أخيرا، أصبح خبر ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة في حكم المؤكد، بعدما أعلن الوزير الأول عبد المالك سلال ذلك رسميا في ولاية وهران أمس، لتنتهي بذلك مرحلة عمرها شهور من الترقب والسوسبانس في الساحة السياسية الجزائرية، تحت عنوان هل سيترشح الرئيس لعهدة جديدة؟ وبدأ الجدل حول هذا الموضوع بعد توجه الرئيس إلى مستشفى فال دو غراس بالعاصمة الفرنسية للعلاج بعد إصابته بوعكة صحية في 27 أفريل من السنة الماضية، وهو ما دفع بالكثير من الأطراف إلى اعتبار أن الجزائر ستعرف رئيسا جديدا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بل وصل بالبعض إلى التساؤل عن قدرة الرئيس على الاستمرار في منصبه إلى غاية حلول موعد الاستحقاق. وهو ما جعل موضوع صحة الرئيس محور التجاذبات السياسية في الجزائر لشهور طويلة، بين مشكك في قدرته على مواصلة قيادة البلاد، وأحزاب الموالاة التي أكدت على أنه لا يوجد ما يمنع استمراره في منصب الرئاسة و حتى أهليته لاستمرار في عهدة أخرى ، لكن بين هذا و ذاك ضلت الأمور غامضة بين اقدام الرئيس على الترشح من عدمه. واستمرت الأوضاع على هذا الحال، رغم ظهور الرئيس لمرات عديدة على شاشة التلفزيون وهو يستقبل شخصيات وطنية وأجنبية، اعتبرتها السلطة وأحزابها مؤشرا على تحسن ملحوظ في صحة الرئيس ومنه ترجيح ترشحه لعهدة رابعة، أما أحزاب المعارضة فأبدت عدم اقتناعها بتلك المشاهد، إلى أن حل موعد إعلان الرئيس عن استدعاء الهيئة الناخبة، وهو الذي كان بداية الطرح الجدي لسؤال إمكانية تجسيد سيناريو ترشح بوتفليقة مرة رابعة. ومع دخول "الشخصيات الثقيلة" إلى سباق الرئاسيات زادت حالة الترقب أكثر فأكثر حول ترشح الرئيس، خصوصا مع التأكيدات الكبيرة والكثيرة التي صدرت من طرف أحزاب السلطة بأنه سيترشح لا محالة، "و هو من سيختار الوقت المناسب". وزاد مشهد السوسبانس الرئاسي بالجزائر بدخول تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني ضد مؤسسة المخابرات والجنرال توفيق على وجه الخصوص، والقراءات التي راحت تفسر الأحداث بأنها صراح بين جناحين في السلطة، وأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في جو هذا "الصراع" بين أجنحة السلطة وأن المشهد لا يزال ضبابي وحساس مع موجة التصريحات المثيرة بين مختلف الأطراف. لكن الأيام الأخيرة التي عرفت عودة قوية للرئيس بوتفليقة إلى الساحة السياسية مغتنما العديد من المناسبات، بدءا من حادث سقوط الطائرة العسكرية في أم البواقي، حيث أورد في برقية التعزية رسالة شديدة اللهجة ضد من اتهمهم ب "التكالب" ضد وحدة المؤسسة العسكرية، وهو ما فهم منه التصريحات التي أدلى بها سعداني وآخرون في الأسابيع الماضية. لكن الرئيس كان أكثر حزما في البيان الذي صدر بمناسبة يوم الشهيد الثلاثاء الماضي، الذي علق فيه على مجمل الأحداث الأخيرة، وركز فيه على وحدة المؤسسة العسكرية وضرورة استغلال حرية التعبير في ما يفيد البلاد وليس في إثارة البلبلة والفرقة، مشددا على أهمية إجراء انتخابات رئاسية هادئة وشفافة، ثم تلاه بالبيان الذي أفرده للرئاسيات الموجه للوزراء والولاة حول تسيير الموعد الانتخابي. ومع هذه البيانات المتتالية، اتجهت الكثير من القراءات إلى أن قرارا حاسما حول قضية ترشحه سيصدر في الأيام القليلة المقبلة، تزامنت مع تسريبات متطابقة للعديد من وسائل الإعلام بأن خيار إعادة الترشح هو الأكثر ترجيحا، ولكنها اختلفت في طريقة إعلانه ذلك، لكن صدور تصريح الوزير الأول عبد المالك سلال من وهران يوم أمس والمعلومات التي سربها مصدر من رئاسة الجمهورية لوكالة الأنباء الجزائرية حسما الجدل حول العهدة الرابعة للرئيس التي أصبحت واقعا سيتفاعل معها التسابق نحو قصر المرادية الذي يطمح للبقاء فيه 5 سنوات أخرى.