لم يسبق للعدالة الجزائرية وقضاتها المكلفين بالتحقيق في ملف سوناطراك أن تلقوا ضغوطا إعلامية وسياسية مثل تلك التي تعرضوا لها خلال هاته السنة القضائية... والسبب في ذلك يرجع إلى حوت كبير يسمى شكيب خليل، لم يكن الوصول إليه سهلا، أوهكذا يبدوالأمر!! في الأيام المتزامنة مع الإعلان عن العطلة القضائية يصدر قاضي التحقيق المكلف بقضية سوناطراك مذكرة توقيف دولية في حق هذا " الحوت الكبير " الذي قال عنه النائب العام بان التحقيقات مكنت من اكتشاف مجموعة كبيرة وعديدة من الحسابات البنكية يملكها في عديد البلدان والعواصم بالعالم مملوءة عن آخرها بملايين الدولارات... لكن هل هاته الإجراءات المتخذة وهاته المعلومات الجديدة كان لابد ان تستغرق عاما كاملا من التحقيقات؟؟ أم أن ظروفا أخرى هي التي عقدت من مهام المحققين وجعلتهم يتمهلون حتى يصوبوا أسهم الحق والقانون بشكل دقيق إلى جسم الفساد في سوناطراك.... فيقتصون من أصحابه؟ على عكس السياسيين، فقد ظل اغلب القانونيين والمحامين يترنحون في إصدار أي حكم على العدالة الجزائرية وقدرتها في معالجة ملف سوناطراك بشكل قانوني خالص بعيدا عن أي حسابات أخرى تجد تفسيرها خارج أسوار "دار الشرع"، فبعضهم راح يتفهم القضاة الذين أوكلت إليهم مهمة التحقيق في قضية سوناطراك على خلفية محدودية الصلاحيات الموكلة إليهم، بحكم أن القضية المذكورة ظلت مرتبطة دوما وبشكل مستمر باسم ثقيل في الساحة السياسية هوشكيب خليل الذي كان من المحسوبين على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة واحد رجالاته الأقوياء الذين عول عليهم في تنفيذ برنامجه الإنمائي الشامل، فكان، حسب هؤلاء القانونيين، لا بد من انتظار الضوء من جهة عليا أوعلى الأقل وزارة العدل، حتى تفتي في الأمر على طريقة أنه مباح ولكنه ناقض للسياسة، في الوقت الذي رأى فيه قانونيون آخرون أن الأمر طبيعي جدا لأن الأمر يرتبط بمسؤول برتبة وزير وهي الصفة التي تمنح أصحابها خاصية الامتياز القضائي، وما يتربت عنها من إجراءات خاصة في متابعة هذا النصف من المسؤولين. وبدا يأس الجزائريين واضحا، مباشرة بعد إعلان المديرية العامة للأمن الوطني في شهر افريل الفارط أنها لا تملك أي مذكرة توقيف في حق هذا الوزير، وهي تنأى بنفسها عن أي تهمة أو شبهة بعدما أوردت العديد من الوسائل الإعلامية حلول الوزير السابق خليل شكيب بوهران على متن رحلة جوية قادته من العاصمة الفرنسية، دون أن يعترض طريقه موظفو مصلحة شرطة الحدود على مستوى المطار الدولي احمد بن بلة بوهران، السانيا سابقا، فقرأ الناس في هذا البيان أنه لا توجد أي نية صادقة بالنسبة للسلطات الجزائرية في توقيف المسؤول المذكور وإحالته على العدالة رغم الأخبار غير السارة وروائح العفن التي ظلت تتسرب من التحقيق الموازي الذي قامت به مصالح العدالة الايطالية بخصوص ذات القضية، خاصة بعد إصدارها إجراءات في حق عدد من المتهمين وفي وقت قياسي، قابله تراخ ملحوظ في الجانب الجزائري... لكن يبدو أن الذين يملكون خيوط التحقيق في قضية سوناطراك قد لاحظوا أن عناصرها غير المحتملة التي تطايرت في سماء روما الإيطالية بعد الشهادات المثيرة التي قدمها بعض المتورطين، ثم التصريحات الأخيرة التي أدلى بها فريد بجاوي المقيم بدول الخليج ... من شأنها ألا تؤثر فقط في سمعة العدالة الجزائرية فقط، بل قد تحولها إلى محاكمة شعبية لا تنتهي إلا بمحاكمة المتورطين الحقيقيين في نهب المال العام وسلب ممتلكات الجزائريين باسم الاستوزار وأشياء أخرى، وهو ما جعلهم يتحركون هاته المرة بكل هاته السرعة الفائقة. ويبقى الثابت في هاته المذكرة الدولية بالقبض على وزير الطاقة المناجم السابق أنها إجراء جد عادي بلغة القانونيين، يصدر ضد أي شخص متهم أو متورط يرفض الاستجابة للمحاكمة، فهل ستكون قضيته اختبارا حقيقا لمصداقية العدالة الجزائرية؟