تقول الأسطورة العربية القديمة أن امرأة تدعى زرقاء اليمامة كانت تُبصر من مسافات بعيدة، وأن أعداء قبيلتها كانوا يتنكرون خلف الأشجار قبل غزوهم حتى لا تراهم وتحذّر قومها من قدومهم قبل وصولهم بأيام..لقد كانوا يفعلون ذلك لأنهم أعداء ، لكن الأمر كان سيكون مختلفا طبعا لو أنهم كانوا مؤسسات اقتصادية تعرض منتوجاتها وخدماتها على قبيلة زرقاء اليمامة ، كانوا سيحرصون في هذه الحالة على الظهور بشكل أفضل وأوضح أمام الأسطورة التي ترى الأشياء من بعيد حتى تخبر قومها عنهم ، ليكونوا زبائن لمنتجاتهم وخدماتهم.. زرقاء اليمامة لم تعد موجودة اليوم لكن ..بفضل الإنترنت ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، والإمكانيات التي توفرها الهواتف الذكية ، أصبح بإمكان الناس أن يروا من مسافات بعيدة، لم يبقوا بحاجة إلى أن يزوروا متجرك أو مكتبك أو شركتك ليسألوا عن الخدمات و المنتجات التي تقدمها و عن جودتها وأسعارها، إنهم يعرفون ذلك وأشياء أخرى كثيرة من مسافة بعيدة جدا عنك ، عبر هواتفهم وحواسيبهم ، و من خلال مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي ، بل إنهم يعرفون مواقع المتاجر والمحلات والمكاتب والشركات بدقّة غير مسبوقة ومن مسافات شاسعة عبر خرائط غوغل ، وإذا لم تكن موجودا في مجال رؤية المستهلكين ، فإنهم سيختارون متجرا أو مؤسسة أخرى ، ليس لأن جودة خدماتك أو منتجاتك لا تقنعهم، لكن ببساطة لأنهم لا يرونك..هذا ما يحدث عندما لا يكون لمؤسستك موقع إلكتروني على الإنترنت ، ومنصّة متكاملة على مواقع التواصل الاجتماعي ، بالإضافة إلى إمكانية متابعة موقعك على الهواتف المحمولة ، أي توفّر الموقع على نسخة خاصة للتصفّح على الهاتف و ظهور جيّد على خرائط غوغل كذلك.
لديك موقع على الإنترنت..إذن أنت موجود !
في هذا العصر ، الذي أصبح بامتياز عصر الاقتصاد الرقمي ، يعتبر التواجد على الإنترنت بالنسبة لأي مؤسسة اقتصادية مهما كان حجمها أو مجال نشاطها بمثابة الحدّ الأدنى اللازم والضروري من الإعلان عن وجودها فضلا عن التعريف بمنتوجاتها أو الخدمات التي تقدّمها لزبائنها المحتملين ، فالمواقع الإلكترونية اليوم أصبحت تلعب دور اللافتات واللوحات التي تعلّق على واجهة المؤسسة أو المتجر أو المكتب، وإذا كان بإمكان أي مؤسسة أن تستغني عن اللافتة التي تعلن عن وجودها ففي هذه الحالة فقط يمكنها أن تستغني عن التواجد على الإنترنت في عصر التواجد على الإنترنت والاقتصاد الرقمي. ومع ذلك لا تتجاوز نسبة المؤسسات الاقتصادية المتواجدة على الإنترنت في الجزائر ال 50 بالمئة ، وهي نسبة ضعيفة أمام أرقام وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال عن مستعملي الإنترنت في الجزائر ، حيث وصل عدد مشتركي الإنترنت الكلاسيكية إلى 1.885.405 مشتركا ، في حين بلغ مشتركو شبكة الجيل الثالث التي تشمل تصفّح الإنترنت عبر الهواتف الذكية 18.021.881 مشتركا.
"التواصل" الاجتماعي..أكثر من مجرد نشر للإعلانات !
