حمل قانون السمعي البصري بنصّه الذي تضمّن 113 مادة، ضوابط صارمة لأول نص قانوني يتيح الانفتاح على السمعي البصري لكن بخطوات حذرة للغاية تجسدت في عديد المواد التي يمكن استعمالها بمصوغات عديدة لفرملة هامش حرية المؤسسات التلفزيونية والإذاعية، مثلما جاء في القانون الذي نشر في آخر عدد من الجريدة الرسمية. فتح القانون 14 04 المؤرخ في 24 فبراير 2014 المتعلق بنشاط السمعي البصري الذي دخل حيّز التنفيذ بنشره في الجريدة الرسمية باب الاستثمار والنشاط في هذا القطاع الذي ظل حكرا على السلطة، مثلما ظل مطلبا رئيسيا للمعارضة ورجال الإعلام طيلة ربع قرن من عمر التعددية السياسية في الجزائر. القانون تميّز بانفتاح حذر تجاه التجربة الجديدة في مجال السمعي البصري الذي تتوجس منه السلطة خيفة، وهذا ما يفسر الضوابط الصارمة التي وضعتها سواء في إطار الممارسة أو دفتر الشروط، فهو يحدد القواعد المتعلقة بممارسة النشاط السمعي البصري وتنظيمه في إطار أحكام المادة الثانية من قانون الإعلام، وفتح القانون نافذة لممارسة هذا النشاط في مجال أوسع من القنوات الموضوعاتية بالنسبة إلى القطاع العمومي من خلال المادة الرابعة التي أشارت إلى أن خدمات الاتصال السمعي البصري التابعة للقطاع العمومي تنظم في شكل قنوات عامة وقنوات موضوعاتية لكن القانون لم يشر في المادة الخامسة إلى القنوات العامة عندما ذكر أن خدمات الاتصال السمعي البصري المرخص لها تتشكل من القنوات الموضوعاتية المنشأة من قبل مؤسسات وهيئات وأجهزة القطاع العمومي أو أشخاص معنويين يخضعون للقانون الجزائري ويمتلك رأسمالها أشخاص طبيعيون أو معنويون يتمتعون بالجنسية الجزائرية، لكن المادة السابعة من الفصل الثاني المخصصة لتعاريف المصطلحات تُعرّف لنا "القناة العامة" بأنها قناة تحتوي تشكيلتها برامج تليفزيونية أو سمعية موجهة إلى الجمهور الواسع تحتوي على حصص متنوعة في مجالات الإعلام والثقافة والتربية والترفيه، أما تعريف القناة الموضوعاتية أو خدمة موضوعاتية فهي برامج تليفزيونية أو سمعية تتمحور حول موضوع أو عدة مواضيع. وحملت المادة 18 من قانون السمعي البصري "قرارا" فاصلا فيما يتعلق بالحجم الساعي الخاص بالأخبار والحصص الإخبارية، حيث لا يمكن لأصحاب القنوات الخاصة استعمال هذا المجال بشكل واسع، إذ أشارت ذات المادة إلى أن كل خدمة موضوعاتية مرخص لها في إطار هذا القانون إدراج حصص وبرامج إخبارية وفق حجم ساعي يحدد في رخصة الاستغلال على أن تحدد كيفيات تطبيق ذلك وفق تنظيم خاص، وهذه المسألة هي لب قانون السمعي البصري في الجزائر، حيث يمكن إدراج برامج إخبارية وفق شبكة تتقيّد بالمادة 18 سلفا، ولا يمكن وضع حجم ساعي للبرامج الإخبارية وفق حاجة القناة التي يمكن أن يتعذّر عليها تخصيص ساعات إضافية لبرامج إخبارية في الحالات الاستثنائية. 8 شروط لممارسة نشاط السمعي البصري.. أما المادة 19 من قانون السمعي البصري، فتضع ثمانية شروط لممارسة هذا النشاط وهي أن تثبت الشخصية المعنوية خضوعها للقانون الجزائري، وأن تثبت حيازة جميع المساهمين للجنسية الجزائرية، وأن يتمتع جميعهم بالحقوق المدنية، وأن لا يكون محكوم عليهم بعقوبة مخلة بالشرف أو النظام العام، وأن يكون رأسمالها الاجتماعي وطنيا خالصا، وأن تثبت مصدر الأموال المستثمرة، وأن يكون من بين المساهمين صحفيون محترفون وأشخاص مهنيون، كما يجب على طالبي رخص الاستغلال إثبات مصدر أموالهم، فيما يؤكد الشرط الأخير على أن يثبت المساهمون المولودون قبل جويلية 1942 