احتفل العاصميون بيومي عيد الأضحى المبارك وسط امتزاج بين فرحة الأطفال ب«الذبيحة" واستغناء بعض العائلات عن عادة طهي الدوارة والبوزلوف.. فيما تحولت مختلف الشوارع والأحياء إلى مفرغة عمومية لمخلفات الأضحية التي ترمى بطريقة عشوائية.. بينما دفنت صلة الرحم في مقبرتي ال "الأس ا م أس" و«الفايسبوك".. في الوقت الذي انشغل فيه أرباب العائلات بالجري وراء الحصول على كيس حليب ورغيف خبز. سيناريو ندرة المواد الاستهلاكية يتكرر تكرر مشهد الجري وراء الحصول على كيس حليب ورغيف خبز خلال يومي عيد الأضحى المبارك، حيث وجد أرباب العائلات أنفسهم في حيرة بين الذبيحة والوقوف أمام طوابير في الساعات المبكرة قبيل صلاة العيد لأجل تحصيل رغيف خبز، هذه الندرة التي قال عنها بعض الذين التقينا بهم، أنها بدءا منذ يومين قبيل عيد الأضحى المبارك، ففي بلديات أولاد الشبل وبئر توتة وتسالة المرجى جنوب العاصمة، شهدت ندرة حادة لمادة الحليب منذ يوم الجمعة الفارط، حيث نفذ الحليب في الدقائق الأولى بعد توزيعه، ما أدى إلى نشوب شجارات مختلفة بين الزبائن تارة وبين الزبون وصاحب المحل تارة أخرى، بعد أن عمد بعض الأشخاص إلى شراء كميات معتبرة من الحليب بسبب نظام التوزيع والذي يضمن الحليب مرة في يومين في تلك البلديات، إلى جانب الندرة الكبيرة في الخضر والفواكه والتي أرجعها التجار إلى إقفال أسواق الجملة خلال عطلة العيد، حيث لم تفلح تهديدات وزارة التجارة بمعاقبة التجار المناوبين في الحد من الظاهرة التي أرهقت كاهل العائلات الجزائرية.
الرمي العشوائي لمخلفات الذبيحة يشوه وجه العاصمة شهدت العديد من الأحياء والمناطق بالعاصمة حالة مزرية لما عرفته من رمي عشوائي للقمامة التي أصبح الوقوف بجانبها من المستحيلات من تراكم الفضلات والرائحة المنبعثة منها، ما جعل المواطن متذمرا من الوضعية التي آلت إليها الأحياء وعدم رفع هذه الفضلات من عمال نات كوم، في الوقت الذي بلغت حالة الاستياء ذروتها لدى عمال النظافة جراء الرمي العشوائي لفضلات الأضاحي في كل مكان، محملين العائلات الفوضى التي عرفتها شوارع العاصمة بسبب الرمي العشوائي للفضلات وعدم وضعها في أكياس خاصة برمي القمامة، حيث غرقت أحياء العاصمة وضواحيها خلال عيد الأضحى المبارك في القمامة والأوساخ، نتيجة تراكم مخلفات الأضاحي، وهو ما أكدته الجولة التي قادتنا الى العديد من المناطق خلال ثاني أيام العيد والتي وقفنا من خلالها على سيناريو انتشار الفضلات والأوساخ المتناثرة هنا وهناك أمام مكان رمي الفضلات وفوق الأرصفة المخصصة للمارة وعلى جوانب الطرقات وفي كل مكان، ناهيك عن "الهيدورة" التي أحدثت حالة فوضى كبيرة بالأحياء نتيجة إقدام بعض العائلات على رميها بصفة عشوائية في الشوارع، إلى جانب رمي "الدوارة والبوزلوف" من طرف بعض العائلات التي تقطن في الأحياء الراقية بحيدرة والسعيد حمدين، وعدم طهيها بالرغم من أنها من الأكلات المفضلة لدى الجزائريين منذ القدم أما "الهيدورة" فبعد أن كانت تستعمل للزينة أصبحت ترمى في الشارع، في الوقت الذي قررت فيه بعض العائلات بيعها للموالين وبائعي الصوف. ولم تسلم بلدية حسين داي من جهتها من الظاهرة، حيث وقفنا في جولتنا على أكياس نفايات ضخمة وعدد