-مواطنون: "ارتفاع الأسعار سيناريو يتكرر كل شهر رمضان" - اتحاد التجار يحمّل المواطن مسؤولية ارتفاع الأسعار إذا سألت أي مواطن جزائري سواء بالعاصمة أو غيرها من المدن بالغرب أو الشرق أو حتى الجنوب عن أحوال قدرته الشرائية، سيجيبك على الفور شاكيا وربما أيضا باكيا بأن القدرة الشرائية انهارت وأنه لم يعد قادرا على تحمل أعباء مسؤولية العائلة والأطفال مع الارتفاع الجنوني للأسعار.. الكلام الذي يقوله المواطن الجزائري يتناقض كليا مع ما شاهدناه خلال اليومين الأول والثاني من الشهر المعظم في الأسواق الشعبية والفضاءات التجارية الكبرى وحتى القصابة، من اللهفة والتسابق على شراء وتكديس المواد الغذائية بطريقة تجعلك تشعر وكأن حربا على الأبواب والمواد الغذائية ستفقد قريبا، ناهيك عن الزحمة والاكتظاظ أمام هذه المحلات، وهو ما دفعنا إلى القيام بجولة لرصد أجواء أولى أيام رمضان في الشارع وتحديدا بالعاصمة والبلديات المجاورة لها التي لا يختلف فيها المشهد كثيرا عن باقي ولايات الوطن. الجزائريون يشتكون الأسعار لكنهم يملأون القفة "باللهفة" وجهتنا كانت بعض بلديات العاصمة على غرار القبة وباب الوادي وبئر خادم، التي عرفت حركية كبيرة وزحمة سير على عكس الفترة الصباحية وإلى غاية حدود الساعة الرابعة مساء، حيث عرفت كل بلديات العاصمة دون استثناء جمودا وبدت في مشهد واحد خاوية على عروشها. أما الفترة المسائية فكان المشهد واحدا ولايختلف في كل البلديات التي زرناها، خروج المواطنين في وقت واحد إلى الأسواق والسوبر ماركت، وهو ما تسبب في خلق طوابير طويلة سواء في محلات بيع المواد الغذائية، خاصة في بعض المحلات التي يكون فيها انخفاظا نسبيا في الأسعار، فالشخص يجد فيها 10دج كفارق في قارورة الزيت مثلا، و5 دج ناقصة في مادة أخرى وهو ما يجعلها محل إقبال الجميع، دخلنا إلى أحد المحلات المخصصة لبيع المواد الغذائية بمنطقة تقصراين، حيث شد انتباهنا العدد الكبير من الناس المتواجدين بالداخل، فعلنا مثلهم وأمسكنا بسلة بغية ملئها بالمواد التي نريد أن نشتريها، شدَ انتباهنا طابور طويل عريض من النساء كنَ واقفات اتجهنا مباشرة إلى هناك تسللنا وسطهن وحاولنا أن نعرف سبب وقوفهن، سألنا امرأة هناك فقالت لنا إنهن ينتظرن أحد العمال في السوبيرات ليأتي بالطماطم المعبرة من المخزن بعدما نفذت من المحل، وعند قدوم العامل إلى المحل وهو يحمل حاويات الطماطم المنتظرة، عانى الأمرين حتى يصل بالسلعة إلى الرفوف المخولة لها وذلك من شدة اكتظاظ المحل بالزبائن فقد تعذر عليه ذلك، وهو الأمر الذي دفعه إلى النرفزة على أحدهم ليحاول فيما بعد الدخول معه في شجار لولا تدخل بعض المتواجدين في المحل لفكه لآلت الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، وحين قام هذا الأخير بوضع علب الطماطم فوق الرفوف إلا وتدافعت النسوة عليها من أجل أخذ كميات كبيرة منها، فمنهن من أخذت 2 كلغ، ومنهنَ من أخذت حتى 4 و 5 علب من تلك الطماطم المصبرة. أما في القصابة فالأمر لا يختلف كثيرا، ففي حدود الساعة الرابعة والنصف توجهنا إلى منطقة بن عمار ببلدية القبة، حيث تتواجد حوالي خمس قصابات في مكان واحد، وقد عرفت كل المحلات المتواجدة في ذلك المكان طوابير طويلة، وملاسنات بين المتواجدين امامها، كثرة الزبائن في تلك المحلات دفعتنا إلى التوجه إلى إحدى القصابات، سألنا صاحب المحل عن سبب الإقبال الكبير للمواطنين رغم أن الأسعار مرتفعة فكانت إجابته أن جودة اللحوم ونوعيتها تجعل المواطن يقبل على محلهم بصفة خاصة والمحلات المجاورة