في طبعة مشتركة عن مؤسسة بدور التركي للتنمية الثقافية ودار أوراق – مصر، صدر للشاعر السوري باسم سليمان [1971] ديوانه الجديد "مخلب الفراشة"، بعد دوانيه "تشكيل أول"/ 2007، و"لم أمسس"/ 2012، ليؤكد نفوره من شعرية يقول عنها إنها شعرية الوقت الميّت أو بُصاق الوحي الشّعري أو سَقْط الوجود. باسم الذي دخل عالم الكتابة والقراءة الأدبية متأخرًا، كان ذلك عام 2004، يكتب انطلاقًا من بقعة مشتركة بين الأجناس الأدبية، تشبه تلك البحيرة التي تلتقي عندها كل أصناف الطيور، فلا تجد الشجاعة على تصنيف نصه، خارج كونه نصًّا وكفى، رغم أن ناشريه يفعلونها، كما حدث مع هذا الإصدار الذي حمل صفة "شعر"، وكتاب "تمامًا قبلة" الذي حمل صفة "مجموعة قصصية". عناق بشروط الفن، بين الأنفاس السردية والشعرية، يطلع منه نص مفتوح على أكثر من سؤال، منها سؤال الكتابة نفسها، داخل فضاء عربي يعاني فقر الدم الجمالي، لذلك فإن المشاكسة والسخرية تعدّان من أبرز عناصر هذا النص، وربما هذا ما يقرّبنا من معنى عنوان الكتاب نفسه: "مخالب الفراشة"، حيث المخلب هنا للوخز، من أجل الانتباه إلى الجماليات المحيطة بنا/ الفراشة، وليس للافتراس. في هذا المعنى، يقول باسم سليمان، أو الغراب كما يحب أن يسمي نفسه، في ظل خراب عربي شامل: "لا يلكز الشاعر غير نفسه، فيرديها قتيلة ويفرّ كسرب من شجر المنغروف. لم يعد الشعر يعترف بالأغراض ولا بمقولة الشعر للشعر بل هو نفس أخير ينفثه ويموت ثم يكرر موته إلى أن يحيا في الممات". تحضر الأنثى في "مخلب الفراشة" متأرجحة بين الحسي والروحي، فلا ندري هل الشاعر يتغزل أم يصلي؟ هل يتلذذ بالوصل أم يكتوي بجمرة النأي؟ هل يبوح أم ينوح؟ هل يرى امرأة فعلًا أم هي مجرد نبوءة/ أسطورة نسي أين قرأ عنها، مع ذلك فقد آمن بها حد الوله والذوبان؟ "تشبهين الزمن دومًا يقطعني لنصفين نصف لحضورك المتأخر عنه نصف لغيابك الذي أسبقه" من المغامرة أن نقول عن هذه الأنثى إنها سوريا نفسها، فقد تساوى داخل النصوص ما يدل على ذلك وما لا يدل، ما يشير وما يمحو الإشارة، ليبقى الحب وحده عاريًا من كل بوصلة تدل على منتهاه، لكنها تدل على ملكيته: "أنا موسوم بقبلاتك، ثور تعرف كل القطعان أني لك". يتخذ الشاعر من هذا الحب صديقًا، كما يشير عنوان إحدى القصائد إلى ذلك صراحة، هل نقول "قصائد" أم "نصوص"؟ وينسى نفسه، فيتورّط في تعريفه، كما لو كان مذهبًا دينيًا، له أصول وفروع وأحكام ونواهٍ وطقوس وتمائم وأذكار، من غير أن يغادر لغة الشعر وروحه، فكأنه يقدم سيرته الذاتية في الحب. إنْ لم يصبْكَ الحبّ بالجرب ويصبح جسدكَ كعشّ النّمل وتهرع إلى شجرة يابسة كما تفعل الفيلة وتحكُّ كرحى تطحنُ الحَب، حتى تكْسر جَزَع القلب فأنت..!؟ معماريًا تميزت نصوص "مخلب الفراشة" بطولها، وبطول عناوينها أيضًا، لكنها تشكلت من ومضات، يمكن أن تقرأ بمعزل عن بعضها، فهي نصوص مستقلة بذاتها، ولها القدرة في الوقت نفسه، على أن تقرأن ضمن النسق العام للنص. بعد ليلٍ طويلٍ من معاقرة الكُحل يأتي الصّباحُ مخموراً عيناه مكلّلتان بهالة سوداء يتلمس بشرتَكِ كصابونة ٍمن زيت الغار يَغْسُل وَجهَ الضّوء. عبد الرزاق بوكبة