البلاد - ليلى.ك - أشعلت كلمة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال حفل بجامعة "السوربون" الفرنسية، التي اعتبرها الكثيرون هجوماً على المسلمين، غضباً واسعاً في العالمين العربي والإسلامي. وتوالت ردود الفعل الساخطة والمنددة حيث حذّرت هيئات رسمية وشعبية من مغبة الاستمرار في دعم الإساءات والسياسات التمييزية التي تربط الإسلام بالإرهاب؛ لما تمثله من تزييف للواقع، وتطاول على تعاليم الإسلام، وإساءة لمشاعر المسلمين في أرجاء العالم، فيما أطلق نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملات واسعة لمقاطعة المنتجات الفرنسية. وتطرق ماكرون خلال الحفل إلى المدرس صمويل باتي الذي قتله أحد المتطرفين بعد إظهاره صوراً مسيئة للرسول محمد في أحد صفوفه. وقال ماكرون إن "صمويل باتي قتل لأن الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا ويعرفون أنهم لن يحصلوا على مرادهم بوجود أبطال مطمئني النفس مثله". وأضاف الرئيس الفرنسي "لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات وإن تقهقر البعض، سنقدم كل الفرص التي يجب على الجمهورية أن تقدمها لشبابها دون تمييز وتهميش، سنواصل أيها المعلم مع كل الأساتذة والمعلمين في فرنسا، سنعلم التاريخ مجده وشقه المظلم وسنعلم الأدب والموسيقى والروح والفكر". ووصف ماكرون صمويل باتي بأنه أصبح "رمزا للحرية".
أحزاب جزائرية تندد دعت حركة مجتمع السلم رئاسة الجمهورية إلى التنديد بتصريحات الرئيس الفرنسي واتخاذ موقف دبلوماسي وسياسي واقتصادي، مؤكدة على "العبء الملقى على كاهل الجالية المسلمة بفرنسا ثقيل". وقال مقري إن إساءة الرئيس الفرنسي ينم عن حقد دفين تجاه الإسلام والمسلمين. وقال عبد الرزاق مقري في مقال له إن "هذا الإصرار في الإساءة سلوك غير أخلاقي مناف للأعراف السياسية والدبلوماسية ويؤجج الأحقاد والصراع بين الأمم والحضارات". وأكد مقري أن "قتل الأستاذ الفرنسي تصرف مدان ومرفوض، رغم عظم جرمه هو ذاته لإساءته إلى رسول الله". وأشار إلى أن "آفة الإرهاب المدمرة صارت صناعة خبيثة متقنة ومخطط لها، تستعملها القوى الاستعمارية لتبرير اعتدائها على الشعوب والسطو على خيراتها، ووسيلة يستغلها حكام فاشلون عن حل مشاكل شعوبهم وبلدانهم، للتغطية على عجزهم وإشاعة الخوف بغرض الاستغلال الانتخابي الرخيص". وطالبت حمس، في بيان لمكتبها الوطني أمس، "المؤسسات الرسمية الجزائرية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية بالتنديد بتصريحات الرئيس الفرنسي واتخاذ موقف دبلوماسي وسياسي واقتصادي. إلى جانب تحرك المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الهيئات والمؤسسات المشهورة بالنشاط الديني وكل الجمعيات والمنظمات ذات الاختصاص، وجميع الأئمة والدعاة لاتخاذ موقف صارم لإدانة تصرفات الرئيس الفرنسي وتنظيم برامج متواصلة للتعريف بسيرة المصطفى". وعلى النوال نفسه استنكرت جبهة العدالة والتنمية وحركة النهضة ونشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي "تطاول الرئيس الفرنسي على رموز ومقدسات الإسلام".
موجة غضب من جهتها دانت منظمة التعاون الإسلامي "استمرار هجوم فرنسا المنظم على مشاعر المسلمين بالإساءة إلى الرموز الدينية". وقالت الأمانة العامة للمنظمة، التي تتخذ من جدة مقرا لها في بيان لها إنها تابعت استمرار نشر الرسوم المسيئة، مبدية استغرابها من الخطاب السياسي الرسمي الصادر عن بعض المسؤولين الفرنسيين الذي يسيء للعلاقات الفرنسية الإسلامية ويغذي مشاعر الكراهية من أجل مكاسب سياسية حزبية. وفي لبنان، أكدت دار الإفتاء في لبنان أن الإساءة التي يغطيها الرئيس ماكرون للنبي محمد خاتم المرسلين، ستؤدي إلى تأجيج الكراهية بين الشعوب. وقال الأمين العام لدار الإفتاء أمين الكردي إن مفهوم الحرية الذي يمارسه البعض في حق رسول الإسلام ويسوق له ويغطيه ماكرون، سيؤدي إلى تأجيج الكراهية بين الشعوب والنزاعات الدينية، معتبرا أن إدانة حادثة قتل الأستاذ الفرنسي لا إنصاف فيها دون إدانة موجبها. وحذرت الخارجية الكويتية في بيان رسمي من مغبة الاستمرار في دعم الإساءات والسياسات التمييزية التي تربط الإسلام بالإرهاب؛ لما تمثله من تزييف للواقع، وتطاول على تعاليم الإسلام، وإساءة لمشاعر المسلمين في أرجاء العالم. بدوره، وصف مجلس التعاون الخليجي تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام ب"غير المسؤولة"، معتبرا إياها تنشر ثقافة الكراهية بين الشعوب. وقال الأمين العام للمجلس نايف الحجرف "في الوقت الذي يجب أن تنصب فيه الجهود على تعزيز الثقافة والتسامح والحوار بين الثقافات والأديان، تخرج مثل هذه التصريحات المرفوضة، والدعوة لنشر الصور المسيئة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام". ودعا الحجرف، قادة العالم والمفكرين وأصحاب الرأي لنبذ خطابات الكراهية وإثارة الضغائن وازدراء الأديان ورموزها، واحترام مشاعر المسلمين، بدل الوقوع في أسر الإسلاموفوبيا.