أنه لم يكن لهم سلوكا معاديا للثورة، وتبدو عدة شروط موضوعة ضمن المادة التاسعة عشر أشبه بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية. كما تمنع المادة 23 من القانون ازدواجية الرخص لنفس الشخص أو الهيئة، أما المادة 27 فحددت مدة صلاحية استغلال الرخصة المسلمة ب12 سنة للاستغلال السمعي و6 سنوات للاستغلال البصري. كما وضع القانون آجالا لاستغلال الرخصة المحددة بسنة واحدة بالنسبة إلى الاستخدام التلفزيوني وستة أشهر للإذاعي وذلك في أحكام المادة 31 من نفس القانون، ولتفادي ما وقع من فوضى في الصحافة المكتوبة، فإن المادة 30 ألزمت استغلال الرخصة من طرف صاحبها دون سواه. ويضع القانون إلزامية حيازة نظام نهائي لبث البرامج على التراب الوطني مهما كان تصميمه ووسيلة التوزيع المستعملة، بالنسبة إلى كل شخص معنوي مرخص له باستغلال خدمة الاتصال السمعي البصري، وهذا سيفتح مجالا واسعا لمؤسسة البث العمومية في الجزائر التي ستحتكر هذا السوق دون سواها نظرا إلى قدرتها الفائقة على التغطية. ويعتبر دفتر الشروط الأكثر صرامة في التعاطي مع الانفتاح الخاص للسمعي البصري وإن كان البعض يسميه خطوط حمراء، فإنه يشكل ضوابط تحمي المواطن من أي تجاوزات أو فوضى في القطاع كون تجربة الصحافة المكتوبة لازالت تثير المخاوف من تكرارها "فضائيا". دفتر الشروط.. ضوابط أم خطوط حمراء؟ وتشير المادة 47 من القانون للفصل الثالث الخاص بالأحكام المشتركة لكافة خدمات الاتصال السمعي البصري إلى ما يلي "يحدد دفتر الشروط العامة الصادر بمرسوم بعد رأي سلطة الضبط السمعي البصري القواعد العامة المفروضة على كل خدمة للبث التلفزيوني أو الإذاعي. وتتطرق المادة 48 من القانون إلى محاور رئيسية من مواد دفتر الشروط، لاسيما الالتزامات التي تسمح ب احترام متطلبات الوحدة الوطنية والأمن والدفاع الوطنيين، واحترام المصالح الاقتصادية والدبلوماسية، واحترام سرية التحقيق والالتزام بالمرجعيات الدينية الوطنية واحترام المرجعيات الدينية الأخرى وعدم المساس بالديانات والمقدسات الأخرى، ومقومات ومبادئ المجتمع، واحترام القيم الوطنية ورموز الدولة كما هي محددة في الدستور، واحترام متطلبات الآداب العامة والنظام العام، واحترام التعددية السياسية وتعددية التيارات الفكرية، والامتناع عن الإشادة بالعنف والإرهاب، وعدم المساس بحياة وشرف الأشخاص، وعدم المساس بالحياة الخاصة للشخصيات العمومية... إلى آخر الضوابط التي لا يتسع المجال لسردها جميعا، التي تعتبر في راي البعض عصا يمكن استعمالها في أي وقت ضد الخصوم. أما المادة 102 تحدد حالات سحب رخصة النشاط السمعي البصري، عندما يتنازل الشخص المعنوي المرخص له بالنشاط عنها لصالح شخص آخر قبل الشروع في استغلالها وعندما يمتلك الشخص الطبيعي أو المعنوي حصة من المساهمة تتجاوز 40 بالمائة، عندما يصدر حكما نهائيا على ذات الشخص في قضية مشينة ومخلة بالشرف، وكذا عندما يكون الشخص المعنوي في حالة توقف عن النشاط أو إفلاس أو تصفية قضائية، كما تشير المادة 103 إلى أن سلطة الضبط مؤهلة لتعليق رخصة النشاط دون إعذار مسبق وقبل قرار سحبها في حالة الإخلال بمقتضيات الدفاع والأمن الوطنيين، وعند الإخلال بالآداب العامة والنظام العام. آراء متباينة حول القانون الجديد الخاص بالسمعي البصري صدر في العدد 16 من الجريدة الرسمية قانون السمعي البصري الذي صادق عليه نواب البرلمان بغرفتيه نهاية شهر فيفري الفارط بعد سلسلة من المناقشات والجدل، لاسيما حول المادة "7" الخاصة