البروفيسور مصطفى خياطي: "تجنبوا أكل الكاشير لأنه مادة قاتلة في الصيف" لا تزال التسممات الغذائية تتربع على المشهد العام في فصل الصيف، خاصة مع اشتداد الحرارة التي تتحول إلى هاجس يهدد صحة المواطنين وتتحول فرحة العطلة الصيفية إلى نكسة وإصابات خطيرة تحملها أرقاما مخيفة لعدد ضحايا التسممات نتيجة تناولهم مواد فاسدة خاصة في الأعراس وفي الشواطئ ومحلات الأكل الخفيف "فاست فود". روبرتاج: هدى.ح
بالرغم من حملات التوعية والملصقات التي تنظمها مديرية الوقاية التابعة لوزارة الصحة في مختلف المساحات والشوارع وعبر ومضات إشهارية، غير أن التسممات طالت 3 آلاف مستهلك منذ بداية الصيف، وأضحت تلك الحالة الصحية التي يمر به الشخص المصاب تدخل جميع أفراد العائلة في هاجس الخوف من تناول ما يشتهونه. في جولة قادتنا إلى مستشفى مصطفى باشا بمصلحة الاستعجالات صادفنا سيدة في مقتبل العمر تشتكي من ألم شديد في بطنها، اقتربنا من مرافقها الذي كان يساعدها على المشي فقال لنا: "لا أدري ما أصاب شقيقتي، فقد أحست فجأة بألم شديد في بطنها ليلة الأمس أي الاثنين فأعطيناها مشروب النعناع عله يخفف من الألم، إلا أن ارتفاع درجة حرارتها جعلنا نسرع بها إلى المستشفى لمعرفة حالتها". انتظرنا معها قليلا لمعرفة نتيجة فحوصات الطبيب، وفي الأخير قال لنا شقيقها بعد أن خرج من غرفة الفحص: "الطبيب المعاين أكد إصابتها بالتواء معوي جراء إفراطها في تناول بيتزا مليئة "بالهريسة" أدى إلى إصابة المعدة بالتهاب شديد".
الربح السريع قبل الصحة!
انتقلنا إلى محل "فاست فود" بشارع خليفة بوخالفة "ميسوني" فالتقينا سيدة كانت تتشاجر مع صاحب المحل بسبب "سندويش فريت أومليت"، وجدت بداخله بطاطا "فاسدة" وهو المنظر الذي لم تتقبله، وبلهجة شديدة حاولت الاستفسار إلا أن صاحب المحل رماه في سلة المهملات محاولا أن يهدئ من روعها بإعطائها "سندويتش" آخر، ولكن هذه السيدة تركت المحل ولم تتناول شيئا قائلة: "لن أدخل هذه المحلات مرة أخرى فهي تبيع السم والموت للمستهلك خاصة أنهم لا يراعون شروط النظافة ولا يهمهم إلا الربح السريع فقط".
حذار.. من "المايونيز"
دخلنا فيما بعد العيادة المتعددة الخدمات بالشارع نفسه فوجدنا شابا في ال25 سنة من عمره ينتظر دوره للفحص، فكانت ملامح وجهه توحي بألم شديد شعر به.. اصفرار وتقيؤ شديد لتقول لنا فيما بعد الممرضة: "إنه يعاني من ألم في الأمعاء جراء تناوله "المايونيز" في أحد محلات "فاست فود" في شارع العربي بن المهيدي، مما أدى إلى التقيؤ والدوخة معا وقد يستلزم الأمر تحويله إلى المستشفى الجامعي مصطفى باشا إذا ما استمر في هذه الحالة".
