العارضون يبررون ارتفاع الأسعار بتهاوي قيمة الدينار الجزائري يشدك وأنت تهم بالدخول إلى قصر المعارض "سافكس" حيث تقام الطبعة العشرون لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، تلك الجموع الغفيرة جدا عن المدخل، لتقفز إلى ذهنك أرقام وإحصائيات تصدرها من حين لآخر، مؤسسات ومنظمات تقول إن الجزائريين لا يقرأون وإن معدل ما يطالعه الإنسان العربي هو نصف صفحة سنويا. وفي داخل فضاءات العرض حيث توزعت أجنحة العارضين، لا يكاد يستطيع الزائر الحركة بالنظر إلى الحشود الهائلة؛ إذ صادف تواجدنا بالمكان ذكرى أول نوفمبر، وهو ما كان فرصة للأطفال بأن يغزو المعرض بقوة، فلا تكاد تلف ناظرك هنا أو هناك، حتى تجد الأطفال في كل مكان. ولا تبدو الصورة جميلة إلى هذا الحد، فوفق عدد من العارضين الذي تحدثنا إليهم، فإن نسبة الشراء لا تعكس العدد الهائل للزوار الذين كان غالبيتهم يكتفي بالتفرج أو تصفح عناوين معينة والانصراف إلى جناح آخر. ويعود هذا بالأساس إلى غلاء الأسعار، خصوصا ما تعلق بالكتب الجامعية وتلك الموجهة للباحثين والمتمدرسين، فكتب القانون في الأجنحة الأجنبية مثلا، يتراوح سعرها ما بين 750 دينار إلى 1500 دينار. أما الكتب شبه المدرسية فيصل سعر بعض العناوين منها إلى 900 دينار. وبالنسبة لجمهور الأدب، كان مشكل الأسعار مطروحا دوما، ففي جناح "دار الآداب" اللبنانية تباع روايات واسيني الأعرج بأسعار مرتفعة على غير العادة، حيث يقدر سعر رواية "سيدة المقام" ب 1250 دينار و"أصابع لوليتا" ب 1800 دينار و"مملكة الفراشة" و"أشباح القدس" ب 1700 دينار. كما تتوفر بذات الدار أعمال المفكر إدوارد سعيد ب 1260 و1500 دينار للكتاب الواحد. وفي جناح "دار القصبة" و"دار الهدى" و"منشورات الشهاب" و"داليمان" الجزائرية كانت الأسعار أقل نوعا، لكن تبقى مرتفعة بالنسبة للزوار، حيث نجد مذكرات قادة سياسيين وتاريخيين بسعر 1300 دينار، وكتب علمية وفكرية يترواح سعرها ما بين 780 دينار إلى 1400 دينار. كتب الدين والتاريخ مطلوبة بكثرة وبالنسبة للكتاب الديني الذي يبقى مطلوبا بكثرة، كان أقل سعر صادفناها أثناء جولتنا هو 700 دينار، وأكبره 12 ألف دينار بالنسبة للمجلدات الفاخرة. وشد انتباهنا التفاف عدد كبير من الزوار حول جناح "دار العبيكان" السعودية التي توفر كتبا ومجلدات في السيرة النبوية الشريفة والفقه والمصاحف من مختلف الأشكال، حيث بلغ سعر كتاب "مختصر السيرة النبوية" مثلا، 1200 دينار، كما توجد عناوين أخرى ب 600 و700 و800 دينار، لتصل أخرى إلى 9 آلاف دينار. تراجع قيمة الدينار هو السبب يعتقد مسؤول جناح "دار الرشيد" الجزائرية المتخصصة في الكتاب الديني، ان السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار الكتب في هذه الطبعة، هو تراجع قيمة الدينار الجزائري في الفترة الأخيرة، لكن رغم ذلك، يبقى الإقبال على مختلف الإصدارات كبيرا. ويرى محدثنا بنبرة التفاؤل ولغى التأكيد أن مقولة "الجزائريون لا يقرأون" غير صحيحة تماما، وأن المعارض والمهرجانات الخاصة بالكتاب، تشجع الناس كثيرا على القراءة وتفتح لهم الشهية. وأضاف المتحدث "نحن في دار الرشيد نشارك في هذا المعرض منذ 12 سنة، ونلاحظ مؤخرا رواجا كبيرا لكتب التاريخ، وربما ذلك يعود إلى أن شباب اليوم صار يحب البحث عن ذاته". وتوفر "دار الرشيد" عناوين مختلفة وكلها ذات طابع ديني، منها "تفسير القرآن للإمام عبد الحميد بن باديس" بسعر 2000 دينار، و"شرح رياض الصالحين"، 4 مجلدات ب 1100 دينار، إلى جانب "سير أعلام النبلاء"، 18 مجلدا ب 7000 دينار، ومصاحف مترجمة إلى الفرنسية ب 350 دينار. دور النشر السورية حاضرة رغم الحرب لم تغب دور النشر السورية في الطبعة العشرين لمعرض الجزائر الدولي للكتاب، حيث صادفنا عددا منها على غرار "دار ومؤسسة