بالقنوات الموضوعاتية التي أعيدت صياغتها لتحدد برامج تلفزيونية أو سمعية تتمحور حول موضوع أو عدة مواضيع، الأمر الذي أشعل وتيرة المناقشات البرلمانية والسياسية والإعلامية بين من يراه يخدم النظام وبين من يعتبره أهم مكاسب لتجسيد الديمقراطية في الجزائر. ويدخل القانون في إطار الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة خلال سنة 2011، حيث يحتوي على 113 مادة تم إعدادها بالتشاور مع خبراء في السمعي البصري ورجال قانون وفقا للمعايير المعمول بها دوليا. ويهتم بالأحكام العامة للموضوع ومجال التطبيق والتعاريف وخدمات الاتصال السمعي البصري التابعة للقطاع العمومي والمرخصة وكذا مهام وصلاحيات سلطة ضبط السمعي البصري. كما يتطرق القانون إلى الإيداع القانوني والأرشفة السمعية البصرية لكل منتوج سمعي بصري يبث للجمهور والعقوبات الإدارية والأحكام الجزائرية. ويحدد القواعد المتعلقة بممارسة النشاط السمعي البصري وتنظيمه وكذا مهام وصلاحيات وتشكيلة سلطة ضبط السمعي البصري التي تستند وفقا للمادة 112 إلى الوزير المكلف بالاتصال في انتظار تنصيبه وتباينت آراء المختصين والمهتمين حول القانون الجديد فمثلا البرلماني مصطفى بوشاشي عن حزب جبهة القوى الاشتراكية رأى أن المشروع يؤكد غياب النية لدى السلطة في الذهاب نحو الانفتاح، مضيفا أن هذا النوع من التشريعات التي وصفها بالمقيدة للحريات الهدف منها إبقاء "تسلط النظام، وعدم تمكين الجزائريين من حقهم في إقامة دولة ديمقراطية في ظل القانون وحرية التعبير". خاصة أنه يلزم أي شخص يريد فتح قناة تلفزيونية أو إذاعة الحصول على رخصة بعد الحصول على مرسوم تصدره السلطة السياسية. وانتقد بعض المفاهيم الفضفاضة التي يشملها المشروع، ومنها ضرورة أن تراعي المؤسسات الإعلامية في عملها المصالح العليا والسياسة الخارجية والنظام العام والآداب العامة، "دون أن يكون هناك تعريف حقيقي لهذه الأمور". وأضاف أنه "إذا لم تحترم هذه الشروط يسحب الاعتماد من صاحبه"، لافتا أيضا إلى أن "القانون لا يسمح بأن يمتلك شخص أكثر من 30 % من رأسمال الشركة، مما يجعل رجال الأعمال يحجمون عن الاستثمار في مجال الإعلام". بالمقابل، أشاد الإعلامي والبرلماني إبراهيم قارعلي بالقانون على الصعيد التشريعي، وقال إنه يعد من أهم المكاسب التي تعزز العملية الديمقراطية في الجزائر، خاصة بعد القانون العضوي المتعلق بالإعلام، الذي يعد برأيه "الإطار المرجعي للممارسة الإعلامية الحرة". ومن هذا المنطلق فهو لا يرى أي تراجع في مجال تحرير النشاط السمعي البصري لكن نبه في المقابل إلى الاحتكار الذي يمكن أن تمارسه قوى المالية الصاعدة في المجال الإعلامي، وقال إنه سيكون "أخطر من الاحتكار الذي تتهم الدولة بممارسته". وحسب قارعلي -وهو أيضا مقرر لجنة الثقافة والإعلام سابقا بالبرلمان- فإن المشروع لا يمنع القنوات التلفزيونية والإذاعية الخاصة من أن تتخصص في برامج محددة أو متعددة مثلما لم يمنعها من أن تبث برامج وحصصا إخبارية، واصفا النقاش البرلماني والسياسي والإعلامي بشأن الموضوع ب«زوبعة في فنجان". جدير بالذكر أن نواب المجلس الشعبي الوطني قد صادقوا بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري وقد صوّت معظم النواب بنعم على مشروع القانون المتضمن 107 مادة خلال الجلسة التي جرت بحضور وزير الاتصال عبد القادر مساهل فيما تم رفضه من طرف نواب تكتل الخضراء والمجموعة البرلمانية لحزب التنمية والعدالة وجبهة القوى الاشتراكية. سامية. م