اعتبرت صحيفة ''لوموند'' الفرنسية في عددها الصادر أمس أن باريس ''سعيدة'' بما حققته ''ثقافيا'' في الجزائر بعد قرن ونصف من الاحتلال، وذلك في ملف حول الروائيين والمثقفين الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية، حيث قالت إن فرنسا تركت بعد ''انسحابها'' إرثا لغويا كبيرا ممثلا في طبقة واسعة من المثقفين الفرانكوفونيين عايشوا سنوات الاستعمار واكتسبوا خلالها الثقافة واللغة الفرنسية التي صاروا بعد استقلال الجزائر؛ يكتبون بها ويتكلمونها رغم أن هؤلاء لم يتخرجوا من الجامعات الفرنسية العريقة على غرار ''السوربون''. وهنا اعتبرت ''لوموند'' في ملفها أن هذا الأمر ''يسعد'' فرنسا لأن استعمار الجزائر خلف آثارا ''إيجابية'' ممثلة في اللغة الفرنسية التي قال عنها الراحل كاتب ياسين إنها ''غنيمة حرب'' بينما وصفها مالك حداد قائلا ''الفرنسية منفاي''. وفي السياق ذاته، أوضحت ''لوموند'' أن دليل ''سعادة'' فرنسا بهذا ''الإنجاز'' يتمثل في قيامها في العديد من المناسبات والتظاهرات بتكريم الكتاب الجزائريين والعرب الذين يقيمون على أراضيها ويكتبون بلغتها على غرار الروائي اللبناني الشهير أمين معلوف وياسمينة خضرة الذي يكتب، كما يقول الفرنسيون، ب''روح فرنسية''. وتعتقد الصحيفة الفرنسية أن ''جاذبية'' لغة ''فولتير'' و''موليير'' سحرت العديد من الكتاب الجزائريين، حتى هؤلاء الذين يكتبون بالعربية، حيث ظهرت لاحقا ''موضة ازدواجية اللغة'' عند قطاع واسع منهم أمثال واسيني الأعرج وأمين الزاوي وآخرين يكتبون باللغتين، فيما يجتهد كتاب العربية في ترجمة أعمالهم إلى الفرنسية كمحاولة لاستقطاب القارئ الفرنسي. الأدب ''المفرنس'' بين الهوية والانتماء يعيد الملف الذي نشرته ''لوموند'' طرح العديد من الإشكاليات المتعلقة بهوية النصوص الأدبية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية، حيث جرت نقاشات عديدة في هذا الجانب كان آخرها خلال ملتقى نظمه المجلس الأعلى للغة العربية حول موضوع ''الرواية الجزائرية بين ضفتي المتوسط''، حيث اعتبر المشاركون أن اللغة الفرنسية كانت ''سلاحا مؤقتا'' استخدمته النخبة الجزائرية للدفاع عن القضية الوطنية، فيما تمسك قسم بطرح يؤكد أن ''الفرنسية أداة ووسيلة للتعبير عن واقع مجتمع بلغة أخرى، وما هي إلا وعاء لمكونات ثقافة الوطن، فاللغة في النص الروائي والقصصي ليست ركيزة مثل الفضاءات الزمنية والمكانية والشخوص، ورغم أن محمد ديب كتب رواية بالفرنسية، لكن كل ما يوجد فيها هي فضاءات وشخوص جزائرية خالصة تعبر عن ثقافة وانتماء الكاتب''. وفي ذات السياق، اعتبر الجانب الآخر من المتدخلين أن الكتابة بالفرنسية كانت مبررا قبل الاستقلال باعتبار أنها الوسيلة الوحيدة لإيصال الصوت الجزائري للآخر، خصوصا أن العربية كانت مهمشة ولغة التعليم كانت الفرنسية، موضحا أن هذا المبرر انتهى بعد الاستقلال ولا داعي لاستمرار بعض الكتاب بهذه اللغة التي تعبر عن هوية أخرى.هل ينسب الأدب إلى جنسية كاتبه .. أم إلى لغته؟ ..