كبير من صوف الكباش وبعض أعضائها على غرار "البوزلوف"و"الأمعاء" مرمية على أطراف الشوارع، في انتظار إزالتها من طرف عمال مؤسسة النظافة "نات كوم"، حيث أثار هذا التراكم الرهيب للفضلات، استياء السكان الذين لم يتمكنوا من التجوال بكل أريحية في الشوارع. وتساءل العديد من المواطنين عن دور شركات النظافة في مثل هذه المناسبات الهامة في السهر على نظافة الأحياء والشوارع محمليهم مسؤولية هذه الحالة المزرية التي آلت إليها الشوارع خلال عيد الأضحى، وتأخر مرور أعوان النظافة لليوم الثاني من عيد الأضحى في العديد من بلديات العاصمة أنقذه تطوع الشباب في بعض الأحياء لتنظيف أحيائهم، وفي صور تضامنية بمناسبة عيد الأضحى المبارك، حيث هبّ العشرات من شباب أحياء بعض بلديات العاصمة في حملات تطوعية لتنظيف الأحياء من مخلفات عمليات النحر، لاسيما التي تمت فيها عمليات ذبح الأضاحي جماعيا بين الجيران بالشوارع والساحات العمومية.
"ناتكوم" تحمل المواطنين مسؤولية غرق العاصمة في مخلفات الأضحية وخلال الجولة التي قادتنا إلى شوارع العاصمة في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك التقينا بعمال النظافة في أحد أحياء بلدية حسين داي الذين وجدناهم في حالة من التذمر والاستياء بسبب الرمي العشوائي من طرف المواطنين لفضلات الكباش ومن الأعضاء التي لا يحتاجونها ومن أمعاء، ما صعّب من مهمتهم خلال العيد، موضحين أنه يجب أن يكون هناك تعاون معهم من طرف المواطن عند رمي هذه الأوساخ من أجل تسهيل المهمة من جهة ومن أجل إبقاء الحي نظيفا وجميلا. وفي وقت تحولت فيه العديد من شوارع العاصمة إلى مزابل مفتوحة بسبب مخلفات الذبح، وكذا بالأماكن التي عرفت تواجد الكباش خلال الأيام التي سبقت عيد الأضحى المبارك، وقلل من حجم هذه الفضلات تطوع العديد من شباب أحياء العاصمة في حملات لتنظيف أحيائهم من بقايا عمليات ذبح الأضاحي، خاصة بالساحات التي عرفت عمليات النحر، في وقت تأخر فيه مرور أعوان النظافة إلى اليوم الثاني من العيد، في عدد من البلديات. 3000 دينار مقابل "تقطيع الكبش" وطوابير أمام الجزارين تحولت العديد من أحياء العاصمة إلى مذابح جماعية، حيث لم يفوت بعض الجزارين أو كل من يعرف أصول الذبح فرصة الربح، فبعد أن كان الجميع يتعاونون على ذبح كباش كل الجيران، صار كل واحد يذبح كبشا أو إثنين، ومن لا يعرف فعليه جلب جزار حسب ما أكده بعض المواطنين مقابل مبلغ مالي معتبر. ومن جهة أخرى، شهدت بعض الأحياء العاصمية طوابير أمام محلات الجزارين في ثاني أيام العيد بغرض تقطيع كبش العيد بعد ما أخذوا موعدا مسبقا، تقول غنية: "زوجي لا يعرف كيف يذبح ولا حتى كيف يقطع الكبش، لذا أفضل جلب من يحترف ذلك"، حيث عرف جزارو حي الشعايبية ببلدية أولاد الشبل بالعاصمة طوابير طويلة أمام الجزارين الذين فتحوا محلاتهم في الصباح الباكر أمام الزبائن الذين اخذوا موعدا مسبقا مع الجزارين مقابل تقطيع الكبش. وحسب أحد الجزارين، فإن مبلغ تقطيع اللحم يكون حسب حجم الكبش ونوعية الزبون، فمثلا الكبش المقتنى ثلاثون وأربعون ألف دينار جزائري، ليس كثمن الأضحية التي بلغ سعرها 50 أو 60 ألف دينار جزائري، ويتراوح ثمن التقطيع حسب الجزار بين الثلاثة إلى خمسة آلاف