الشواطئ مصدر آخر للتسممات
أما الجولة التي قادتنا إلى الشواطئ، فكانت بمثابة الاكتشاف الكبير لحالات التسمم ومنها خاصة تلك المسجلة وسط الأطفال، فالافتقار إلى ثقافة الاصطياف بالنسبة للعديد من العائلات تجعلهم "يلهفون" لأكل كل ما يباع دون مراعاة لصحتهم التي تهددها المأكولات التي تباع على الشواطئ منها "لي بينيي"، الذي يجلب المصطافين برائحته الزكية وهو ما تسبب حسب الحاجة زينب في إصابة ابنها الذي ذهب إلى البحر وتناول "لي بينيي"، بتسمم شديد لأن هذا الأخير لا يزال عجينة مما أدى إلى تعفنه بسرعة، جراء أشعة الشمس الحارقة في البحر وتسببت في تسمم ابني إلى جانب تناوله "الباتي"، الذي تفاعل مع أشعة الشمس وكونت جراثيم كانت وراء تعرض حياته للخطر."
ضحايا التسمم الغذائي في فصل الصيف يقارب 3 آلاف حالة سنويا
أفاد البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، في تصريح ل"البلاد"، أن عدد الإصابات بالتسممات الغذائية سنويا قدرتها وزارة الصحة ب5 آلاف تسمم غذائي، موضحا "إلا أن الرقم بعيد عن الواقع، حيث لا يقصد كل من تعرض للتسمم المستشفيات العمومية، منهم من يعالج في المنزل باعتبار الإصابة غير خطيرة ومنهم من يقصد الأطباء الخواص، وعليه فإن الرقم الحقيقي يقارب ال 50 ألف حالة سنويا". وأضاف المتحدث "وإن كان 5 آلاف منهم يتجهون إلى المستشفيات لديهم أعراض تسمم، يوجد من بين 3 آلاف حالة تسمم حاد، حالات وفيات في الولايات الداخلية كسطيف وقسنطينة وخنشلة جراء تناول بعض المواد الغذائية، منها على الخصوص "الكاشير" لأن هذه المادة سريعة التعفن".
البروفيسور مصطفى خياطي:"تجنبوا أكل الكاشير لأنه مادة قاتلة في الصيف"
كشف رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث البروفيسور مصطفى خياطي أن "الكاشير" يعد من الأسباب الأولى للتسممات التي تسجل في كل مرة في فصل الصيف، مرجعا سبب تفاقم حالات الإصابة بالتسممات الغذائية صيفا إلى الارتفاع في درجات الحرارة من جهة، والإخلال بسلسلة التبريد للمواد الغذائية من جهة أخرى. قال خياطي في تصريح ل"البلاد"، إن المواد الغذائية يجب أن تخضع للتبريد بصيغة معتدلة، مع ضرورة خضوع بعض المواد للمعايير الصحية اللازمة فيما يخص النظافة والتعليب والتسويق. وقال خياطي "إن حالات التسمم التي تسجل في فصل الصيف لها طابع فريد لما تحدثه من تطور خطير على صحة الأفراد، ما يجعلها قاتلة على غرار مادة "الكاشير" التي تسبب الوفاة إذا لم تراع شروط تصنيعها وحفظها بسبب الجرثومة الخطيرة "كلوستريديوم برفرجانس". ودعا المتحدث إلى ضرورة تجنب التجمعات وتناول الأغذية بطريقة عشوائية والتي لا تخضع للأساليب الصحيحة للنظافة، قائلا: "يجب أن يكون للمستهلك ثقافة ومعرفة كافية فيما يخص حفظ المواد الخاضعة لسلسلة تبريد معينة منها على الخصوص المثلجات والشوكولاطه والمشروبات الغازية واللحوم المجمدة وغيرها"، مضيفا "كما أن اقتناء المواد الغذائية التي تباع على قارعة الطرقات تحت أشعة الشمس الحارقة بالأسواق الشعبية، تعد مصدرا لتسمم الأفراد وموتهم." من جهة أخرى، أشار البروفيسور خياطي إلى ضرورة منع هذه المواد بصفة نهائية لأنها تتضمن السموم للمواطنين، داعيا إلى تفعيل دور الرقابة في الحد من هذه التصرفات التي يمارسها "تجار الموت" خاصة أولئك الذين يهمهم الربح السريع على حساب صحة المواطنين. ودعا في سياق حديثه منتجو هذه المادة تجنب صناعتها، إلا أن المواطنين يقول محدثنا يتلهفون على اقتنائها خاصة عشاق البحر والأكلات الخفيفة. ودعا البروفيسور خياطي إلى تحلي المواطنين بالوعي الكافي لاقتناء بعض المواد الغذائية التي يتناولونها خلال التجمعات الكبيرة منها الشواطئ والأعراس والمخيمات الصيفية. كما أشار إلى ضرورة مراقبة المحلات التجارية، باعتبار أن بعض التجار من يقوم بإطفاء التيار الكهربائي على الثلاجات والمجمدات لتوفير بعض المال الى جانب الانقطاعات المتكررة التي تشهدها بعض المناطق خاصة في فصل الصيف جراء الاستعمال المكثف للكهرباء كما يستلزم الترشيد في استعمالها.
