالي. بهاء الدين.م مهام نائب الرئيس في الفقه الدستوري أوضح كل من الأستاذ عمار رخيلة، والدكتور محمد ناصر بوغزالة، أن مهام نائب الرئيس في الفقه الدستوري تتمثل أساسا في تولي منصب رئاسة الجمهورية في حالة شغور هذا المنصب. وذكر في هذا السياق عمار رخيلة، أنه في حال قرر الرئيس الاستعانة بنائب له، فإن هذا الأخير (نائب الرئيس) أو نوابه، لا يحل محله في حالة الشغور حسب رخيلة ويضيف أن النائب يعود لرئيس الجمهورية لاستشارته في أي قرار قد يتخذه. واعتبر المتحدث أن هذا الأمر منطقي باعتبار أن الرئيس منتخب ونائبه معين، ولا يمكن منح صلاحيات الرئيس المنتخب لشخص معين وهو نائبه. وأشار المتحدث إلى أن دستور 1976 تطرق إلى منصب نواب الرئيس، غير أنه لم يجسد في الميدان، معتبرا أنه بإمكان الرئيس تفويض جزء من صلاحياته لنائبه "مثل التمثيل الخارجي"، غير أنه أوضح أن الأمر قد يصطدم بالمادة 78 من الدستور الحالي التي تحدد بعض صلاحيات الرئيس التي لا يمكن تفويضها. وبخصوص مسألة مهام نائب الرئيس، أرجع الأستاذ بوغزالة الأمر إلى النص الدستوري، الذي هو من يحدد العديد من المسائل بدءا بكيفية اختياره سواء بالانتخاب أو التعيين، مرورا بإلزامية المنصب أو منح السلطة التقديرية للرئيس، وانتهاء بمهام من يتولى هذا المنصب. وفي السياق ذاته ذكر المتحدث أن بعض الدساتير تمنح نائب الرئيس إمكانية أن يتولى منصب رئيس الجمهورية في حالة الشغور ويمارس نفس صلاحيات الرئيس المنتخب، أو إعانة الرئيس على أداء مهامه، أو تمنحه صلاحيات أصلية بناء على ما قد يكون نص عليها الدستور. كما ذكر الأستاذ بوغزالة بدستور 1976، الذي جعل تعيين نائب أو نواب الرئيس من ضمن السلطة التقديرية للرجل الأول في لدولة، ما يعني أن هذا المنصب في هذا الدستور كان "مسألة احتمالية"، وعليه حسب المتحدث لم يتحث المشرع عن مهامه، باعتبار يصعب الحديث عن مهام منصب يحتمل استحداثة من عدمه. عبد الله ندور الفقيه الدستوري، محمد ناصر بوغزالة ل«البلاد" "انتخاب نائب الرئيس أكثر مصداقية من تعيينه" قال عميد كلية الحقوق بجامعة الجزائر السابق، محمد ناصر بوغزالة، إن منصب نائب رئيس الجمهورية، يتوقف على الأداة والآليات التي يحددها التعديل الدستوري المرتقب، معتبرا أن عملية الانتخاب أكثر مصداقية من التعيين. وأوضح الأستاذ بوغزالة، أمس في اتصال ب«البلاد"، أنه يفترض من باب الشرعية كما قال أن يتم اللجوء إلى انتخاب نائب الرئيس بدل تعييه، ما سيمنح الشخص الذي سيتولى هذا المنصب شرعية كبيرة، مبديا تخوفه من اللجوء إلى التعيين الذي "قد يكون له أوجه أخرى" حسب المتحدث الذي قال "إن التعيين قد يوصلنا إلي اختيار شخصيات غير مرغوب فيها"، كما برر رؤيته هذه باعتبار أنه يفرض على المرشح لمنصب رئيس الجمهورية أن يحسن اختيار نائبه باعتماد الكفاءة والمؤهلات. ويضيف المتحدث أنه إذا لم يحسن المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية اختيار نائبه فإنه سيفشل في هذا الاستحقاق، معتبرا هذه الصيغة تدفع إلى تنافس أكبر بين المترشحين في اختيار نائب الرئيس الذي سيصبح فاعلا في العملية الانتخابية. عبد الله ندور أستاذ القانون، عمار رخيلة ل"البلاد" "طبيعة النظام السياسي تقتضي تعيين نائب الرئيس" استبعد أستاذ القانون والعلوم السياسية، عمار رخيلة، أن يتضمن التعديل الدستوري المرتقب، استحداث منصب ، مشيرا إلى أنه في حال مارس رئيس الجمهورية صلاحياته، وأحال مشروع تعديل الدستور على البرلمان للمصادقة قال المتحدث "لا أعتقد أنه سيتم اللجوء إلى انتخاب نائب رئيس الجمهورية" في حال تم استحداث هذا المنصب. وبرر رخيلة نظرته هذه بقوله "طبيعة النظام السياسي والآليات التي يعمل بها ليست مؤهلة لاستعمال الطريقة الأمريكية"، والمتمثلة في انتخاب نائب الرئيس والرئيس في نفس الاستحقاقات. ويرى عمار رخيلة أنه يتعذر إجراء استفتاء للدستور قبل أشهر قليلة تفصلنا عن موعد ربيع 2014، وعاد رخيلة إلى ما وعد به رئيس الجمهورية سابقا وهو إجراء تعديل عميق، ما من شأنه حسب المتحدث المساس بالتوازنات بين السلطات ما يعني "حتمية اللجوء للاستفتاء الشعبي"، غير أن المتحدث استشهد بما حدث في تعديل دستور 2008، والذي مس حسبه بتوازنات السلطة غير أنه لم يستفت الشعب حوله وتم الاكتفاء بالبرلمان بغرفتيه. عبد الله ندور