رسّخت التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، قناعة سياسية لدى الفاعلين والأحزاب والرأي العام مفادها أن رهانات التغيير لم تعد مرتبطة بالانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها يوم 17 أفريل القادم، بل إلى ما بعد هذا التاريخ، وهو ما خلصت إليه رسالة الرئيس السابق ليامين زروال وتقاطعت في الذهاب إلى مرحلة "انتقالية"، لكن ليست بمواصفات المعارضة التقليدية التي تطالب بمجلس تأسيسي وصياغة دستور للبلاد. لقد تميزت دعوة حمروش للثلاثي السياسي والأمني والعسكري في الجزائر من أجل قيادة البلاد إلى مرحلة انفتاح ديموقراطي بصراحة سياسية، تعتبر في النهاية اعتراف واضح بالدور المنوط بالمؤسسات الفاعلة في بلادنا لقيادة الانفتاح المنشود، وإذا أدرجنا خطاب الحملة الانتخابية لقيادات أركان مداومة بوتفليقة في شقه الخاص بتعديل الدستور ومضامين التعديل التي تتمحور حول الانفتاح والحريات ومنح المعارضة هامشا واسعا للمشاركة والتحرك السياسي، فإن دعوة حمروش ستكون بداية لكتلة وطنية ستتشكل بعد الرئاسيات للضغط أكثر في هذا الاتجاه، وهذا ما سيعجل بدفع السلطة نحو هذا الانفتاح الذي ستسبقه مشاورات تُخرج التعديلات الدستورية من دائرة النظام إلى المجتمع بكل ألوانه وأطيافه السياسية والاجتماعية. وقد دعا الرئيس السابق ليامين زروال إلى اعتبار ما بعد الرئاسيات أو العهدة القادمة، انتقالية لفتح المجال واسعا أمام التعددية والديموقراطية الحقيقية. وقبل زروال بمدة قصيرة كان حمروش قد اعتبر أن الجيش هو المؤسسة الوحيدة القادرة على ضمان التعددية السياسية والانفتاح المنشود، ثم عاد مولود حمروش نهاية الأسبوع الأول من عمر الحملة الانتخابية ليطلب من الرئيس بوتفليقة وقادة المؤسسة العسكرية قيادة الانفتاح السياسي، وهو يدرك جيدا أن هذه المؤسسات من منظور رجل الدولة قادرة فعلا على قيادة وحماية المسار الدمقراطي بعيدا عن الصدام مع المعارضة، وأن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، حسب مقاربة مولود حمروش التي جاءت في تصريحه الأخير خلال منتدى صحيفة "ليبرتي"، هو انخراط المؤسسات القوية للبلاد في دعم التعددية والمسار الديموقراطي والانفتاح على الرأي الآخر. وإذا توصلت كل أطراف الحكم والمعارضة إلى مسار انفتاحي أكثر سلاسة، فإن البلاد ستتجنب الكثير من الاستنزاف السياسي وتختصر مسافات الوصول إلى استقرار تام بعد سنوات طويلة من البحث عن مرفأ رسو آمن، وإن استجابت كل أطراف اللعبة السياسية لهذا المطلب، فإن الجزائر تكون قد تجنبت عنف الجوار العربي وربيعه الدموي الذي فكك جل البلاد العربية وشرد شعوبها في أزمة دامية، لا يريد المواطن في الجزائر أن تتجسد في أي شكل من الأشكال أو الصور البراقة، باسم الحريات والديمقراطية والانفتاح، فقد تبين أنها شعارات لا أساس لها من الصحة، حيث ساد العنف والتخريب والدمار البلاد العربية التي طالها هذا الربيع الدموي.