ولاة عاجزون عن تحريك عجلة التنمية، وإمبراطوريات سرقة رمال البحر تفرض نفوذها ولاية ساحلية تندب حظها في غياب هياكل الاستقبال
ضعف التنمية أو انعدامها أصبح الصورة الدائمة لغالبية البلديات الواقعة داخل حدود ولاية بومرداس في شتى المجالات. وبالرغم من احتجاجات المواطنين الدورية وإرسالهم عدة رسائل إلى المسؤولين مفادها التدخل لإيجاد حلول لمشاكل يراها الكثيرون بسيطة، إلا أن أغلب التحركات تذهب في مهب الريح، مما جعل المواطن البومرداسي يتساءل عن الأسباب التي شكلت أزمة التنمية في الولاية وعن صفات وأسماء الأشخاص المتورطين فيها، ومستقبل ولايتهم التي يطلق عليها اسم عاصمة الفكر والإبداع. ولاية بومرداس التي تستفيد من ميزانية لا يستهان بها مقارنة بعديد ولايات الوطن بالرغم من انطلاق عدة مشاريع بها، إلا أنها لا تسد حاجات المواطنين الذين يرون أن في عديدها تبذير للمال العام، فلا معنى ولا فائدة لها وأخرى تنطلق الأعمال بها دون دراسة جدية لما ستؤول إليه في المستقبل القريب، حيث تتلف وتصبح غير قابلة للاستعمال خاصة حين يتعلق الأمر بالطرق التي لا تعتبر الوحيدة التي تعاني نقصا فادحا فحتى بناء الأحياء الراقية والمجمعات ومراكز علاج ليلية ومستشفيات تسد حاجة المواطن دون توجيهه لأخرى، ناهيك عن عدة نقائص أخرى لا تعد ولا تحصى، وبالرغم من وجود بعض المشاريع المسجلة والتي تم تشييدها بجدارة واستحقاق إلا أنها تبقى جد ضئيلة لا تفي بالغرض.
نقص الإطارات في مجال البناء والأشغال العمومية سبب المعضلة
أرجع عديد رؤساء المجالس الشعبية البلدية بالولاية مشكل ضعف التنمية المحلية في بلدياتهم إلى نقص الإطارات المكونة في مجال البناء والأشغال العمومية لدرجة عدم تمكنهم من تحضير ورقة تقنية للمشاريع مما يتسبب في تأخر إطلاقها وإن انطلقت الإشغال بها تظهر عدت مشاكل مع المقاول الذي أسندت له المهام خاصة أن بعض المواد المدرجة ضمن الاتفاق غير متواجدة في السوق ويستحيل تغييرها حسب دفتر الشروط. أضف إلى ذلك تخصيص أظرفة مالية لا تتلاءم والمشاريع المدرجة فإما أن يكون المبلغ المالي المخصص أكبر مما يستحقه المشروع وإما أن يكون أقل بكثير لا يلبي احتياجاته ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى ترك المشروع من طرف المقاولين والذهاب دون رجعة. ومن أسباب الانحطاط المتواصل سوء المراقبة الجيدة لمستوى الإنجاز من طرف المكاتب التقنية التابعة للبلديات حيث لا يمكن مستوى الإطارات فيه متابعة نوعية وجودة المواد المستعملة أو الوسائل المخصصة لذلك مما يجرهم إلى إمضاء وثائق تدلي بانتهاء المشروع على أكمل وجه، وهو في الحقيقة إنجاز هش لن يدوم وقتا طويلا. هي أسباب يراها رؤساء بلديات بومرداس عائقا أ مام رفع من مستوى التنمية يتسبب فيها إطارات المصالح التقنية المكلفون بتحضير المشاريع ومتابعتها، حيث أكدوا إمكانية لجوئهم في المستقبل القريب إلى مكاتب دراسات خاصة إن سمح القانون بذلك قصد سد العجز الراهن في الوقت الذي يتم فيه تكوين التقنيين التابعين لمختلف البلديات في الولاية.