بشكل عام، وأضاف أن المواطن أصبح لايبالي بارتفاع الأسعار بقدر ما تهمه نوعية وجودة ما يشتريه خاصة فيما يتعلق باللحوم. كما اقتربنا من إحدى المواطنات التي التقيناها في القصابة وعندما سألناها حملت المواطنين بالدرجة الأولى مسؤولية غلاء الأسعار، وأضافت "لازم على الواحد يشتري على قدر الحاجة أنا خرجت اليوم حسبت الفناء غير اشري وحمل، الواحد لازم يكون متعقل"، واشارت إلى مقتنياتها قائلة شوفي أنا شريت على قدر ما نحتاج هذ اليومين وعلاش اللهفة التي رح ينضر بها اكثر مما يستفيد فمثلا البارح الجزر كان سعره لا يتعدى 40 دج واليوم 120 دج وأنا شخصيا لا ألوم الخضار بل الموطن". المواد الاستهلاكية بكميات مضاعفة.. والانظار تتجه إلى الماركات الأجنبية ومن بين المواد الغذائية التي حظيت باهتمام الزبائن الدهون أي السمن والزيت التي لا يمكن أن يخلو بيت في رمضان منهما فهما أساس كل طبخة ولا يمكن أن يكون المطبخ دونهما، لذلك فإن كل زبون كان يدخل السوبيرات إلا ويخرج منها محملا بدلو من الزيت من سعة 5 لتر، وهناك من كان يخرج بدلوين، ناهيك عن السمن فقد كانت معظم سلل السيدات فيها علب السمن وكلها من الحجم الكبير، ما يخيل لكل من ينظر إليهن أنهن سيطبخن طبخا اسمه السمن أول أيام الشهر الفضيل، وما شد انتباهنا أيضا أن الواقف أمام رفوف هذه المواد يندهش من الماركات الكثيرة والأحجام المختلفة ولكن ما أثار انتباهنا فعلا هو أن الكثير من الزبائن كانوا يختارون الماركات الأجنبية وترك المحلية وحجتهم في ذلك أن الدهون الأجنبية خالية من الكوليسترول، وهو ما جعلنا نتساءل فعلا هل هناك دهون خالية من الكولسترول فعلا. تدافع وتعارك أمام صناديق دفع الحساب ونصف ساعة لدفع الفاتورة أكملنا جولتنا في السوبرماركت واقتنينا بعض المواد التي نحتاجها شأننا شأن كل الناس الذي كانوا متواجدين في السوبيرات، حان الوقت حتى نتوجه إلى صندوق الدفع من أجل دفع فاتورة المواد الغذائية التي اشتريناها لكن الوصول إلى الصندوق حكاية أخرى، فقد تطلب منا الأمر الوقوف في الطابور قرابة نصف ساعة من الزمن لدفع الفاتورة التي علينا وفي الوقت الذي كنا ننتظر شدت انتباهنا تلك الفواتير الخيالية، فامرأة كانت تتقدم الطابور اقتنت موادا لتكفيها لقضاء شهر رمضان بأكمله، بعدها جاء دور سيدة أخرى كانت سلتها مثقلة بمختلف المواد واشترت 7 علب قهوة و8 كلغ سكر و10 كلغ من ملح الطعام، و6 علب من الطماطم المصبرة، وحوالي 24 علبة من فلان الشوكولاطة، فقال لها أحد العمال ساخرا إن السوبيرات ستعمل أيام الشهر الفضيل ولن تغلق أبوابها من أجل أخذ عطلة حتى تقوم هي باقتناء كل تلك المواد الغذائية. من جهة أخرى تعاركا رجلان والسبب معروف "أنا أتيت قبلك إلى الطابور" . مواطنون يعتبرون ارتفاع الأسعار سيناريو يتكرر كل شهر رمضان.. تنقلنا بعدها إلى سوق "كلوزال"، حيث لم يختلف الأمر كثيرا، حيث عرفت أسعار المواد الأكثر استهلاكا والتي يكثر الطلب عليها في الأيام الأولى من شهر رمضان، على غرار الخضر والفواكه واللحوم الحمراء والبيضاء ارتفاعا محسوسا، والمواطنون من جهتهم عبروا عن استيائهم وتذمرهم من ارتفاع أسعار بعض الخضر للأسعار في الأيام الأولى من الشهر الفضيل على غرار الطماطم، الجزر والكوسى "القرعة"، حيث قفز سعرها إلى 100 دج فيما بلغ سعر الطماطم 80 دج، قائلين إنهم لا يمكنهم الاستغناء عنهما في أطباقهم الرمضانية، فبالرغم من أنهم كانوا يتوقعون ذلك فالأمر على حد تعبير الكثير منهم اصبح "ظاهرة تتكرر" مع حلول هذا الشهر في كل سنة. وفي هذا الشأن