لا فتوى في "شرعية" القروض الاستهلاكية والإجهاض.. أكثر من شهر تمرّ على مصادقة نواب البرلمان بغرفتيه على الدستور الجديد، الدستور الذي وعد محمد عيسى وزير الشؤون الدينية بأنّه سيوضّح معالم هيئة الافتاء في الجزائر، هل ستسمّى بمفتي الجمهورية أو مجمّع الافتاء، غير أنّ الحاضر يبيّن عكس ذلك، خصوصا أنّ الإشكال لا يزال قائما بخصوص إصدار فتوى تحلّل القرض الاستهلاكي أو تحرّمه، فما بالك بالقضايا الكبرى التي تحتاج فتاوى آنية كقضايا الإجهاض والفوائد الربوية، ليبقى الإشكال قائما حول العوائق التي تقف حجر عثرة أمام إقرار هيئة افتاء، حيث رأى بعضهم أنّ الجانب السياسي سيؤثّر كثيرا على تعيين مفتي الجمهورية، في حين رأى آخرين أنّ تعدد التيارات الدينية في الجزائر، من شأنه أن يشكّل عائقا في تشكيل هيئة افتاء، تتكفّل بإصدار فتاوى شرعية تخرج المواطن من اللبس الذي يقع فيه كل مرّة. لا تزال شريحة كبيرة من المجتمع الجزائري تنتظر فتاوى فيما يخص قضايا سبّبت لها إشكالا كبيرا، ومع قلّة المفتين أو انعدامهم، وفي ظل عدم وجود هيئة افتائية تابعة لوزارة الشؤون الدينية، يبقى المواطن في حيرة من أمره، وخير دليل على ذلك الإشكال الكبير الذي لا يزال قائما في قضية القروض الاستهلاكية، رغم تشكيل لجنة للفصل في الأمر، وفي مرات كثيرة خرج محمد عيسى للعلن يقول إنّ مفتي الجمهورية لم يبق له الكثير، وسيتم الإعلان عنه بعد التعديل الدستوري، غير أن الدستور تمّت المصادقة عليه وخرج في الجريدة الرسمية ولا شيء من هذا القبيل حدث. «القضايا السياسية" من العوائق التي تحول دون تعيين مفتي الجمهورية لعلّ من أكبر العوائق التي تحول دون تشكيل مفتي الجمهورية أو هيئة افتاء، القضايا السياسية خصوصا التي تتعلّق مباشرة بالمواطن. فمفتي الجمهورية حسب رئيس نقابة الأئمة جلول حجيمي، يجب أن يكون ذا كارزما سياسية، وشجاع وعليما بالشأن السياسي، لتجنيب البلاد الحركات التكفيرية. كما رأى حجيمي ضرورة أن يكون أقوى من رئيس الحكومة أو الوزير الأول في التصنيف، ليضمن أن يكون مستقلا عن آراء الحكومة في قضايا الفتوى. وقد يلاحظ بخصوص قضية مفتي الجمهورية، أن الحكومة تتخوّف كثيرا من القضايا السياسية الكبيرة، خصوصا المرتبطة بالانتخابات، فمفتي الجمهورية إن تمّ تعيينه، سيكون له تأثير كبير على المجتمع المدني، فمن شأن المفتي حسب حجيمي أن يعطي أوامر في قضايا السياسة، غير أنّ أمر المفتي حسب المتحدّث، من شأنه أن يحل قضايا سياسية كبيرة الدولة في حد ذاتها عاجزة عن حلّها، كقضية غرداية التي كادت تدخل البلاد في دوامة عنف، ليؤكّد في حديثه على ضرورة أن يكون مفتي الجمهورية هيئة دستورية مستقلّة لها كامل الصلاحيات. قسوم: إصدار مواقف تخالف سياسة الحكومة من أسباب التأخر قال رئيس جمعية العلماء المسلمين عبد الرزاق قسوم، إنّه لحد الآن لم يلتمس إجابات من الحكومة أو وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أي إجابة مقنعة حول تأجيل تكوين هيئة إفتاء أو تعيين مفتي جمهورية، ليعتبر أن الأمر قد يكون له مبرّر سياسي أكثر منه اجتماعيا أو دينيا ليقول "التحفّظ على إيجاد مجلس إفتاء يكمن في تخوّف الحكومة من إصدار المجلس مواقف تُناقض السياسة العامة للحكومة"، حيث تساءل في هذا السياق عن الأسباب الكامنة وراء هذا التأخر الكبير، خصوصا أن الكفاءات الدينية متوفّرة بالإضافة إلى الكفاءات الدينية والاجتماعية والفقهية، بل حتى الشخصيات التي يمكن أن تتولى منصب مفتي الجمهورية متوفّرة، يقول الشيخ قسوم. وتابع الشيخ حديثه بقوله إنّه يخشى أن يُرى للمواصفات السياسية قبل المواصفات الدينية والعلمية في إنشاء مجلس إفتاء، الذي بدوره يجب أن يحافظ على الثوابت الوطنية، ليردف بالقول إن الحكومة يجب أن تكون لها حصانة في نظامها وألا تستمع لأي احد وأن تستند إلى قول الدين، قائلا "عندما تصدر فتوى ذات طابع عام، يوقّع عليها الأعضاء والمفتي هو موقّع عن الله"، كما اعتبر قسوم أن إنشاء هيئة الفتوى، سيكون إنقاذا للجزائر من قضايا ذات بعد وطني. جمال غول: محمد عيسى أجهض مشروع المفتي بفكرة" لجنة وطنية للافتاء في كل ولاية" قال جمال غول رئيس المجلس الوطني المستقل لأئمة المساجد، إنّهم استنتجوا أنّ مشاريع الوزير محمد عيسى بقيت مجرد اقتراحات لم يتبنّها مجلس الحكومة، معتبرا أن مشاريع وزارة الشؤون الدينية تبقى مجرّد حبر على ورق، خصوصا فيما تعلّق بمجلس إفتاء أو ما يعرف بمفتي الجمهورية. وقال غول إن الوزير محمد عيسى أجهض فكرة مفتي الجمهورية في الخطوة الأولى من تجسيد الفكرة، حين أراد تحقيق تجربة لجنة وطنية للافتاء في كل ولاية، حيث وبعد جهود من قبل المديريات الجهوية وتقديم أسماء ممكن أن تكون في لجنة الإفتاء، رفض محمد عيسى هذه القوائم بمجرّد الإطلاع عليها، متحجّجا في ذلك بقوله إن الأسماء لم تقنعه وأنهم غير صالحين للافتاء، ليضيف غول أنهم اقترحوا أن يكون الإجماع على أئمة يتم اختيارهم بالتصويت النزيه والمستقل، وألا تكون الأسماء لرؤساء مصالح بالمديريات الدينية الولائية لا علاقة لهم بالافتاء، وهم الذين تمّ اختيارهم بمعيار الولاء والمحسوبية.