البلاد.نت- حكيمة ذهبي- "بلا ربيع عربي" و"شوشرة"، مر الجزائريون إلى بر الأمان، و"زفوا" "قائد" معاركهم ضد "بطانة الفساد"، في جو جنائزي مهيب، حملوه فوق أكتافهم، تماما مثلما يستحق أن يزف العظماء إلى بارئهم، في مشهد ختامي ل "حرب"، أرادها القدر هكذا أن تكون. شيع اليوم، جثمان فقيد الجزائر قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، في جنازة تليق بها التسميات، فهي "رئاسية" وما هو برئيس، وما هي ب "عسكرية" بعدما أسقطت عنها "الشعبية" هذه الصفة، وتركت منها البروتوكولات فقط، صنع فيها الجزائريون مشهدا تاريخيا جديدا، في أعظم جنازة ل "جنرال" قاد الجزائر في مرحلة سياسية حرجة، إلى بر الأمان، وكان العسكري العربي الوحيد الذي يرفض السلطة، كقائد للأركان ويلحّ على تنظيم انتخابات رئاسية، رغم الصعوبات.
الجزائريون يبكون جنرالا! هل تصدق هذه العبارة في جيش عربي، نساء ورجالا أطفالا وشيوخا، يبكون بحرقة على فقيد الجزائر، في صور أعادت إلى الأذهان تاريخ جنازة بومدين. لقد كان قايد صالح، الجنرال الذي أنهى حقبة طغيان الجنرالات، زج بهم في السجون ليمحو صورة "الطغيان"، التي ارتسمت في أذهان الجزائريين، يختمونها بتشييع جنازة "الفريق" في جنازة "شعبية" مهيبة، بدأت مظاهر التلاحم فيها منذ إعلان وفاته، فمن هذا الجنرال الذي فتح الجزائريون أبواب منازلهم يوزعون الصدقات على روحه، سوى هذا الذي سجل اسمه بأحرف من ذهب في التاريخ، وهو الذي أقسم أن لا تراق قطرة دم جزائري وكان عند وعده.
"القايد" يلتقي "بومدين" ويزف في "عربته" إلى "مربع الشهداء" كانت عشرة أشهر، ليدخل "قايد صالح" قلوب الجزائريين، حولته إلى بطل الشعب، الذي نصبه في مربع الشهداء، يتوسط الرؤساء، أمتارا فقط عن قبر "رئيس الفقراء" هواري بومدين، بمقبرة العالية. لقد كان مربع الشهداء جامعا بين الرجلين، بعدما جمعت بينهما سيرتهما، ليكون الرجلان على موعد للقاء كلاهما دفن في شهر ديسمبر، فالأول كان من وضع حجر أساس "أشبال الثورة"، في أعقاب الثورة والثاني جنى ثمارها ليؤسس بهم عهدا جديدا من الدولة الحديثة ويسقط "بطانة الفساد" ومن صنعها من جنرالات عاثوا فسادا في البلاد والعباد وزج بهم في السجون، ثم يضع حجر أساس استكمال مسيرة البناء بالتأسيس لعهد "أشبال الأمة"، تستند عليهم البلاد ليكونوا خير خلف لخير سلف. ليجلس الاثنان جنبا إلى جنب في "دار الحق"، بعدما جاب شوارع "المحروسة" في نفس العربة التي نقلت نعش "هواري بومدين"، ذات ديسمبر من العام 1979، العربة التي دخلت التاريخ مرة أخرى، تحت هتافات "جيش-شعب-خاوة-خاوة والقايد صالح مع الشهداء".
الشعب يجدد اللحمة: "قايد صالح مات ... لكن الجيش الشعبي حي لا يموت" كان المشهد ترقبيا، منذ الساعات الأولى من الصبيحة، لدى "الأعداء"، الذين ظنوا أنهم ركبوا موجة "الحراك"، فلم تكفيهم انتخابات الشعب لرئيس شرعي في جو من السكينة، إلا أن القنوط كان قويا عليهم، وهم يسمعون هتافات الشعب سائرا خلف نعش "قائده": "شيكور فرنسا قايد صالح". لقد كان تاريخ 25 ديسمبر، يوما تاريخيا، يضاف إلى ذاكرة الأمة، لقد أسقط الشعب بانتخابه رئيسا للجمهورية شعارا زائفا، حاول "أعداء الأمة" من خلاله اختراق صفوف الشعب، "مدنية ماشي عسكرية"، إلا أنه أسقط اليوم بالتفافه حول إطارات "أشبال الثورة" من ضباط المؤسسة العسكرية، أي بصيص أمل لدى "الأعداء"، فكانت أعظم المشاهد تلك التي تبادل فيها التحية مع إطارات الجيش قبالة مقر "قصر الشعب" بعد إلقاء النظرة الأخيرة، بابتسامات عريضة يبادل العسكريون الشعب التحية، تحت هتافات: "جيش-شعب-خاوة-خاوة".
الشعب يدك آخر مسمار في نعش "الخلاطين" في مشاهد تكررت في قصر الشعب كما مقبرة العالية وشوارع "المحروسة"، التي جاب فيها الجزائريون يسيرون خلف نعش "القائد"، يبلغون عهد الثقة في رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي غادر مقبرة العالية تحت هتافات: "يا تبون الجزاير أمانة اليد في اليد نحوها للخونة"، ولم يكن المشهد يختلف في قصر الشعب في الصبيحة، أين التقى الشعب لأول مرة وجها لوجه بوزير العدل، بلقاسم زغماتي، الذي بلغوه رسالتهم: "يا زغماتي إلى الأمام". وكانت تأبينية الوداع، التي قرأها مدير الإيصال والتوجيه بوزارة الدفاع الوطني، اللواء بوعلام ماضي، آخر مسمار في نعش من كان يظن أنه برحيل "قايد صالح" سيتغير المنهاج، وهو يردد: "نحن على نفس الدرب ماضون يا من سلمت الأمانة إلى أهلها ورحلت".