قالت ربة بيت وجدناها بصدد اقتناء الحشيش والمعدنوس "ارتفاع الأسعار سيناريو اعتدنا عليه كل موسم رمضان والعديد من الخضر عرفت ارتفاعا جنونيا ولكن مقارنة مع السنوات الماضية فهذه السنة الارتفاع في الأسعار لم يمس جميع الخضروات، ففي الوقت الذي شهدت فيه بعض الخضر ارتفاعا، هناك خضر أخرى بقي سعرها مستقرا كالبطاطا التي تعتبر من الأساسيات في الطبخ الجزائري". وتضيف سيدة أخرى: "والله عيب ما يحدث كل موسم رمضان سواء من قبل التجار الذين يتلذذون برفع الأسعار وإلهاب جيوب المواطن البسيط ومن قبل هذا الأخير الذي يقبل بلهفة على اقتناء كل ما طاب له، كما حدث عشية رمضان، حيث اندلعت شجارات عديدة بين بعض النسوة من اجل اقتناء الحشيش والمعدنوس" وتنهدت قائلة: "ربي يهديهم". فيما اكتفى العديد من المواطنين بالوقوف على الأسعار التي قالوا إنها ارتفعت بشكل كبير دون أن يشتروا مؤكدين أن مؤشر البيع قفز لعدة درجات خاصة بالنسبة للخضر واللحوم بمختلف أنواعها. ويبقى سعر الفواكه الموسمية أرحم بالنسبة للمواطن البسيط أما الفواكه الموسمية بمختلف أنواعها فقد عرفت أسعارها استقرارا، حسب المواطنين والتجار، فبالنسبة للتمر الذي تحرص العائلات الجزائرية على اقتنائه خلال شهر الصيام تراوح سعره بين 500 و600 دج للكيلوغرام الواحد فيما بلغ سعر كل من الخوخ، المشمش، البرقوق والتفاح 70 دج. وحسب احد المواطنين الذي وجدناه بصدد اقتناء الخوخ، فإن الفواكه هي الملجأ الوحيد للمواطن البسيط نظرا لاستقرار أسعارها، مؤكدا أن استقرار أسعارها لم يكن صدفة بل لتوفرها بكميات كبيرة تفوق نسبة العرض، حيث انخفض سعر المشمش في ولاية باتنة ب 5 دنانير فقط نظرا للانتاج الكبير، وبالتالي فسعره لم يعرف ارتفاعا بل هو في انخفاض متزايد، كما هو حال الخوخ والبرقوق ومختلف الفواكه الموسمية. من جهته قال أحد التجار بسوق ميصونيي إن ارتفاع أسعار الخضر والفواكه وسائر المنتوجات الاستهلاكية راجع بالدرجة الكبرى للمواطنين الذين يقبلون بلهفة عليها فهم من يخلقون المشكل، إذ تجدهم يتهافتون على اقتناء كميات مضاعفة وبل يشترون موادا هم في غنى عنها، هذا ما يخلق ندرة وبالتالي ترتفع الأسعار. فيما قال تاجر آخر إنه لاحظ أن هذا العام مقارنة بالسنوات الماضية المواطن الجزائري لم يعد يقبل بلهفة كبيرة على الاستهلاك الواسع والكبير للمنتوجات كالسابق، بل لمسنا أن هناك وعيا نوعا ما لدى بعض المواطنين، بالإضافة إلى أن كل شيء متوفر من خضر وفواكه ومواد أخرى، فالقرار بيد المواطن لديه الخيار في أن يشتري أو يمتنع وكل حسب قدرته الشرائية. اتحاد التجار يحمّل المواطن مسؤولية ارتفاع الأسعار.. من جهته الأمين العام لاتحاد التجار والحرفيين الجزائريين، صالح صويلح، قال إن معظم المواد الاستهلاكية متوفرة وبكميات كبيرة لكن زيادة الطلب عليها سبب ارتفاع الأسعار ولهذا نقول إن ارتفاع الأسعار كان كبيرا خلال الأيام الأولى من رمضان، حيث ستعرف معظم المواد الغذائية انخفاضا طفيفا في أسعارها الأسبوع الثاني من الشهر الفضيل. كما أكد صويلح أن المواطن هو المسؤول الأول عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية عشية شهر رمضان، وفي الشهر الكريم كذلك، ويكون ذلك نتيجة التهافت والاقتناء غير العقلاني للسلع، وهذا ما شجع التجار على رفع الأسعار بحجة قانون العرض والطلب. أما احتكار السلع فكان موجودا سابقا الآن وتم القضاء على هذا المشكل بنسبة كبيرة وليس نهائيا، والمتجول في أسواق الجملة وحتى التجزئة سيرى أن المواد الغذائية بكل أشكالها متوفرة.