مراسلات من رئيس الحكومة وشكيب خليل وقرار من مجلس وزاري تخلط الأوراق عرف اليوم الثالث عشر من محاكمة سوناطراك، مدا وجزْرا مع الممثل القانوني الذي بدا أنه غير مطلع على كل جوانب الملف أو حاول تسويق ذلك وتهربه من إجابات دقيقة والاكتفاء برد لا أعلم أو لا تفاصيل لدي، وهي الإجابات التي زادت من تعويم محاكمة سوناطراك الذي لم يكن في نظر الكثير من المحامين في مستوى ثاني أكبر ملفات الفساد، لاسيما بعد استبعاد الشاهد الرئيسي لتقاعده عام 2010، وتميزت جلسة أمس بكشف بعض الأسرار الداخلية لسوناطراك عبر عدة مراسلات صادرة من الوزير شكيب خليل أو منبثقة عن المجلس الوزاري، وحتى من ديوان رئيس الحكومة آنذاك كانت مبررا لكثير من الصفقات، ومبررا لطابع الاستعجال الذي حاول الممثل القانوني إبعاد مسؤولية وزير الطاقة فيه رغم وجود مراسلة خاصة بمشروع غرمول، واكتفى بالتأكيد أن تعليمات الوزير ملزمة بالتطبيق من قبل المدراء التنفيذيين، في وقت اعترف الممثل القانوني أن سوناطراك لا تخضع لقانون الصفقات العمومية. الممثل القانوني لسوناطراك يتهرب من الأسئلة التي تضع الوزير شكيب خليل في قفص الاتهام فاجأ ممثل الطرف المدني "مجمع سوناطراك" ومدير الشؤون القانونية بذات المجمع محمد رشيد هيئة دفاع المتهمين بعد أن أكد أن سوناطراك لا تخضع لقانون الصفقات العمومية، موضحا أنها استندت في عقودها وصفقاتها إلى بنود تعليمة سوناطراك A408 R15 الصادرة في 2004 التي تعد بمثابة تعليمة داخلية وتتوافق مع بنود قانون الصفقات العمومية، حيث بدا الممثل القانوني غير ملم بكل جوانب الملف القانونية، لاسيما أنه تم استبعاد الشاهد الرئيسي حمو الذي كان وقت الوقائع الممثل القانوني المركزي للشركة وكانت شهادته مهمة جدا، حيث رفض القاضي طلب النيابة بسماعه على سبيل الاستدلال بعدما أسقط من قائمة الشهود بعد إحالته على التقاعد عام 2010، مما يبطل سماعه كشاهد، علما أنه كان في منصبه وقت الوقائع، وحاول القاضي الاستفسار من الممثل القانوني عبر جملة من الأسئلة تركزت حول مبررات طابع الاستعجال في الصفقات وإن كانت قانونية أم لا، وكذا مطالبته بتوضيحات حول الوضع القانوني للعقود التي تمت بالتراضي البسيط أو الاستشارة المحدودة. وأكد أنه لا وجود لقاعدة محددة لتحديد الاستعجال، موضحا أن المناقصة مفتوحة هي القاعدة عامة حسب قانون سوناطراك لتعليمة سوناطراك A408 R15 الصادرة في 2004، حيث تعد هذه التعليمة هي المرجع الذي تم الاستناد إليه وتمثل حسب الممثل القانوني تعليمة داخلية لسوناطراك، واعترف هذا الأخير بأن المجمع البترولي لا يخضع لقانون الصفقات العمومية وعقب القاضي في هذا السياق بأن البنود المذكورة هي نفس المواد المنصوص عليها في قانون الصفقات العمومية، لاسيما بخصوص حالات وشروط إبرام الصفقات بصيغة التراضي البسيط التي ربطها ب5 حالات الأولى في حالة مناقصة خرجت بدون جدوى الثانية في حالة الظروف الاستثنائية أو شراء غيار ومعدات داخلية.. وبعد ما أكد ممثل الطرف المدني أن بنود تعليمة سوناطراك تتوافق مع بنود قانون الصفقات العمومية أوضح أن إبرام العقود بصيغة التراضي لا يتم إلا "بموافقة مسبقة" صادرة عن الرئيس المدير العام للمجمع. وأوضح محمد رشيد