سيواجه الرئيس التونسي المنتخب مهما كانت نتائج الرئاسيات التي تنطلق اليوم في جولتها الأولى؛ حزمة من الملفات السياسية والاجتماعية ستكون بمثابة التحدي الحقيقي للمسار الديمقراطي المكتمل في مرحلة مفصلية وموسومة باضطرابات أمنية لم تعشها تونس منذ الإطاحة بنظام بن علي. وإن كان رئيس الحكومة التونسية مهدي جمعة لخص خطورة الرهانات الأمنية بالقول "نخاف أن نستيقظ على أفغانستان جديدة على أبواب تونس"، في إشارة إلى ما يحصل في ليبيا التي تمثل تهديدا مباشرا على الأمن القومي التونسي والتحركات الإرهابية المتفاقمة على الحدود مع الجزائر؛ فإن تقارير أمنية دولية وأخرى أعدتها مراكز دراسات متخصصة تؤكد أن مفتاح الحل الأمني لتونس هو "تقاربها" مع الجزائر سواء فيما يتصل بتأمين حدودها مع هذا البلد أن التنسيق معه لمواجهة ما هو قادم من "بركان" ليبيا. ولئن قلل بعض المراقبين والقيادات السياسية من هامش التحرك لدى السلطات الجديدة "رئيس يجري انتخابه وحكومة قيد التشكيل" بفعل الظروف الإقليمية المحيطة، فإن التحدي الداخلي يطرح أكثر من تساؤل حول الرئيس الذي ستفرزه أول رئاسيات منذ الثورة على التعامل مع ملفات الأمن الداخلي وتفشي ظاهرة نقل الأسلحة وتخزينها بمواقع عدة في تونس والتشغيل والتنمية في الجهات، حيث لا تزال أغلبية التونسيين تنتظر تغيير المشهد التنموي وتعيش على أمل تغير الأحوال المعيشية. ومن ناحية الملف الأمني سيجد الرئيس الجديد نفسه موزعا بين ضغط القوى العلمانية التي تطالب بانتهاج سياسة الاستئصال للتحكم في منسوب العنف ومواجهته بكل الوسائل، وبين عمليات الانفلات الأمني التي قد تقودها التيارات "السلفية" المتطرفة والتي انتهت في السابق بمواجهات مسلحة على غرار ما حدث من تطورات في جبل الشعانبي واكتشاف مخازن للأسلحة في أكثر من مدينة تونسية. وتنظر التيارات "السلفية" المتطرفة إلى المشهد الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الماضية وما سيعقبها من نتائج الرئاسيات بعين غير مطمئنة مع تجديد مطالب سياسية بإطلاق سراح أكثر من 300 عنصر من المتطرفين يقبعون في السجون التونسية. ولم يكن التقرير الجديد لمجموعة الأزمات الدولية حول الوضع في تونس، الصادر مؤخرا حسب مراقبين سوى طلقة تحذيريّة للسلطات التونسية من تنامي المخاطر عند حدودها البرية، نتيجة التحالف بين الإرهابيين والمهربين على الجبهتين الجزائرية والليبية، ومن انعكاسات هذا التحالف على البلاد إن فشلت الانتخابات الرئاسية الحالية في تحقيق الاستقرار السياسي للبلاد. ولم تخل الصفحات العشرون للتقرير السنوي الثاني، لمجموعة الأزمات الدولية عن تونس، من تكرار كلمة "الحدود" عند الإشارة إلى تنامي خطر الجماعات الإرهابية التي نجحت في عقد تحالف مع عصابات التهريب على طول الحدود التونسية مع الجزائر المقدّر بنحو 1000 كلم والحدود الشرقية مع ليبيا على طول 500 كلم. ويرى التقرير أن الأوضاع الأمنية على الحدود الجزائرية والليبية قد تصبح مقلقة وتتحول إلى تهديد خطير على تونس إن لم ينتهج الرئيس الجديد لسياسة أمنية "استباقية" تقضي بتفكيك تلك الألغام التي تحدق بالاستقرار الأمني و السياسي للبلد. وشدّد التقرير على أن الخطر لا يقتصر على تحالف المهربين مع الإرهابيين، بل في التحاق عدد من شباب المناطق الحدودية بالمجموعات الإرهابية ومحاولة الالتحاق بصفوف تنظيم "داعش" أو جبهة النصرة في سوريا. وتحسبا لأي تعقيدات مفترضة مهدت سلطات "الانتقال الديمقراطي" في تونس لعهد جديد من الشراكة الأمنية مع الجزائر من خلال سلسلة من زيارات كبار المسؤولين آخرها تلك التي قام بها رئيس الحكومة التونسية، مهدي جمعة إلى المناطق الحدودية رفقة الوزير الأول عبد المالك سلال وتحديدا بولاية تبسة، حيث خلص الاجتماع إلى توقيع اتفاق على خطة تنسيق للتعاون المشترك في المجالين الأمني والعسكري. ووصف وزير داخلية تونس منجي الحامدي تلك التوصيات الأمنية المتفق عليها ب"القفزة النوعية" على صعيد "التعاون والتشاور بين البلدين الشقيقين من أجل التحكم في التحديات الأمنية، خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة".