شغل الوزير السابق للطاقة والمناجم، بال كل الجزائرين هاته السنة، وظل نجما بلا منازع منذ بداية السنة في فيلم اسمه "قضية سوناطراك 2"... فيلم حازت مساهده مساحات واسعة من الساحة الإعلامية، لكن مع ذلك لم تسمح بتمكين المشاهدين من معرفة القصة الحقيقية لما وقع في سوناطراك خلال السنين الأخيرة... كما لم تجب بشكل قطعي عن مدى حقيقة تورط بطل الفيلم شكيب خليل في الفضائح التي نسبت إليه، رغم الإجراءات الصارمة التي اتخذت في حقه من قبل مصالح العدالة الجزائرية، خاصة بعدما صدر قرار القبض الدولي في حقه رفقة متهمين آخرين... لتبقى نهاية الفيلم مرشحة لإضافة مشاهد أخرى في السنة المقبلة! متى يتم القبض على الوزير السابق للطاقة والمناجم؟ وهل فعلا سينتهي حاله بنفس الحال الذي انتهى عليه بطل فضيحة القرن عبد المومن خليفة وهو يجر إلى أروقة سجن الحراش بعد 10 سنوات من الفرار؟ وهل فعلا الرجل متورط في كل التهم التي نسبت إليه من قبل المصالح التي تولت التحقيق في قضية "سوناطراك 2" ... أما إن عكس ذلك تماما ما سيشاهده الجزائريون من الجزء الثاني من هاته القصة المريبة التي اعتلت عرش الأحداث الوطنية في السنة المنصرمة. كلها أسئلة وكلها استفسارات، لم يتوقف هذه السنة أغلب الجزائريين عن تردادها طوال الأشهر الفارطة، خاصة مع الشح المبالغ فيه الذي تهتدي إليه السلطات العمومية، بما فيها القضائية، في تسريب أي معلومة تتعلق بقضية اسمها "شكيب خليل" على الأقل في الظرف الراهن المتزامن مع السباق إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة.. مما جعل أغلب الأوساط السياسية، وحتى بعض المصادر القضائية، تتحدث عن إمكانية إن يعرف هذا الملف طريقا آخر غير الذي سلكه في بداية الأمر! ملف "سوناطراك 2" أو "المشهد البعبع" الذي قض مضجع العديد من الدوائر الفاعلة في السلطة، بدأت حكاياته الأولى من على الأراضي الإيطالية، بعد التحقيقات الماراطونية التي باشرتها مصالح العدالة هناك مع مسؤولين بارزين في مؤسسة "ايني" وفرعها سايبام الذي سبق له الاستفادة من عديد الصفقات مع مؤسسة سوناطراك الجزائرية... قبل أن تعرف هاته التحقيقات منعرجات مريبة عندما وصلت إلى أسماء بعض المسؤولين الجزائريين، ويأتي على رأسهم الوزير السابق للطاقة والمناجم شكيب خليل، والمدعو فريد بجاوي، ابن أخ الوزير السابق للخارجية... وأسماء وصفات أخرى لمسؤولين من الوزن الثقيل، جعلت أغلب الجزائريين يعتقدون أن الأمر يتعلق بشبكة حقيقية ظلت تقتات من ظهور المواطنين الجزائريين تحت عنوان "تسيير مؤسسة سوناطراك". الراشي والمرتشي... وهلع عند "الغاشي"! وكان من الطبيعي، أن تثير هاته التحقيقات هلعا واسعا على المستوى الرسمي وأيضا الشعبي، بناء على ما جاء فيها من حقائق مثيرة للجدل ومشوشة لسمعة أكبر تجمع صناعي في الجزائر، وهو سوناطراك، وهي الوضعية التي ترجمتها حالة الهستيريا غير المسبوقة التي طبعت الساحة الإعلامية، التي لم تخل صفحاتها على طول 4 أشهر متتالية من طرح تساؤل جوهري يتعلق بنية السلطات العمومية في متابعة الوزير السابق للطاقة والمناجم وعرض ملفه على الجهات القضائية مثله مثل أي مواطن آخر يكون قد ارتكب خطيئة من الحجم الكبير يعاقب عليها القانون، فكان لابد من انتظار أيام طوال حتى يخرج الوزير السابق للعدل وحافظ الأختام، محمد شرفي، لينهي إلى علم المواطنين، أن تحقيقا جديدا شرع من الطرف