انسداد المجالس الشعبية البلدية سبب تجميد المشاريع وعدم متابعتها
أعضاء المجالس الشعبية البلدية في عدة بلديات عليهم تحمل ما آلت إليه أحياء وطرقات مدنهم لكونهم سبب ركودها وعدم تهيئتها لعدم مصادقتهم على الميزانية البلدية في عدة دورات للمجلس بسبب خلافات حزبية أو شخصية ضيقة سواء بين أفراد المجلس أو بين الأعضاء والرئيس، وتتمحور هذه الخلافات حول مواضيع لا ترقى حتى لذكرها أو الحديث عنها ما يؤكد وجود خلافات عميقة يرى المواطن فيها نقصا في الشفافية وشبهة في استغلال المشاريع الخاصة بكل بلدية ومحاولة الاستحواذ عليها من طرف أعضاء معينين بالمجلس ما يضطر آخرين إلى تكوين جماعات وتشكيل أغلبية مع عدم المصادقة على الميزانيات الدورية ينتج عنه توقف المشاريع وعدم بعثها في الميدان، ليبقى المواطن البسيط أكبر خاسر من هذه الخلافات التي فصل فيها القانون بمادة صريحة مسجلة تحت رقم 168 من قانون البلدية تنص على تدخل الوالي والمصادقة على الميزانية البلدية بسبب اختلال داخل المجلس الشعبي البلدي.
حتى براءة الأطفال الصغار لم تسلم من القضية
الأطفال الصغار الذين لا يزال اللعب والتسلية همهم الوحيد. تنعدم في جل البلديات مرافق مخصصة للعب من أجلهم، وبالرغم من أن هذه الأخيرة لا تتطلب مبالغ مالية ضخمة بل قد لا تفوت قيمة تشييدها 100 مليون سنتيم أو أقل إلا أنها تبقى غائبة، ليتوجه الأطفال بذلك إلى التجوال بين القمامات واللعب بأدوات خطيرة على صحتهم مقارنة بسنهم. التلاميذ القاطنون في المداشر وقمم الجبال يتكبدون عناء التنقل على الأقدام لعدة كيلومترات في بعض البلديات الأمر الذي وصفته بعض جمعيات المجتمع المدني "بالجريمة التي لا تغتفر".
مافيا المشاريع تتواطؤ مع الأميار والوالي يصدر عدة قرارات توقيف
قضايا فساد، تجاوزات قانونية، ومشاريع بالمعريفة هي تصرفات لها أثر سلبي على التنمية وعدم تطورها وتحضرها، حيث يتواطؤ "أميار" وأعضاء مجالس شعبية بلدية ومسؤولون إداريون مع مافيا المشاريع المتمثلين في مقاولين لا يملكون خبرة في الميدان، بل خبرتهم تنحصر في أخذ مشاريع بطرق ظاهرها قانوني وباطنها فاسد لا يظهر للعوام بالرغم من دراية المواطنين على مستوى كل بلدية بالتجاوزات وأطرافها. أما عن طرقها ووسائلها فهي مشاريع لا يتم إعلام جمهور المقاولين بها ولا يتم نشر وتعليق التواريخ الخاصة بها، لتنفرد جماعة صغيرة من مافيا المشاريع صانعة سيناريو مفاده أن جل المقاولين لهم علم بإطلاق المشاريع، لكن الدليل لمن يبحث عليه واضح متمثل في أن المشاريع المنهوبة يكون الظرف الأقل سعرا ليس ببعيد عن الظرف المخصص للمشروع وهو دليل على زيف المناقصة وعد شفافيتها، أو بتعبير آخر لم تكن هناك مناقصة. وحل مثل هذه القضايا حسب متتبعين يكون بالتحريات الأمنية التي تستعمل بذلك التنصتات الهاتفية وغيرها لإيجاد دليل بين المقاول والمسؤول لكون طرق الاستيلاء على المشاريع تكون دون ثغرات قانونية إلا في مواضع قليلة والذي بصددها أصدرت والي الولاية في الأشهر القليلة الماضية عدة متابعات قضائية بكل من خميس الخشنة، بومرداس، سوق الأحد، لقاطة، رأس جنات وزموري بقضايا فساد ضد أميار وأعضاء مجالس محلية.
مجال السياحة ضحية لمافيا الرمال والتوسع العمراني الفوضوي، أما العقار الصناعي فحدث ولا حرج!
