لا تزال قضية ما يعرف بسد "الماو" الرابط بين أهم ولايات غرب الوطن، تجوب أروقة العدالة بمجلس قضاء مستغانم منذ نحو خمس سنوات، بعدما عرفت القضية تحقيقات موسعة لكشف عدة تجاوزات ارتكبت في إنجاز هذا السد العظيم لصالح شركة تركية الجنسية مختصة فقط في إنجاز المشاريع السياحية، دون سند قانوني مما كلف خزينة الدولة أموالا باهظة قدرت بأكثر من 2300 مليار سنتيم. وانطلقت التحريات بشأن هذا المشروع الرابط بين أهم مدن الغرب الجزائري من مستغانم، أرزيو ووهران من قبل مصالح الأمن بتاريخ 31 جويلية 2009، شملت كل من المدير العام للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات، رئيس المشروع، مدير الدائرة الصرف، رئيس مشروع آخرين، رئيس مشروع بالنيابة، مختص تبوغرافيا الذين يخضعون للرقابة القضائية ومدير عام شركة "مايا" التركية المتواجد خارج الوطن منذ أزيد من سنة رغم خضوعه هو الآخر لنفس الإجراء القانوني، وهي التحقيقات التي جاءت مباشرة عقب اكتشاف تجاوزات تلت الزيارة الميدانية التي قام بها الوزير السابق للموارد المائية لمنطقة إنشاء السد من أجل الوقوف على نسبة تقدم الأشغال به تحسبا للزيارة الرتقبة آنذاك لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة. وخلال قيام التقنيين العاملين على مستوى السد بتجريب عمل مضخات المياه التي تم إنجازها كتحضير لتلك الزيارة تفاجؤوا بتعطل إحداها، مما دفعهم إلى البحث عن قطع الغيار بمخزن الشركة لكنهم لم يجدوا منها شيئا مما اضطرهم ونظرا إلى ضيق الوقت لإعارة مضخة من نوع "في آس دي" من مصنع الإسمنت الواقع بمنطقة زهانة، حيث قاموا بتركيبها وإعادتها إلى مصدرها بعد انتهاء الزيارة الوزارية. وكشفت التحقيقات، أن رئيس المشروع المدعو "ع. م" لدى اكتشافه وجود عطب بالمضخة بالاتصال بمديره الجهوي المدعو "ع. ر" وأعلمه بالأمر وهناك وجهه لتركيب جهاز "في آس دي" واحد من أصل الثلاثة المتواجدة بمخزن الشركة التي من المفترض أن تكون قد سلمتها لهم الشركة التركية وفقا للعقد المبرم بين الطرفين الذي يلزم الشركة التركية المستفيدة من المشروع بتوفير 8 مضخات إضافية كمخزون احتياطي، الذي استلمت لأجله الشركة التركية ما قيمته 3 ملايين أورو قصد شراء 3 من أصل العدد الإجمالي دون أن تسلمها للمخازن التابعة للمشروع وذلك، حسب ما ورد في مجرى التحقيقات الأمنية والقضائية بتواطأ مع المدير العام للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات المدعو "ب. ن"، مما يعني حسب ما خلصت إليه التحقيقات أن خزينة الوكالة تكبدت خسارة مالية بقيمة 11 ملايين أورو ما تمثل قيمة المضخات التي سددت الوكالة منها مسبقا ما قيمته 3 ملايين أورو دون أن تستلمها، فضلا عن تسديدها لما تبقى من قيمة المضخات وفق المتعهد عليه في العقد الأولي المبرم بين الطرفين. وأوردت التحقيقات من خلال الوثائق المعتمدة عليها، فإن مسؤولو الوكالة قاموا بخصم مبالغ المضخات التي لم تسلمها الشركة التركية لمخازن الشركة المشرفة على المشروع إلا بعد انفضاح أمر وجود تجاوزات وتلاعبات بالصفقات، وذلك دون أن تسلط المديرية العامة للوكالة أي عقوبات إدارية أو مالية على الشركة التركية مما دفع بالمحققين للتشكيك بوجود تواطإ بين المديرية العامة للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات وهته الشركة الأجنبية، حيث مكنت التحريات من تسجيل عدة مخالفات للقانون المعمول به. تسهيلات للشركة الأجنبية لتجنب تطبيق القانون عليها وبهدف تغطية التأخر الملحوظ في إنجاز المشروع وحتى يتفادى المدير العام للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات تطبيق القانون على الشركة التركية الذي ينص على وجوب تطبيق عقوبات التأخير في حال إخلالها بآجال التنفيذ المنصوص عليها في العقد المبرم بين الطرفي، كشفت التحقيقات أنه، عمد إلى تحرير أمر خدمة، أمر يعني توقيف النشاط موقع بتاريخ 3 مار س 2010 وأمر للعودة على النشاط ممضى عليه بتاريخ 6 جوان 2010، وهما ساريا المفعول خلال فترة لا تتعدى 99 يوما. وأكثر من ذلك، فإن لم يتم تسليمهما من طرف المديرية العامة للوكالة لرئيس المشروع من أجل مراقبة الشركة المنجزة إلا بعد انقضاء مدة الأمر بتوقيف الأشغال، مما سمح للشركة التركية بمواصلة النشاط وإنجاز بعض الأشغال المتأخرة، كما لم يتم خصم مدة 99 يوما من الوضعيات المالية بل تم احتسابها لصالح الشركة التركية بطريقة غير شرعية. التوقيع على محضر وهمي لإنجاز طريق ولائي بتوطؤ بين رئيس المشروع المدعو "ن.ع.س" ومهندس بالهيئة الوطنية للرقابة التقنية للأشغال العمومية المدعو "ع.ن" وممثل الشركة التركية، تم الإمضاء على محضر وهمي باحتواء الطبقة الأرضية التي أنجز عليها الطريق الولائي رقم 7 على نسبة 80 بالمائة من الصخور بسعة 100 ألف متر مكعب، مع الحقيقة تؤكد أن الأرضية لنسبة الصخور بها لم تتجاوز ال 5 بالمائة، وذلك باعتراف من ممثل الهيئة التقنية للمشروع الذي أكد في محضر رسمي أن تقييم النسبة الأولى تم بالعين المجردة ولم يتم خلاله اعتماد الطرق العلمية المعمول بها، حيث رفض، حسبه، رئيس المشروع آنذاك المدعو "ع. م"، الإمضاء على المحضر المتضمن معلومات مغلوطة، كما لجأ لمكتب دراسات أجنبي الذي أعد له خبرة تحدد نسبة الصخور الفعلية بالمنطقة، كما ثبت أن إعادة تأهيل هذا الطريق الولائي الممتد على مسافة طولها 11 كيلومترا، فإنه تم تحرير محضر بين الشركة التركية وممثل الهيئة الوطنية للرقابة التقنية على الأشغال العمومية يقر فيه هذا الأخير بأن هذه الشركة الأجنبية استهلكت كمية معتبرة من الزفت قدرت ب 72777,59 متر مربع وهو ما يمكن في الواقع من إنجاز 10 كلم من الطريق، الأمر الذي يتناقض مع الحقيقة الميدانية، في حين جاء اعتراف المهندس بأن الطريق لم تنجز منه إلا 5 كيلومترات، مما يعني أن رئيس المشروع المدعو "ن.ع.س" قام بتضخيم الوضعية المالية لهته العملية وذلك مقارنة بالتقدم الفعلي للأشغال بما قيمته 2 مليون أورو. تلاعبات بالتواريخ حال دون الالتزام ببنود العقد كشفت التحقيقات الأمنية والقضائية عن وجود تلاعب في قراءات تحديد التواريخ، مما أدى إلى عدم تطبيق بنود العقد، لاسيما فيما يخص عقوبات التأخير في الإنجاز مما كلف الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات خسائر مالية ضخمة بلغت قيمتها 141.515.095.93 أورو، وأكدت خلاصة المحققين أن الغرض من وراء التستر على هذه الشركة التركية بعد التواطإ معها وكل ما ترتب من تلاعبات بهذا المشروع هو لأجل تفادي إدراج هذه الشركة الأجنبية ضمن القائمة السوداء طبقا للمرسوم الرئاسي المنظم لكيفيات إبرام الصفقات التجارية مع الشركات الأجنبية. وأن عدم تطبيق عقوبات التأخير عليها من حيث إنجاز شطر الطريق الوطني رقم 7 الذي كان من المفروض أن يتم إنجازه من طرف الشركة التركية في ظرف 50 يوما على أن يكون جاهزا بتاريخ 30 جويلية 2010، فقد تم تسديد أتعابه عن طريق شيك موقع من المدير العام للوكالة غضون شهر أكتوبر من نفس السنة. كما تضمنت إحدى الوضعيات المالية للمشروع مصاريف أشغال منجزة إلى غاية 25 سبتمبر من سنة 2010 على الرغم من أن الآجال الحقيقية المتفق عليها في العقد، حسب نص المادة رقم 8 من الملحق رقم 3 جاءت