وجّهت قوات الجيش الوطني الشعبي، خلال سنة 2016 ضربات موجعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من خلال تحييد مئات الإرهابيين، في مواقع ظلت توصف بالمعاقل التقليدية للإرهاب. وتمكنت الوحدات العسكرية من إجهاض عدّة مخططات لعمليات استعراضية تستهدف مراكز أمنية ومنشآت حيوية وتفكيك عشرات خلايا الدعم والإسناد بعضها تبيّن أن له صلات بتنظيم "داعش" الدولي. وكشف تقرير عسكري نشرته وزارة الدفاع الوطني على موقعها الإلكتروني انحسارا لافتا للنشاط الإرهابي خلال سنة 2016 وتراجع الاعتداءات الدموية في المعاقل الرئيسية والتقليدية للإرهاب، بينما وسّعت قيادة أركان الجيش حجم عملياتها لتشمل مناطق وممرات سرّية كانت تشكل حلقة التواصل مع بقايا العناصر الناشطة في الجبال وعمق الصحراء. وبلغة الأرقام، تمكنت قوات الجيش خلال سنة 2016 من القضاء على 125 إرهابيا، في حين تم توقيف 226 آخرين. كما تم خلال نفس الفترة استرجاع كمية معتبرة من الأسلحة الحربية والذخائر تتمثل على وجه الخصوص في 17 صاروخا 57 ملم للحوامات و24 حشوة دافعة لقاذف الصواريخ RPG-7 و24 صاروخا تقليدي الصنع و24470 خرطوشة لبندقية الصيد و735 كلغ مواد متفجرة و57 صاعقا، إلى جانب 10 أحزمة ناسفة و100 حقنة جاهزة للتفجير و1244 مخزن ذخيرة. كما تم حجز 668 بندقيات كلاشنيكوف و48 بندقيات رشاشة FMPK و82 بندقيات صيد و26 بندقيات مضخية و64 بندقية نصف آلية سيمينوف و297 قنبلة. وفي إطار عمليات تأمين الحدود من الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، فقد تمكن الجيش الوطني الشعبي من توقيف 2615 مهربا و6103 مهاجرين غير شرعيين و414 تاجر مخدرات مع حجز 951 110 كلغ من الكيف المعالج و2556 كلغ من مواد كيماوية لصناعة المتفجرات و827 839 1 لترا من الوقود. كما تم حجز خلال نفس الفترة 447 سيارة رباعية الدفع و258 شاحنة و340 سيارة و112 دراجة نارية، إلى جانب 52 منظارا و2 أجهزة GPS و63 وسيلة اتصال و1032 أجهزة الكشف عن المعادن. وفي نفس العدد من المجلة، أشارت حصيلة أخرى إلى نزع 096 852 8 لغما تعود إلى الحقبة الاستعمارية وذلك منذ سنة 1963 منها أزيد من 7 ملايين لغم من 1963 إلى 1988 وحوالي 1 مليون لغم من 2004 إلى 2016. تصفية الركائز في منطقة القبائل ويذكر الجيش في بعض عملياته التي تضمنتها الحصيلة أن النتائج الإيجابية التي حققها تزيده إصرارا على "مواصلة مطاردة المجموعات الإرهابية والقضاء عليها أينما كانت عبر التراب الوطني". وتحمل العمليات العسكرية التي قادها الجيش ضد معاقل تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" خاصة في منطقة الوسط ومنطقة القبائل، مؤشرات على نهاية وشيكة للجماعة المسلحة التي ظلت لسنوات رقماً أساسياً في المعادلة الأمنية، بالمنطقتين المغاربية والعابرة للساحل. والملاحظ على نشاط مكافحة الإرهاب أن بعض الجيوب التي كان يعتقد أن الجيش وقوات الأمن سيطروا عليها، عادت إلى زرع الرعب مثلما هو الحال في ولاية باتنة التي تم فيها القضاء على عدة إرهابيين.. ويرى مراقبون وخبراء في الشأن العسكري بخصوص التطورات الأمنية لسنة 2016 "ليس هناك شك في أن الجيش وجّه ضربة قاصمة للإرهابيين، بتحييد مئات الإرهابيين، وليس هناك شك في أن القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بصدد لفظ أنفاسها الأخيرة، لكن يبقى دائما الحذر مطلوبا خشية رد فعل ما بقي من إرهابيين، إذ يمكن أن نشهد أعمالاً انتقامية ضد السكان المدنيين سواء في القرى والمداشر أو وسط المدن، لذلك يبقى النشاط الاستعلاماتي حول الخلايا النائمة أكثر من مطلوب". وتفيد مراجع أمنية رفيعة المستوى بأن وحدات الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن