بالرغم من مسارعة قصر الاليزي إلى تطويق الأزمة الدبلوماسية التي كانت في تصاعد مع مرور الساعات بين باريس والجزائر، على خلفية تصريحات الرئيس فرانسوا هولاند التي شككت في الاستقرار الأمني للجزائر، بتقديم اعتذار عما بدر منه، ومحاولته التقليل من أهميتها، إلا أن هذا "النكتة"، كما وصفها بيان قصر الرئاسة الفرنسي، لم تمر بردا وسلاما على صعيد التجاذبات السياسية في الداخل الفرنسي. فقد اعتبرت تصريحات مسؤولي مختلف الأحزاب الفرنسية أن فرنسا هي من دفعت ثمن التصريحات غير المتزنة والمنضبطة، حيث كان عليه أن يكون أكثر جدية في خطاباته بصفته رئيس دولة وليس مجرد شخص عادي يلقي النكت بكل حرية، وهو ما عبر عنه رئيس حزب الاتحاد من أجل الحركات الشعبية "جون فرانسوا كوبي" في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قائلا "أنا أأسف للانحراف اللفظي الذي بدر من رئيس الجمهورية، والتي جاءت في موضوع جد حساس ومهم والذي يتعلق بالعلاقات الجزائرية الفرنسية". وفي الاتجاه نفسه، جاء تصريح الوزيرة السابقة فاليري بيكراس والتابعة لحزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، التي اعتبرت كلام الرئيس هولاند "أنه سيء التوجيه في جزء منه"، وأضافت بيكراس في تصريح لقناة "تي أف 1" الفرنسية "أن الطريقة التي تكلم بها الرئيس هولاند لا تليق بمركزه كرئيس للجمهورية"، وهو التصريح نفسه الذي أدلى به جوفروا ديديي زميلها في حزب الاتحاد من أجل الحركات الشعبية الذي اعتبر أن تصريح هولاند هو من باب "السخرية الفجة"، داعيا إياه إلى تقديم اعتذاره المباشر إلى الشعب الجزائر. وفي السياق ذاته، اعتبرت المستشارة السياسية لهذا الحزب أن "نكتة" هولاند أضرت بالشعب والمسؤولين الجزائريين، وعدم قدرته على التحكم في كلامه هي جد ظاهرة، وقد جعلته يبدو كرئيس دولة لا يعي أهمية الكلمات في التأثير على العلاقات الدولية. لذا عليه أن يعتذر للشعب الجزائري". ولم تقتصر التنديدات الحزبية بتصريحات هولاند ضد الجزائر، والنتائج التي أفرزتها على صعيد العلاقات بين الجزائروفرنسا، بل امتدت إلى غاية اليسار، حيث غرد الأمين العام لحزب اليسار والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية "جون لوك ميلونشون" بطريقة ساخرة، حيث اعتبر أن الرئيس هولاند أصيب ب«التسمم الاجتماعي" خلال وجبة العشاء التي حضرها في مقر الممثلية اليهودية بفرنسا، لكن الذي أصابه الغثيان من جرائه، كان كل الشعب الفرنسي". وفي الاعلام استعادت صحيفة "لوفيغارو" القريبة من اليمين سوابق هولاند في التصريحات المثيرة للجدل والتي تجاوز فيها حدود الدبلوماسية، والتي لم يسلم منها حتى الفاتيكان بعد انتخاب البابا السابق بينيديكت السادس عشر، حين تهكم على هذه المؤسسة الدينية التي يقارب عدد أتباعها عبر العالم المليار والنصف، بالقول "إن فرنسا لم تقدم مرشحا لها في هذه الانتخابات"، وغيرها من التصريحات التي أثارت الجدل في الصحافة الفرنسية بسبب عدم التزامه بالأصول التي يقتضيها منصبه، وهو ما ألقى باللائمة على فريقه المكلف بالإعلام والاتصال، الذي اعتبرت "لوفيغارو" أنه كان دائما دون أية فعالية، في الوقت الذي كان عليه أن يوجه هولاند نحو الطريقة الأفضل في إلقاء خطبه وتصريحاته من دون أن يتسبب في أزمات هنا وهناك.