بالنسبة للآجال الخاصة بتغيير مسار الطريق الولائي رقم 7 تنتهي بتاريخ 30 جويلية 2010، أما بالنسبة لآجال الإنجاز الكلي لسد الشلف فقد كان مقرر انتهائها يوم 30 مارس من نفس السنة، غير أن الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات اقترحت في مارس من نفس السنة، غير أن الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات اقترحت في الملحق رقم 4 للعقد تمديد الآجال الخاصة السد إلى غاية السابع من أكتوبر من السنة ذاتها، وهو الملحق الذي لم يتم التوقيع عليه من طرف اللجنة الوطنية للصفقات. وفي سياق ذي صلة، كشفت التحقيقات أن الآجال المقترحة في ذات الملحق والمقسمة على أساس 6 أشهر بالنسبة للتجارب الصناعية والنصف صناعية وشهرين بالنسبة لترميم المساكن الخاصة بالسد كان بالإمكان تقليص المدة إلى 6 أشهر فقط كونها كافية ومع ذلك تم تمديد المدة لصالح الشركة الأجنبية، فضلا عن ذلك فقد أوردت التحقيقات أن المدير العام للوكالة قام بتبليغ الشركة التركية عن طريق إرسالية مؤرخة في 29 سبتمبر 2010 تحت رقم 2674، تضمنت تمديد العقود الخاصة بالعمال الأجانب التابعين لذات الشركة إلى غاية شهر مارس 2011 مع أن الملحق السالف الحديث عنه لم يتم الإمضاء عليه. تهرب جمركي أجنبي... دراسات تقنية خاطئة بتواطؤ جزائري فضلا عن ذلك، فقد ورد أن المدير العام للوكالة قام بمراسلة المديرية العامة للجمارك من أجل تمديد الآجال الخاصة بتطبيق نمط الاستيراد المؤقت للوسائل والعتاد المستعمل من طرف الشركة التركية، مما فسح المجال للأخيرة لعدم تسديد المستحقات الجمركية الجزائرية لسنة 2010 والمقدرة ب 700 مليون سنتيم، فضلا عن عدم رفعه للتحفظات المرفوعة من طرف خبير مكتب دراسات سوسري بخصوص النقائص المسجل على مستوى السد والتي لم يتم إنجازها من طرف الشركة التركية. كما أنه وعلى الرغم من العرض الظاهر من خلال الملحق رقم 04 للعقد هو تمديد آجال الإنجاز بدون مصاريف إضافية، إلا أن الدراسات المقامة عليه بينت الغرض الخفي وهو إدماج مصاريف الطريق الولائي رقم 07 والمقدرة ب 2.175.991,48 أورو و36.963.545,75 دج، ولم تحص التجاوزات في ذلك فحسب، وإنما ثبت أن الدراسات التقنية المنجزة من قبل الشركة التركية في إنجاز السد "خاطئة" في الأصل حيث لم يتم الأخذ بعين الاعتبار، حسب المختصين، مسلك الطريق الولائي رقم 07 الذي تبين فيما بعد أنه جزء من السد، مما أدى إلى تحويل مساره عن طريق ملحق عقد تم بمقتضاه تكليف نفس الشركة الأجنبية عن طريق عقد بالتراضي البسيط بالدراسات والإنجاز الخاصة بهذا المشروع على الرغم من أن المفتشية العامة للمالية خلال الزيارة التي قادتها خلال سنة 2009، إلى موقع السد ألحت من خلال المحاضر المنجزة من طرفها بخصوص تلك الزيارة على فصل الدراسات الخاصة بالمشروع على الإنجاز لكن ورغم ذلك فإن المديرية العامة للوكالة الوطنية للسدود والتحويلات أوكلت المشروع للشركة التركية التي هي في الأصل، حسب ما خلصت إليه التحقيقات "غير مختصة في هذا النوع من المشاريع بل مختصة في إنجاز المشاريع السياحية"، مما أوحى بارتكاب جنح تبديد أموال عمومية والمشاركة في تبديد أموال عمومية ومحاولة تبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة، إلى جانب إبرام موظف لملحق مخالف للأحكام التشريعية المعمول بها بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة وتحرير شهادات تثبت وقائع غير صحيحة والحصول على امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية وفقا لما تعاقب عليه نصوص قانون العقوبات وقانون الوقاية من الفساد ومكافحته.