دينار جزائري، كما يراعي الجزار حسبه نوعية الزبون فسعر "تقطيع الكبش للزوالي" ليس كتقطيعه للزبون الغني وبعد أن كانت الأسرة تجتمع حول كبش العيد في جو عائلي حميمي لتقطيع الأضحية والتصدق وتشويط البوزلوف وغسل الدوراة، تراجعت هذه المظاهر بشكل كبير ليحول الكبش إلى الجزار بينما تلجأ بعض النسوة إلى الاستعانة بالخادمات لغسل الدوراة مقابل مبلغ مالي فيما تقوم عائلات أخرى برميها لتقضي على نكهة العيد. عائلات ترفض التصدق بثلث الكبش وأخرى تشتري أجهزة الكترونية بدل الأضحية! ظاهرة غريبة طفت على بعض العائلات العاصمية، وغيبت قيمة أجر الأضحية والنحر، حيث انتشرت عادة تغير بعض الأجهزة الالكترونية أو الأثاث بالمنزل بدل شراء الأضحية، نظرا لغلائها ونظرا لانتشار فكرة شراء شيء ملموس تنتفع منه العائلة أفضل من دفع 60 ألف دينار جزائري في أضحية تصدق وتهدي ثلثيها، وهنا أكد الدكتور يوسف بلمهدي في اتصال مع "البلاد": "أن المسلم إنّما يفعل ذلك طلبا للأجر والثواب وسعيًا وراء الرضى والظفر بالآخرة والفوز بالجنة، وأنه إذا ضحى كان قد فعل أعظم عمل صالح في يوم النحر (يوم العيد)، ففي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْر، أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا"، رواه الترمذي. من جهة ثانية هناك ظاهرة غريبة دخلت مجتمعنا المسلم ، وهي ما تبين خلال الاستطلاع الذي قمنا به في مختلف أحياء العاصمة بخصوص طريقة التصدق بالأضحية ، وكانت بعض الإجابات صادمة مثل إحدى السيدات التي قالت" الصدفة تجوز في أولادي " كيف اشتري أضحية بمبلغ 55 ألف دينار جزائري " ومايصحلي والوا منها"، فيما كان تصريح غالبيتهم أن كل شيء تغير في مجتمعنا الجزائري وحتى صدقة العيد بسبب غلاء المعيشة وعدم استطاعة جل العائلات الجزائرية اقتناء اللحم باقي الأشهر. وفي هذا الشق، أكد الدكتور يوسف بلمهدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، كسوت عورته أو أشبعت جوعته أو قضيت حاجته" وقال "كلوا وأطعموا وادخروا"، لذا قال العلماء من الأفضل أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث، وهو بهذا استفاد وأفاد وانتفع ونفع. صلة الرحم تُقبر بين "الأس أم أس" والفايسبوك من المظاهر التي اعتاد العاصميون عليها هي التغافر والتهاني بالعيد عن طريق الرسائل الهاتفية والمواقع الالكترونية، بدل زيارة الأقارب في منازلهم ما أثر سلبا على صلة الرحم، تقول خالتي "فاطمة" في القدم كان الصغير يزور الكبير في العائلة لأجل تهنئته بالعيد وتكبير شأنه، وطمعا في الأجر، إلا أن نكهة العيد اختفت في وقتنا الحالي بسبب الرسائل الهاتفية والمواقع الالكترونية فالكل يتغافر ويتراحم عن طريق الهاتف والفايسبوك إلا من رحم ربي، وهنا أجاب الدكتور يوسف بلمهدي أن التهنئة بالعيد سنة. أما طرق الصلة وسبلها فمتروكة إلى التيسير دون عنت أو حرج، فالزيارة الممكنة أفضل والتنقل إلى الأهل إذا كان متاحا هو خير وأبقى، فإن لم يتح ذلك فبأي طريقة تدخل السرور وتوطد العلائق وتزيد المودة كالرسالة والهاتف وغيرها من الوسائط المتاحة اليوم مادام يحقق الغرض والمقصد الشرعي، المهم أن لا نترك التواصل وسقي شجرة الرحم ولو بنظام التقطير كما يقال.