نائب رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين منوار حسان:"يجب تفعيل دور الرقابة لتوقيف تجار الموت"
بلهجة شديدة، تحدث نائب رئيس فيدرالية حماية المستهلك حسان منوار، عن الأساليب العشوائية للأكل التي يمارسها المواطنون خلال فصل الصيف بشكل محدد، معتبرا أن التسممات الغذائية تبلغ الذروة في الفترة ذاتها لفساد المواد سريعة التلف التي يجب أن يتم تخزينها وحفظها وعرضها في درجة حرارة مناسبة. وقال منوار في حديثه ل"البلاد" إن غالبية هذه التسممات تحدث بشكل جماعي خاصة في الولائم والأعراس، "خاصة عندما تقطع سلسلة تبريد هذه المنتجات فتتضاعف الجراثيم فيها وهذا ما يزيد في عدد الإصابات بالتسمم الغذائي". ويبقى السبب، حسب المتحدث، هو عدم احترام حفظ وعرض وتخزين المواد الغذائية منها مشتقات الحليب كالأجبان والياغورت واللحوم، فضلا عن الحلويات والمرطبات بالنظر للمواد الداخلة في تركيبها كالبيض والحليب، بالإضافة إلى اللحوم المجمدة التي يتعين تخزينها وعرضها في درجة حرارة تقل عن 18 مئوية. وأضاف منوار: "الأرقام التي تعلن عنها وزارة الصحة غير صحيحة مائة بالمائة، حيث تم الإعلان مؤخرا عن 2863 حالة إصابة بالتسممات الغذائية الجماعية على المستوى الوطني خلال السداسي الأول من سنة 2017 تسببت في وفاة شخصين بكل من ولايتي الشلف والوادي، إلا أن هذا الرقم غير دقيق بل أقل بكثير لما هو عليه الأمر في الواقع، فبعض المرضى يلجأون إلى التداوي الذاتي، وعليه نتوقع أن الرقم الحقيقي ه أضعاف مضاعفة من الرقم المعلن عنه". وأضاف نائب رئيس فدرالية حماية المستهلك أن جهل بعض التجار جعلهم يخاطرون بحياة المستهلكين لتوفير بضعة دنانير فيقومون بقطع التيار الكهربائي عن المبردات والمثلجات ليلا، وهي حالات تم تسجيلها في فصل الصيف وهذا التصرف تترتب عليه عواقب وخيمة تصل إلى الوفاة. وأشار منوار الى ضرورة تجهيز كل آلة تبريد بجهاز قياس درجة حرارة خارجي حتى يتسنى للمستهلكين الاطمئنان على أن المواد الغذائية التي يقتنونها خاضعة للتبريد اللازم. ولم يستثن منوار ظاهرة بيع المنتجات سريعة التلف على الطاولات وتحت أشعة الشمس الحارقة في الأسواق، على غرار الحليب ومشتقاته فضلا عن البيض والمايونيز وغيرها من المواد الغذائية الحساسة، مما يجعلها تهدد صحة المستهلكين بسبب تكاثر الجراثيم. وعليه أشار رئيس فيدرالية حماية المستهلك إلى ضرورة تحلي المستهلكين بالوعي وأن يكون الجميع مدركا للمخاطر الجسيمة لهذه المواد.