بن علي الذي أثار غضب القاضي بالتزامه الإنكار أو التهرب من الإجابة عبر تأكيده بأنه لم يكن موجودا ولا علم له بالتفاصيل أن العقود المبرمة بين سوناطراك والشركتين الألمانية المجمع الجزائري-الألماني "كونتال فونكواركو" والإيطالية "المجمع الإيطالي سابيام كونتراكتينغ" الجزائر خلال سنوات 2004 و2007 في إطار الصفقتين المتعلقتين بنظام المراقبة البصرية الإلكترونية تم تسويتها في البداية بصيغة الاستشارة المحدودة لتتحول إلى صيغة التراضي البسيط والتفاوض حول الأسعار وهذا ما يخالف تماما -حسبه- "تعليمة سوناطراك A408 R15 الصادرة في 2004". لكنه أعطى مبررات تتعلق بالوضع الأمني، موضحا أن هذه المعطيات تدخل في طابع الاستعجال، وبالتالي فإن الأمر عادي لكنه ليس ضروري، موضحا بأن تقدير الاستعجال يعد من صلاحيات صاحب المشروع الذي أبرم العقد وهو يقدر فيما إذا كان هناك استعجال أم لا، وأضاف في رده على أسئلة القاضي بشأن مدى إلزامية تعليمات وزير الطاقة شكيب خليل للمدراء التنفيذيين وهل هي مبرر لعقود التراضي، لاسيما أن المتهم بلقاسم بومدين كان قد أكد هذا الأمر فيما يتعلق بمشروع المراقبة البصرية والحماية الإلكترونية في حاسي مسعود على أساس تعليمات من المسؤول الأول على القطاع لدواع أمنية وقرارات سياسية، حيث قال رشيد في السياق "نعم تعليمة الوزير يمكن أن تدخل في الاستعجال إذا كانت مكتوبة وتوفرت فيها الشروط، لكنه اعترف بوجود خلل في 3 عقود متعلقة بالحماية الإلكترونية والمراقبة البصرية تم إبرامها بين سوناطراك والمجمع الألماني كونتال فونكوارك من مجموع خمسة أبرمت بصيغة التراضي وعلق على العقد الخامس والخاص بقاعدة الحياة 24 فبراير الذي قال إنه كان جيدا في بدايته لكنه لم يستطع المحافظة على نفس وتيرته. وبخصوص مدى مساهمة الدولة في هذه العقود التي أبرمتها شركة سوناطراك قال السيد رشيد إن كل هذه العقود والصفقات قد تمت بأموال شركة سوناطراك باعتبارها مؤسسة عمومية اقتصادية، موضحا أن الخزينة العمومية لم تساهم ماليا في هذه العقود. أما بالنسبة للعقد المتعلق بإنجاز دراسة حول إعادة تهيئة وترميم مقر سوناطراك أحمد غرمول بالجزائر العاصمة الذي أسند إلى مكتب الدراسات كاد امسير من قبل ملياني نورية، فقد أكد بخصوصه السيد رشيد أن الدراسة كانت ناقصة بنسبة 50 بالمائة ولاسيما في جانبها التقني. وذكر السيد رشيد أن قاضي التحقيق الذي كان مكلفا بالقضية كان قد استدعى ممثل شركة سوناطراك سنة 2010 لسماعه كطرف مدني "رغم أنها لم تقيد أية شكوى مسبقة" بخصوص القضية، مضيفا أن سوناطراك كانت قد قررت "حفظ حقوقها" آنذاك. وفي سياق آخر قال المستجوب ردا على أسئلة الدفاع، إن شركة سوناطراك لم تحسم أمرها في شأن تعرضها للأضرار والتي على أساسها تم تحريك الدعوى القضائية، موضحا أن الضرر المالي لا يمكن تحديده بشكل فوري، في حين أنه يمكن الحديث عن وجود تقصير، قائلا إن المبرر الأمني في قضية الاستعجال لا يمكن الأخذ بها على طول الخط. الدفاع ينبش في أسرار سوناطراك عبر مراسلات من شكيب خليل، رئيس الحكومة، وقرارت المجلس الوزاري أثارالممثل القانوني للشركة البترولية الذي كان يرد على أغلب الأسئلة المطروحة بالإنكار وعدم معرفته بتفاصيلها، غضب