عادت أزمة السيولة النقدية مع اقتراب عيد الأضحى بمكاتب البريد والبنوك تطل برأسها في الجزائر وسط مخاوف شديدة من أن تتحول الطوابير الطويلة والتدافع بين المواطنين، إلى سبب مباشر للعدوى بجائحة كورونا، في الوقت الذي تخوض فيه الدولة حربا لاحتواء الفيروس. وتوثق المشاهد السلبية أمام مراكز البريد في الولايات الداخلية على وجه الخصوص، مئات الناس يتدافعون أمام هذه المقرات وينتظرون أدوارهم للحصول على رواتبهم ومعاشاتهم، تحت درجات حرارة تلفح الوجوه بلغت أحيانا 44 درجة تحت الظل في المدن الداخلية و37 درجة في المدن الساحلية، في حين تبقى تصريحات المسؤولين متذبذبة بين نفي وجود نقص في السيولة المالية، والاعتراف بأنها ظرفية وأنها مجرد تذبذب. وكانت أزمة السيولة قد بدأت منذ عدة أيام، ففي الوقت الذي أعلنت فيه السلطات عن وقف سحب الأموال بشكل مباشر من داخل مكاتب البريد، ضمن تدابير الوقاية والحماية من فيروس كورونا، والاكتفاء بآلات السحب الآلي، تبين أن معظم هذه الآلات لا تعمل، وذلك يعود بالدرجة إلى مشكل السيولة، فضلا عن عدم وجود ما يكفي من آلات السحب الآلي، كما هو الحال في مركز بريد حسين داي، الذي شهد تعطل موزعين إلكترونيين، وبقي واحد أمامه طابور طويل. وفِي الشراقة غرب العاصمة، بلغت الفوضى في مكاتب البريد إلى حد تسجيل حالات إغماء في صفوف كبار السن، وخلفت هذه الطوابير اكتظاظا وتدافعا والتصاقا ذهبت معه قواعد التباعد أدراج الرياح، في وقت تسجل فيه جائحة كورونا أرقاما قياسية في ربوع الوطن. وأمام هذا الوضع المتشنج، عبّر العديد، عن امتعاضهم من استمرار استحالة سحب أموالهم عدة أيام، نظرا للطوابير الكبيرة أمام الشبابيك أو لإغلاقها بحجة عدم التموين اليومي لهذه المكاتب البريدية من البنك المركزي. وأشار بعض المواطنين إلى أنهم ملوا التنقل بين مكاتب البريد بحثا عن السيولة المالية لسحب النقود من حساباتهم البريدية الجارية، وضرورة التنقل حتى إلى ولايات مجاورة للحصول على أموالهم بعدما جفت الموزعات الآلية من النقود والمعطلة في غالب الأحيان. وأعلنت عدة شبابيك بريدية عن غياب الأموال. وعلى النقيض لا تزال مؤسسة بريد الجزائر تنفي وجود أزمة سيولة في مراكز البريد، معتبرة أن الأمر يتعلق بمشكل في السيولة الذي يعود إلى الظروف الراهنة المتعلقة بانتشار وباء كورونا، معتبرة أنه من غير المعقول أن يتقاضى أكثر من 3 ملايين متقاعد أجورهم في يوم واحد، وأن هناك 27 مليون حساب جارٍ، ويتم التعامل ب22 مليونا منها فقط. وعزا بعض قباض البريد هذه الأزمة، إلى نقص السيولة لدى بنك الجزائر وخفضه عمليات التموين التي باتت أسبوعية وبكميات محدودة، بعد تراجع عمليات التحويل المالي من طرف التجار ومسيري المؤسسات الاقتصادية في الحسابات البريدية والبنكية بسبب توقف النشاطات التجارية والاقتصادية. ويضطر المواطنون للتنقل إلى مكاتب البريد عدة مرات للحصول على معاشاتهم أو سحب رواتبهم وسط أزمة سيولة نقدية على جل مراكز البريد بولايات الوسط، خاصة الولايات الأكثر تضررا من وباء كورونا على غرار الجزائر العاصمة، البليدة، عين الدفلى، الشلف وبومرداس، علاوة على ما تعيشه مكاتب البريد والبنوك في ولايات وهران، مستغانم، تلمسان وغليزان من مشاهد زحام وتدافع، وتشتكي مراكز البريد من عدم تزويدها بالسيولة المالية اللازمة، وتؤكد أن كافة الأموال التي تتحصل عليها القباضات يتم سحبها في الساعات الأولى لليوم، في حين يتم تسريح بقية الطوابير بعبارة "عودوا غدا ربما تجدون سيولة كافية". على هذا النحو، يضيف مصدر من قطاع البنوك ل«البلاد"، أن أزمة السيولة في هذه الآونة، لم تطل مؤسسة بريد الجزائر فحسب، وإنما كافة القنوات الرسمية على غرار البريد والبنوك والتأمينات، في ظل التدفق غير المسبوق للمواطنين على سحب أموالهم، مقابل تراجع كبير جدا في نسبة الإيداع، إذ يرفض الكثير من المواطنين والتجار ورجال الأعمال ادخار أموالهم بالقنوات الرسمية ويفضلون اكتنازها كسيولة ملموسة بالمنازل، مشيرا إلى أن نسبة الإيداع تراجعت بما يزيد على 80 بالمائة، بينما بلغت قيمة سحب الأموال حاجز 370 مليار دينار من مكاتب البريد، حيث تعتبره مؤسسة بريد الجزائر، رقما مهما لكنها تنفي أن تصنف الوضع الحالي بالأزمة وتكتفي بالتذبذب الظرفي الذي سينتهي دون تحديد آجال ذلك.