مرة أخرى، تعصف حرب الزعامات بتماسك المعارضة في الجزائر ضد خيارات السلطة التي تفرضها فرضا على أحزاب مقسّمة ومشتّتة، فقد اعتذر الأفافاس نهاية الأسبوع عن تلبية دعوة تنسيقية الانتقال الديمقراطي والمشاركة في اجتماع المعارضة الذي جرى بمقر حليفه اللدود الأرسيدي، بالأبيار بالجزائر العاصمة، مؤكدا أيضا رفضه المشاركة في هيئة "التنسيق والتشاور" التي تنوي الأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة تأسيسها. ويعتبر غياب الأفافاس ومعه كوكبة من الشخصيات السياسية الهامة والمؤثرة في جناح المعارضة كمولود حمروش ضربة قاصمة لظهر جماعة الانتقال الديمقراطي التي قادها المرشح السابق لرئاسيات ماي 2014 علي بن فليس رفقة قادة عدد من الأحزاب الإسلامية في مقدمتهم حمس وشخصيات أخرى كرئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور.. هذا الشرخ الذي هز كيان المعارضة في الجزائر قادته جبهة القوى الاشتراكية المتهمة بوأد مبادرة الانتقال الديمقراطي لحسابات خاصة تتعلق بتموقعها داخل الخريطة السياسية، ولا يعكس تصرف جبهة القوى الاشتراكية غير تكريس التقليد الكلاسيكي المتمثل في حرب الزعامات التي تقضي دوما على كافة محاولا ت التماسك والوحدة في الرأي والطرح والموقف المطالب بين مختلف القوى المعارضة في بلادنا، لكن تيار آخر يرى أن تنسيقية الانتقال الديمقراطي حملت في برنامجها بوادر فشلها كونها راهنت على تحريك الشارع من حين لآخر لافتكاك مطالبها، ولم تترك للسلطة هوامش كبيرة للترك أو المناورة والتفاوض، أي أنها وكما أغلقت السلطة منافذ الحوار فإن جماعة الانتقال الديمقراطي تكون قد أظهرت تصلبا مبالغا فيه ضمن مسار تعاطيها مع الأحداث السياسية. ومن الواضح جدا أن احتمالات مخاطبة المعارضة للسلطة بصوت واحد باتت أقل بكثير عما كانت عليه قبل الندوة التي تم عقدها في جوان الماضي، إذ برزت المعارضة بصوت ولون وزيّ واحد، لكن ذلك المشهد لم يكن إلا بداية للتفكك على خلفية حرب الزعامات الحزبية التي تتسم بها الأفعال السياسية لمعظم الأحزاب في الجزائر. ويمكن قراءة المشهد السياسي المقبل على نحو كاريكاتيري، الأول معارضة متشددة في مطالبها ومواقفها، لا تترك مجالا للطرف الآخر من أجل التحرك والتفاوض. والمشهد الثاني لمعارضة موالية تعمل على ترجمة واقعها على شكل مبادرات يمكن أن تدفع السلطة بها لأن تكون مادة دسمة يلوكها الجميع من الموالاة إلى السلطة ذاتها مرورا بالمعارضة "الموالية"، إن صح التعبير.. وهذا ما سيؤدي في النهاية إلى أن يستهلك الكثير من الجهد والوقت في لغط سياسي لا أول ولا آخر له، على النحو الذي جرت عليه الكثير من ندوات الوفاق الوطني على مراحل متعددة من عمر الجزائر.