رسلان" وغيرها. وتقدم أجنحة هذه الدور، إصدارات علمية وتاريخية وفكرية وكتب خاصة بالطفل، غلى جانب كتب شبه مدرسية وأخرى خاصة بالتلوين. كما عرضت أيضا دواوين للشاعر الراحل نزار قباني وكانت تلقى إقبالا من طرف الفتيات. والملاحظ في تلك العناوين أنها خالية تماما من أي مضمون سياسي يشير إلى الحرب الجارية حاليا في سوريا، كما أن العلم الموضوع على الجناح وعلم النجمتين، ما يعني، بطبيعة الحال، أنها دور تشارك بإذن من النظام السوري بعيدا عن أي جهة معارضة. ولاحظنا أيضا عددا محدودا جدا من الإصدارات الجديدة. ومن عادة دور النشر السورية أن تضع صورة رئيس النظام بشار الأسد أو أبيه حافظ، لكنها لم تفعل هذه المرة. وأوضح لنا مسؤول جناح "مؤسسة رسلان" أن دور النشر السورية تحرص دوما على المشاركة في معرض الجزائر لما يكتسيه من أهمية، وحرصا على تمثيل الثقافة السورية رغم "المأساة التي تشدها بلاد الشام"، وفق تعبيره. ولم يقدم لنا محدثنا شرحا حول طريقة مغادرة سوريا مكتفيا بالقول "نحن حاضرون دوما في معرض الجزائر". اتحاد الناشرين التونسيين.. الثورة حاضرة سجل الجناح المخصص لاتحاد الناشرين التونسيين إقبالا ملحوظا للطلبة والباحثين، حيث يوفر الجناح عددا من الإصدارات المتعلقة بالوضع السياسي والانتقال الديمقراطي في تونس، من بينها كتب خاصة بالرئيس السابق منصف المرزوقي منها "من الخراب إلى التأسيس" و"عن أي ديمقراطية يتحدثون؟" و"الإنسان الحرام" وغيرها، بالإضافة إلى كتب لحامد الغزالي، بالإضافة إلى كتاب "تونس.. ليبيا.. بين الانتقال الديمقراطي المتعثر والإرهاب" لتوفيق المديني. وأوضح مسؤول الجناح أن هناك طلبا من الجمهور الجزائري على إصدارات تشرح الواقع السياسي في تونس الحديثة بعد الثورة التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي وتداعيات ذلك على المنطقة العربية ككل. في جناح الأطفال.. انتهاك لحرمة البراءة تتكرر تجاوزات العارضين الجزائريين والأجانب، وخصوصا المشارقة منهم، في معرض الجزائر الدولي للكتاب مع كل طبعة، إذ لا يجدون حرجا في تحويل المناسبة من تظاهرة ثقافية تعنى بالكتاب، إلى "سوق" يباع فيه كل شيء دون رقابة. وخصصت إدارة المعرض جناحا كاملا في الجهة السفلية لقصر المعارض، تضمن عروضا خاصة بالطفولة صادفت ذكرى الفاتح نوفمبر، وقضاء للتسلية واللعب في الخارج، وكان الإقبال عليه كبيرا جدا. أما بداخل الجناح، فقد توزعت مختل دور النشر الجزائرية والعربية لتقديم مختلف الإصدارات المتعلقة بعالم الطفل، ذلك أن الجناح، مثلما هو مكتوب في خارجه، وتوضيحات بعض العارضين الذين تحدثنا إليهم، مخصص بصفة رسمية للطفل فقط. ورغم هذا، لم تجد بعض دور النشر المصرية واللبنانية وحتى الجزائرية، حرجا في حشر كتب خاصة بالكبار بين إصدارات الطفل، ما أثار انزعاج الأولياء. ومن بين تلك الإصدارات التي شاهدناها "فن الحوارات الزوجية" و"احترف فن التعبير عن الحب" و"الطريق للسعادة الزوجية" و"تفسير الأحلام لابن سيرين والنابلسي وابن شاهين"، و"حكايات ترويها النساء" لكاتبة تدعى سميحة محمد، إلى جانب كتب ذات طابع تجاري أخرى مثل "ما تكرهه النساء في الرجال" و"أجمل قصيدة حب" و"الصحة الجنسية" و"كيف تدلل زوجتك". وأوضح لنا أحد العارضين الجزائريين في الجناح المخصص للطفل، أن تقديم مثل هذه الكتب تجاوز غير مقبول، مضيفا أن تلك الدور هدفها فقط الربح ولا يهما كتاب الطفل، لذلك استغلت فرصة معرض الكتاب لتقديم كامل سلعتها". وأعطانا صاحب جناح مصري مبررا غريبا عن تلك الكتاب حين قال "الكبار أيضا يزورون جناح الطفل وهي غير ممنوعة". وكانت الأسعار في أجنحة الأطفال نسبية، حيث يمكن اقتناء كتاب تلوين ب 50 دينارا، في حين قدمت "شركة أطفالنا الدولية" من مصر ما تسميه "قطار الحروف بالعربية والفرنسية" بسعر 1700 دينار.