الجزائري في قضية شكيب خليل وكل المتورطين معه في ذات القضية... فكان الأمر عبارة عن إيذان بتحرك المصالح القضائية التي شكلت فوجا من المحققين انتدبوا لمهمة لم تكن سهلة، منذ بدايتها... قبل أن تنتهي بقرار جريء اتخذته النيابة العامة لدى مجلس قضاء العاصمة شهر أوت المنصرم، بعد أن فحصت عصارة المحققين المشرفين على ملف "سوناطراك 2" وقررت إصدار مذكرة دولية بالقبض على الوزير السابق شكيب خليل... بل وتتهمهم جميعا بتكوين شبكة دولية تمارس صنوفا مختلفة من الجرائم الاقتصادية يأتي على رأسها الرشوة! الأنتربول... قف...شكيب غير موجود! قررت مصالح العدالة الجزائرية إحضار شكيب خليل من منفاه الاختياري بأمريكا، اعتمادا على البوليس الدولي، لكن مصالح الأخير لم تتحرك؟!... هي أيضا من المفاجآت الغريبة التي ضمها ملف هذا الوزير السابق في مراحل أخرى من قضية "سوناطراك 2"، بشكل جعل بعض المتابعين يتساءلون عن السر الحقيقي وراء الأمر المذكور، لاسيما بعد التطمينات التي قدمها مسؤولو فرعه الأنتربول بالجزائر لعامة المواطنين، بأن كافة التدابير والإجراءات تم اتخاذها من أجل تفعيل قرار التوقيف الدولي... لكن لسان حال الموقف الرسمي للشرطة الدولية كان ينطق لغة أخرى معاكسة لهذا الطرح، لأنه وبكل بساطة لم تشر إلى أي جديد في القضية وظل اسم ولقب وصفة شكيب خليل مغيبين من قائمة المتهمين الجزائريين المتابعين في الخارج؟ لماذا يا ترى حصل هذا الأمر؟ وما هو السر في ذلك؟ وهل هو مجرد خطأ عابر قابل للتصحيح؟ .... كل هاته الأسئلة أيضا ظلت تنتظر إجابات مقنعة.. جاءت هاته المرة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وعلى لسان الوزير السابق المتهم الذي قرر الخروج إلى العلن ومواجهة الرأي العام، بنفي كل التهم التي وجهت إليه وبأنه أيضا لم يتسلم أي استدعاء من طرف مصالح العدالة الجزائرية... قبل أن يؤكد أنه ليس هاربا من القضاء الجزائري وأنه مستعد للحضور إلى المحاكمة... بشرط احترام الإجراءات القانونية السلمية، فكان ذلك فصلا جديدا من هذا الفيلم الذي لم تنته مشاهده بعد.. هاته التصريحات للوزير السابق، الذي يبقى متورطا لحد الساعة في قضية "سوناطراك 2"، كانت ربما مقدمة لتحركات أخرى ومعطيات جديدة شهدتها الساحة السياسية بعد هاته المرحلة، خصوصا بعد تلك التغييرات التي مست مراكز كبيرة وحساسة في مفاصل السلطة وعلى جميع المستويات، قبل أن يتفطن بعض المختصين القانونيين إلى نقطة غاية في الأهمية شكلت قاعدة حقيقية في تغيير تجاه كل الإجراءات القانونية التي اتخذت في قضية شكيب خليل، لما تأكد بشكل جلي أن إجراء قرار القبض الدولي الصادر في حق شكيب خليل لم يكن سليما وجاء مخالفا لعرف قانوني شائع يتعلق بصفة الامتياز القضائي التي يتمتع بها الوزير شكيب خليل والتي تم سحبها بشكل غريب من ملف الأخير... فكان لابد من تصحيح هذا الخطأ الذي يجهل لحد الساعة الجهة التي ارتبكته؟ وبين إن كان خطأ مقصودا أو هفوة مهنية، قال البعض لصالح من تم اتخاذ هكذا إجراء وبهاته السرعة؟ كل هاته المعطيات والتدافعات والتطورات التي لم تكفها سنة 2013، من أجل الاطلاع على النهاية المشوقة لفيلم "سوناطراك 2"، تبقى تحتاج ربما إلى مزيد من الوقت للانتهاء من جميع فصولها ومشاهدها وهو ربما ما يجعلنا مرغمين على انتظار سنة 2014، وما تحمله من جديد في قضية شكيب خليل الوزير السابق للطاقة والمناجم.