تمكنت من رفع حصيلة مكافحة الإرهاب، حيث سمحت الخطة الأمنية المطبقة خلال السنة الجارية من تنفيذ عمليات نوعية نجحت في القضاء على قيادات بارزة في التنظيمات المسلحة التي ما تزال تنشط في مناطق متفرقة ومعزولة من الوطن. وأكدت وزارة الدفاع الوطني أن هذه الوتيرة "تتلاءم مع حجم التحديات التي تواجهها (الجزائر) في ظل الظروف الدولية والإقليمية غير الآمنة وغير المستقرة". وتابعت بأنه "ما كان لهذه الوتيرة أن تتأتى دون عمل مستمر ومثابر ورؤية عقلانية بعيدة النظر ومتابعة ميدانية متواصلة وحثيثة وإعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر، مثلما أكده نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي, الفريق أحمد قايد صالح". وأفاد مصدر مسؤول من قيادة الجيش الوطني الشعبي "واصل خلال سنة 2016 بكل عزيمة وإصرار مكافحة عصابات الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية من خلال تبنيه استراتيجية أمنية فعالة لمراقبة حدود الوطن وحمايتها والوقوف سدا منيعا ضد أي عمل إجرامي يهدد أمن واستقرار البلاد". وإلى جانب استثماره في العنصر البشري، عزز الجيش الوطني الشعبي قدراته القتالية بعتاد متطور وفعال، حيث تدعم هذه السنة بالعديد من الوسائل البحرية والجوية المزودة بأحدث التكنولوجيات في المجال العسكري التي ستساهم بقوة في الرفع من جاهزية قواتنا المسلحة". كما تواصلت خلال سنة 2016 "جهود ترقية قدرات الصناعات العسكرية بما يلبي احتياجات قواتنا المسلحة". يقظة قصوى أربكت الإرهابيين على الحدود وفي السياق ذاته، تُخضع قوات الجيش والحرس الوطني، المنافذ الحدودية لسيطرة محكمة، بما يقطع الطريق أمام أي محاولات تسلّل مسلحين أو عناصر، على صلة بتنظيمات "أنصار الشريعة" في ليبيا، أو "كتيبة عقبة بن نافع" في تونس، أو تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، في إطار محاولاتهم تشكيل صلة وصل مع جماعة "جند الخلافة" في الجزائر التي قضت قوات الجيش على ركائزها ولم يعد يظهر لها أي نشاط. وتأتي هذه الإجراءات لمنع تكرار تجربة تنظيم "الجماعة السلفيّة للدعوة والقتال"، الذي كان على تواصل مع تنظيم "القاعدة"، عبر شخص يمني تمكّن من دخول البلاد، وهو ما سمح للتنظيم بمبايعة القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، والتحوّل إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتبنّي نهج التفجيرات الانتحاريّة التي شهدتها الجزائر. ويبدو أنّ السياق الذي أتاح لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إعادة تفعيل النشاط الإرهابي، ليس هو نفسه المتوفّر أمام تنظيم "جند الخلافة"، إذ أتاح قانون المصالحة الوطنيّة في الجزائر، للمئات من الإرهابيين النزول من الجبال ووضع السلاح. كما سمح للمئات من عناصر شبكات دعم وتمويل الإرهاب بتسليم أنفسهم للاستفادة من تدابير العفو التي يقرّها القانون. كذلك، فإنّه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الظروف الداخلية المتسمة بحسّ مدني متحفّز إزاء أيّ تطوّرات قد تعيد البلاد إلى مسلسل العنف والإرهاب، والأحكام الأمنيّة المشدّدة، نتيجة التجربة التي استخلصتها قوات الأمن والجيش في مكافحة الإرهاب وتكتيكات المجموعات الإرهابية، لم تترك لتنظيم جند الخلافة أيّ منفذ باتجاه التحوّل إلى تحد أمني حقيقي، ليبقى الإعلان عن وجود التنظيم أشبه بمراهقة تنظيم إرهابي مثلما أبرزته الحصيلة الأمنية في مكافحة الإرهاب خلال سنة 2016. ولا تزال قوات الأمن تسجل انتصارات كبيرة ضد العناصر المسلحة حيث تمكنت قوات الجيش مؤخرا من القضاء على عدّة إرهابيين في كمائن متفرقة، ويتزامن ذلك مع