❊ باريس تغذّي "شوفينيتها" بالدّوس على القانون الدولي يشكّل الموقف الفرنسي الرافض لطلب الجزائر تسليم المدان عبد السلام بوشوارب، في عدة قضايا فساد واختلاس واستغلال النفوذ، بمثابة إصرار صريح لباريس على الدّوس على الاتفاقيات القضائية بين البلدين، والتي أخذت هذه المرة منحى سياسيا بحتا على ضوء المشاحنات التي تتّسم بها العلاقات الثنائية بسبب المواقف غير المسؤولة لليمين المتطرّف. لم تكن قضية بوشوارب سوى الشجرة التي تغطي الغابة، حيث كان متوقعا أن تستغل باريس هذه القضية من أجل ممارسة الابتزاز على الجزائر، حتى وإن تطلّب ذلك الدّوس على القانون الذي تتباهى به منذ عقود من الزمن، وحرصت هذه المرة على أن يكون على مقاسها وبما يغذّي "شوفينيتها"، تحت غطاء حماية حقوق الإنسان، رغم أنها كانت أول من داس عليها عبر تاريخها المثقل بالجرائم والتجاوزات. ففرنسا لم تعر أي احترام للاتفاقات القضائية بين البلدين فيما يخص استرداد الأموال المنهوبة، رغم تكرار الجزائر طلباتها للقضاء الفرنسي بتسليم المدان استنادا إلى بيانات لا يساورها أي شك على عكس دول أوروبية أخرى، حيث حصلت الجزائر على موافقات باسترجاع أموال وعقارات تعود إلى رجال أعمال ومسؤولين تم اقتناؤها بالأموال المهرّبة من الجزائر. ولا يقتصر رفض فرنسا الاستجابة لطلب الجزائر على العلاقات المشبوهة للمتهم بوشوارب مع دوائر فرنسية كانت تعتبره يدها الاقتصادية في الجزائر، بل إن ذلك له علاقة أيضا بالسياق العام للعلاقات الثنائية التي تزداد توترا بسبب الحملة العدائية لليمين المتطرّف على بلادنا، حيث لا يفتأ أن يبحث عن أي منفذ لإثارة القلاقل حتى وإن كان ذلك بالدّوس على القانون ومحاولة المقايضة بملفات تخدم مصالحه الضيّقة، ما انعكس على سلوك باريس في التعاطي مع القضايا الدولية بشكل عام. ويستند موقف باريس من هذه القضية إلى مبررات غير مؤسسة لها علاقة بدوافع سياسية وليس حقوقية، علما أن الجزائر سبق لها وأن استلمت رجل الأعمال عبد المؤمن خليفة سنة 2013، من الحكومة البريطانية، بتهمة الفساد ولم تسجل أي تجاوزات بحق المتهم بعد إيداعه السجن في الجزائر التي تلتزم بالمواثيق التي تحفظ للمساجين حقوقهم.ويبدو أن فرنسا تبحث عن "مكسب" يعزّز موقفها في هذه الأزمة لمحاولة حفظ ماء وجهها أمام الرأي العام الفرنسي، الذي ذاق ذرعا من تهور اليميني المتطرّف روتايو، الذي يمسي ويصبح على تصريحات ضد الجزائر ضاربا مصالح بلاده عرض الحائط. وألقت الممارسات العنصرية لهذا التيار بظلالها على الشارع الفرنسي، موازاة مع انقسام الطبقة السياسية في التعاطي مع الأزمة المفتعلة مع الجزائر، بل إن هذا التباين بدا ظاهرا في تصريحات الرئيس الفرنسي، الذي بدا أنه انصاع أخيرا إلى خطاب التهدئة مع الجزائر رفقة رئيس وزرائه ووزير خارجيته، في حين بقي وزير الداخلية روتايو، يغرّد خارج السّرب لدرجة أنه لا يتردد في إصدار تصريحات معاكسة، محرّضة ومعارضة لأي تقارب بين الجزائروفرنسا.