في البداية كان الحصول على موقع إلكتروني ضروريا بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية، لكن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تسيطر على النسبة الأكبر من وقت مستخدمي الانترنت، أصبحت الضرورة هي أن يكون لها منصة على هذه المواقع أيضا . آخر الأرقام حول مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر تبيّن حجم هذه السوق التي كثيرا ما تغفل المؤسسات الجزائرية عن دورها ، فمستخدمو موقع فايسبوك الذي يحتلّ المرتبة الخامسة ضمن أكثر المواقع التي يتصفحها الجزائريون يقدر ب 18 مليون مستخدما لفايسبوك وحده ( نوفمبر 2016 ) ،مقابل 600 ألف مستخدما لتويتر ، 700 ألف للينكداين ، و400 ألف على إنستاغرام ، الأرقام تبيّن كذلك أن 80 بالمئة من مستخدمي مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي يستعملون الهواتف الذكية، مقابل 14 بالمئة فقط يستخدمونها عبر الحواسيب المحمولة والمكتبية. صفحات التواصل الاجتماعي تحتوي على ميزة تجعلها مختلفة عن المواقع العادية ، فهذه المواقع توفّر لمستخدميها إمكانية "التفاعل" ، والتي تجعل الزبائن المحتملين للمؤسسات الاقتصادية أكثر من مجرد متلقّي لإعلاناتها التجارية ، الزبون الجديد ، في العصر الجديد ، يأخذ ويعطي ، يسأل وينتظر الإجابة ، ويعبّر عن رأيه في ما تقدّمه له بشكل فوري ، وعلى أي مؤسسة اقتصادية أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار ، لأن صفحات التواصل الاجتماعي التي لا تتفاعل مع متابعيها لا تعتبر صفحات "تواصل" اجتماعي.
"الهاتف الذكي"..شيئ مختلف عن 3310 !
عندما أصبحت الهواتف ذكية ، وصار الناس يستخدمونها لتصفّح الانترنت، ستقتضي الضرورة مرة أخرى ، وكتحصيل حاصل ، أن يكون لموقعك الإلكتروني نسخة خاصة بأجهزة الهواتف الذكية ، وإذا اخترت أن تكون الاستثناء فستكون مرة أخرى في منطقة الظل التي لا يراها المستهلكون ، تماما كما لو كانت مؤسستك بلا لافتة وبلا عنوان. والأرقام السابقة تبيّن بوضوح حجم الحصّة التي تستحوذ عليها الهواتف الذكية على تصفّح الانترنت في الجزائر ، فعدد مشتركي شبكة الجيل الثالث الذي يعبّر أيضا عن نسبة استخدام الهواتف الذكية لتصفح الإنترنت ( أكثر من 18 مليون مشتركا )، يفوق عدد مشتركي شبكة الانترنت الكلاسيكية ( حوالي 1.8 مليون مشتركا ) ب10 مرات ، ما يعني أن نسبة جدّ كبيرة من زبائنك المحتملين قد لا يرونك بشكل جيّد إذا لم يكُن موقع مؤسستك متوفرا للتصفّح على الهاتف ، و المؤسسات التي لا تنشئ نسخا خاصة بالهواتف الذكية لمواقعها ، لا تزال تعيش في عصر 3310 ، ذلك الهاتف الذي يقتصر استخدامه على إجراء المكالمات و إرسال الرسائل القصيرة و الترويح عن النفس بلعبة الثعبان.
خرائط غوغل..الزبائن يرون من بعيد !
في بداية انتشارها قبل سنوات قليلة (2005) ، كان مستخدمو خرائط غوغل يستعملونها ليشاهدوا كيف تبدو أسطح منازلهم من السماء ، لكنها أصبحت اليوم مرجعا "هائلا" للبحث عن مواقع المتاجر والأسواق والمحلات و المؤسسات على اختلاف مجالات نشاطها ، وهي توفّر خيارات عديدة يمكن أن تعتمد عليها المؤسسات الاقتصادية لتكون في مجال رؤية زبائنها المحتملين ، الذين أصبح بإمكانهم بفضل هذه الخرائط المفصّلة أن يعرفوا مكان ما يبحثون عنه ومعلومات الاتصال به وأشياء أخرى ، وكل ذلك يتمّ من مسافة بعيدة.. من مسافة بعيدة ، يمكن أن يراك زبائنك في عصر الاقتصاد الرقمي، ويمكن أن لا يروك ، الأمر يرجع إلى مدى استغلالك لميزة زبون العصر الجديد، وإلى مدى استيعابك لمدى اختلافه عن زبائن عصر 3310 .