الإعلان عن تسليم عدد من العناصر الإرهابية أنفسهم بولاية بومرداس والحديث عن استعداد العشرات من المسلحين لتسليم أنفسهم بعد دخولهم في اتصالات مع السلطات الأمنية، وكان عدد من العناصر الإرهابية التائبة قد وجهوا نداء في المدة الأخيرة إلى المسلحين دعوهم فيه إلى التخلي عن النشاط المسلح والاستفادة من تدابير نصوص ميثاق السلم والمصالحة الوطنية مثلما سجلته الناحية العسكرية الخامسة بقسنطينة. شبكات دولية لتهريب السلاح في قبضة الجيش ضاعفت قوات الجيش المشتركة من نشاطها خلال سنة 2016 على محور الحدود الجنوبية والشرقية التي صارت تشكل مصدر قلق أمني متزايد، ليس فقط بسبب تدهور الوضع الأمني في دول الجوار، وإنما جراء تطور لافت في نشاط شبكات الجريمة المنظمة وانتشار تجارة السلاح بشكل غير مسبوق وهو ما يكشفه عدد الموقوفين من الإرهابيين والمهربين من مختلف الجنسيات وحصيلة المحجوزات المصادرة للأسلحة الثقيلة التي باتت في أيدي تلك الشبكات التي تحاول تحويل الجزائر إلى بؤرة للنشاط الإرهابي من جهة ومنطقة عبور بالنسبة لعصابات الهجرة السرية باتجاه أوربا من جهة ثانية. واللافت من خلال قراءة سريعة في البيانات المقتضبة لوزارة الدفاع الوطني أن كل العمليات النوعية جاءت في سياق نصب كمائن محكمة للوحدات العسكرية وانتهت بإجهاض عدّه مخططات تجري التحقيقات حول تفاصيلها مع الموقوفين من الإرهابين وعصابات تهريب الأسلحة وشبكات الهجرة غير الشرعية في عدّة مناطق حدودية في الجنوب، وهو ترجمة فعلية لفعّالية العمل الاستخباراتي في مواقع شاسعة جغرافيا، لا تكفي الإمكانات والتجهيزات المادية وحدها للسيطرة عليها. وتكشف الحصائل عن توجه جديد لوحدات الجيش الوطني الشعبي نحو الفعل الاستباقي في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتهريب بشكل عام من خلال "الحملات الوقائية" الجارية. وتظهر "كثافة" العمليات المركّزة في ظرف وجيز أن قوات الجيش تكون قد أعدّت العدّة والعتاد ودرست مسبقا التوقيت الذي تتحينه شبكات الجريمة المنظمة من خلال تكثيف التواجد الأمني عبر الشريط الحدودي، بتعزيزات من وحدات الأمن المشتركة والخاضعة لقيادة الجيش الوطني الشعبي، مما سهّل إحباط تسلل جماعات إرهابية وعصابات التهريب. ومع تزايد عدد المهربين الذين سقطوا في يد الجيش، حسب الحصيلة السنوية لوزارة الدفاع، أكدت العمليات العسكرية الجارية التي أطلقت بأمر من نائب وزير الدفاع الوطني أنها حققت نتائج ميدانية مهمة في جبهتين على الأقل على الحدود مع النيجر التي باتت متنفسا لمهربي السلاح إلى ليبيا، وعلى جبهة الحدود المالية والموريتانية التي يتحرك عبرها المهربون المرتبطون بإقليم أزواد. ويرى متتبعون أن النتائج الكبيرة المحققة على جبهة مكافحة التهريب، في أكثر من مكان بمسالك التهريب في الجنوب، تأتي في إطار عملية عسكرية تم التحضير لها منذ بداية العام الجاري، عن طريق عمليات واسعة لجمع المعلومات حول شبكات التهريب، ويشارك فيها آلاف العسكريين والقوات الأمنية المشتكة لملاحقة جماعات التهريب التي تنشط في الصحراء. وتشمل العمليات ثلاث مناطق صحراوية كبرى، تمتد الأولى في المنطقة الغربية في العرق الغربي الكبير وعرق الشباشب، على الشريط الحدودي مع دولة مالي، أما المنطقة الثانية، فهي الشريط الحدودي مع النيجر، أما المنطقة الثالثة، وهي الأكثر نشاطا، فتشمل الشريطين الحدوديين مع النيجر ومع ليبيا. وتنفذ العملية، التي أسفرت عن اعتقال عشرات المشتبه فيهم بممارسة التهريب، باستعمال طائرات مروحية وطائرات استطلاع حديثة وقوات برية وجوية، كما تشمل مسحا جويا للشريط الصحراوي الحدودي مع دول الجوار، وعمليات تمشيط للمسالك الصحراوية بقوات كبيرة.