مجال السياحة هو الآخر لم يسلم من التجاوزات وعدم التطبيق الصارم للقانون لصالحه، حيث يغتم ناهبو الرمال غياب الجهات الأمنية في عديد من الأحيان لنهب مئات الأطنان من الرمال أمام أعين الجميع دون أن يحركوا ساكنا، إلا المواطن البسيط الذي لا يملك سوى التقاط فيديوهات لعمليات النهب ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أما التوسع الفوضوي القصديري على حساب المناطق السياحية خاصة الساحلية منها فيعتبر أكبر مهزلة بالقطاع حيث تتمركز هذه التجاوزات انطلاقا من دلس، كاب جنات، زموري البحري وصولا إلى بومرداس. والغريب في الأمر هو وجود عدة عائلات من خارج تراب الولاية استولت على أملاك الدولة ببناء بيوت قصديرية دون أن توقفها لا السلطات المحلية ولا الولائية. أما العقار الصناعي فحدث ولا حرج، قضايا فساد بالجملة منها التي نشرت في وسائل الإعلام لضخامة التجاوزات فيها وصلت إلى بيع قطع أرضية بمبالغ رمزية، وتوزعت التجاوزات في ذات القطاع على عديد البلديات التابعة لولاية بومرداس، حيث تجد محاولات لاستحواذ مافيا العقار على قطعة أرضية مهما كانت نوعيتها وإن على حساب السياحة أو الفلاحة بتواطؤ مع مسؤولين.
طرق الولاية في حالة كارثية بالرغم من تخصيص مبالغ ضخمة
طرق بلا حفر واهتراءات، حلم كل مستعملي الطريق بولاية بومرداس بعد أن أضحت شبكة الطرق بذات الولاية هشة لا تشيد وفق دراسات معمقة ولا تلبي احتياجات المواطنين فلا يسلم أي طريق من التشققات التي أصبحت هاجسا أمام مالكي السيارات والحافلات وغيرها من المركبات التي تستوجب إصلاحا دوريا لمفاصلها فهي مركبات لم تصنع للسير في الأودية والغابات وإنما لتسير في طرق معبدة على أكمل وجه. والغريب أن الولاية تطلق مشاريع كل مرة، لمن يطلع على مخططاتها يرى له أنها ستحول الولاية إلى جنة فوق الأرض لكنها في الأصل غير ذلك لعدة عوامل. وأكبر مهزلة لشبكة الطرق هي توسعة الطريق الوطني رقم 24 الرابط بين بومرداس ومدخل بلدية رأس جنات في 15 كلم الذي أخذ من الوقت أربع سنوات ولم تكتمل الأشغال به لحد الساعة بالرغم من تأكيد مصادر غير رسمية أن المشروع تم تسجيله سنة 2009، والأغرب من ذلك هو الظرف المالي ب 200 مليار سنتيم ليصل في النهاية إلى1000 مليار سنتيم وهو دليل قاطع إما على ضعف الدراسات بالولاية أو أمور أخرى قد تكون غير شرعية.
المستوصفات أو المراكز الصحية الموزعة على عديد بلديات الولاية باتت غير كافية لعلاج المواطن في بومرداس. فخلال اليوم بالرغم من قدرات كل من مستشفى الثنية وبرج منايل على القيام بعدة فحوصات وحتى عمليات جراحة وإن كانت مستعجلة إلا أنها تبقى عاجزة أمام عديد الحالات فلا يمر يوم إلا وتم فيه إرسال المرضى نحو مستشفى تيزي وزو أو غيره من المستشفيات التي تسد عجز الأطباء أو انعدام آخرين متمكنين من بعض الحالات المرضية. أما ما يزعج المواطن ويؤرقه فهو الدوام الليلي الذي بات شبه منعدم في عديد المستوصفات الموزعة عبر بلديات الولاية، حيث يتكبد المواطنون تكاليف استئجار سيارات والتنقل على عدة كيلومترات للوصول إلى المستشفى الذي تنعدم فيه كل التخصصات ليلا لتبقى عائلة المريض تائهة أحيانا. والأشد من هذا هو بعض الأجهزة التي تسير بطرق بشعة وأقوى مثال جهاز السكانار الذي يعمل الأطباء فيه بدوام الساعتين أو ثلاث في اليوم فقط مما جعل المواطن يتساءل عما إذا كانت هذه المستشفيات تابعة للدولة أم خاصة تخضع لقوانين داخلية فقط. بالرغم من المشاكل المطروحة إلا أن بومرداس تبقى ولاية من أجمل ولايات الوطن، وتلك التصرفات المشبوهة من طرف أفراد معينين الذين يتسببون في كل مرة في ركودها وتأخر رقيها لا تنعكس على الولاية بل تنعكس على أصحابها الذين لم يشوهوا إلا أنفسهم، ويبقى المواطن الأصيل في عاصمة الفكر والإبداع يبذل قصارى جهده لتقديم صورة طيبة عن ولايته التي تقدم آلاف الإطارات الجامعية كل سنة، أضف إلى ذلك مناطقها السياحية الخلابة التي تسحر زائرها، فهي في الأخير ولاية تبقى كبيرة في أعين أبنائها.