هيئة الدفاع مما اضطرها إلى تقليص استجواباتها في دائرة اختصاصه وانتقدوا أجوبته التي كانت سلبية ومبررة بعدم اطلاعه على الملف واعتبروا أنه كان لزاما عليه أن يكون ملما بتفاصيل الصفقات التي أبرمت والتي أشير إليها بأصابع الاتهام. من جهة أخرى عرفت الجلسة استظهار بعض أسرار الداخلية للمجمع البترولي عن طريق الدفاع، حيث كشف محامي المتهم زناسي بن عمر عن تعليمة صادرة من الوزير شكيب خليل فيما يتعلق بمشروع غرمول منحت فيه الصفقة لمكتب كاد التابع للمتهمة نورية ملياني، حيث استفسر من ممثل الطرف المدني هل إن تطبيق الاستشارة على الدراسة معمول به، فأكد رشيد محمد بالنفي ثم استدرك أن هناك إمكانية في ذلك، علما أن المتهم عبد الوهاب كان قد أكد أن عقود الدراسات تقوم بنسبة 100 بالمائة على التراضي البسيط. وقال الممثل القانوني إن اللجوء إلى ذلك يكون وفق تعليمة يصدرها الوزير كهيئة. وواجه أحد المحامين الطرف المدني بمراسلة سلمت لقاضي التحقيق تبرر الرجوع إلى التراضي البسيط في مشروع غرمول حررها المتهم صنهاجي وتم بموجبها الاعتماد على مكتب الدراسات كاد لإنجاز مشروع تهيئة المقر، حيث أوضح الممثل القانوني أن هذه المراسلة كانت بناء على إرسالية من الوزير شكيب خليل الذي تبين أنه هو الآخر تلقى مراسلة من ديوان رئيس الحكومة آنذاك يطلب منه أن يضع تحت تصرفه استكمال المشروع في أقرب الآجال، وأقر الممثل القانوني في هذا الشأن أن هذه المراسلة فعلا من الوزير تكون إلزامية وغير قابلة للنقاش، ليحاول بعدها التراجع عن هذا الإقرار ويرتبك في إجابته. واستمرت هجومات الدفاع على الطرف المدني عبر وثائق رسمية حيث استظهر أحد المحامين وثيقة تحدد مسؤولية الشخص المخول لإلغاء المناقصة أو الموافقة عليها، فرد ممثل سوناطراك بأن هناك إرسالية وجهت إلى المدير العام في 8 أفريل 2004 يتم من خلالها منح تفويض للمتهم رحال آيت الحسين للموافقة أو إلغاء المناقصة حسب المادتين 55، 77. أما بشأن مشروع غرمول الذي تحصلت فيه المتهمة ملياني نورية صاحبة مكتب كاد للاستشارات على صفقة بالتراضي بقيمة 4.5 ملايير سنتيم، فكشف الدفاع عن وثيقة تظهر الفوارق في الأسعار المقدمة بين الشركة الإسبانية، ومكتب كاد بقيمة 39 038 بالمائة وقد أربكت ممثل الطرف المدني الذي وجد صعوبة في التفسير القانوني لهذه الصفقات في ظل وجود هذه الوثائق، لاسيما بعد أن استظهر محام آخر في تدخله قرارا صادرا عن المجلس الوزاري يتعلق بمشروع كاجي 3 يتضمن منح سوناطراك امتياز نقل بواسطة الأنابيب. وأوضح الممثل القانوني في هذا الشأن أنه تطبيقا للمادة 4 من المرسوم التنفيذي المؤرخ في نوفمبر 2007 يمنح حق الامتياز لسوناطراك للتصرف فيما يتعلق بمشروع نقل أنابيب الغاز الذي كانت تتولاه شركة سايبام لاسيما أن الجزء الثالث من المشروع عرف عراقيل عدة. وحاول الدفاع إبراز خطورة وتبعات تخلي سوناطراك عن هذا الجزء والإعلان عن مناقصة أخرى بعد أن فازت سايبام بالصفقة، لأن هذا الأمر يعرضها لدفع تعويضات وعقوبات مالية لإخلالها بالعقد وهو ما تحاشى ممثل الطرف المدني الرد عليه. هذا وعرفت الجلسة المسائية سماع الشهود الذين تم تقسيمهم حسب المجموعات المستجوبة مع إعطاء الأولوية لكبار السن.