تصاعد العنصرية من جانبه، قال داوود شهاب المتحدث باسم حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، للأناضول، تعقيبا على الانتهاكات المتصاعدة في فرنسا ضد المسلمين، إن "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يظهر عداء واضحا للمسلمين في تصريحاته وهذا نابع من عنصريته، وتركيا الدولة الإسلامية الأكثر جرأة في الدفاع عن الإسلام والمسلمين". ودأب ماكرون على مهاجمة الإسلام في خطاباته خلال الفترة الماضية، وفي مطلع أكتوبر الجاري، قال إن على فرنسا التصدي لما سماها "الانعزالية الإسلامية"، وسط انتقادات واجهت خطابه آنذاك. وأضاف شهاب أن "الانتهاكات ضد المسلمين تأتي ضمن سياسات ممنهجة ترعاها فرنسا رغم ما للمسلمين من إسهامات كبيرة في الدولة ومؤسساتها". وأشار إلى أن فرنسا "تتجاهل إنجازات المسلمين، وتصر على حماية العنصرية ضد المسلمين وتبريرها". والأربعاء الماضي تعرّضت امرأتان من أصل جزائري ترتديان الحجاب للطعن على يد امرأتين فرنسيتين في باريس، فيما تعرضت في اليوم نفسه فتاتان تركيتان للعنف والتمييز من قبل الشرطة في فرنسا، التي بدأت مؤخرا في استهداف المسلمين على أراضيها. وتشهد فرنسا مؤخرا، جدلا حول تصريحات قسم كبير من السياسيين، تستهدف الإسلام والمسلمين عقب حادثة قتل مدرس وقطع رأسه في 16 أكتوبر الجاري. وقال ماكرون، في تصريحات صحفية، إن بلاده لن تتخلى عن "الرسوم الكاريكاتورية" (المسيئة للرسول محمد والإسلام). وخلال الأيام الأخيرة، زادت الضغوط وعمليات الدهم، التي تستهدف منظمات المجتمع المدني الإسلامية بفرنسا، على خلفية الحادث. وكانت مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية قد نشرت 12 رسما كاريكاتوريا مسيئا للنبي محمد عليه السلام، عام 2006، ما أطلق العنان لموجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي. وتزايد استهداف المسلمين من قبل الشرطة الفرنسية في الآونة الأخيرة، لاسيما بعد مقتل مدرس نشر رسوما مسيئة للنبي محمد، على يد طالب، شمال غربي باريس، الجمعة الماضية. والثلاثاء، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات له، إلى عقد حوار بين المسلمين للخروج من "واقعهم المحزن". وقال أردوغان: "ينبغي لنا كمسلمين أن نصغي إلى بعضنا أكثر، وأن نتبادل الأفكار في هذه الفترة المؤلمة والمليئة بالتحديات". وتابع: "الواقع المحزن للمسلمين يشجع الإمبرياليين وأعداء الإسلام على محاولة النيل منهم". وأوضح أردوغان أن "المنزعجين من صعود الإسلام، يهاجمون ديننا عبر الاستشهاد بالأزمات التي كانوا هم سببا في ظهورها".
سخط شعبي سادت حالة من الغضب الشعبي في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد تفاعل نشطاء بشكل كبير بمختلف منصات التواصل الاجتماعي، ردا على تلك الصور، وتصريحات رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، "المستفزة" للمسلمين. وغير عدد من النشطاء صورهم على "تويتر" و"فيسبوك" وغيرهما، واضعين اسم "محمد رسول الله"، ورافضين ما يصدر عن المسؤولين الفرنسيين. وانتشرت عدة رسوم عبر فيها المسلمون عن غضبهم من تصريحات الرئيس الفرنسي، كان أبرزها "رسولنا خط أحمر"، و"#إلا رسول الله" و"#فرنسا" و"#ماكرون يسيء للنبي". ودوّنت الكاتبة والإعلامية الكويتية، سعيدة مفرح: "تبنّي ماكرون للرسوم المسيئة للنبي، لا علاقة له بحرية التعبير أبداً، بل لعله تعبير حقيقي عن ازدراء حرية التعبير!". وأوردت في تدوينة أخرى حكما صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2018، اعتبر أن الإساءة للنبي محمد ليست حرية تعبير، وعلّقت بقولها: "للقانونيين؛ هذا حكم المحكمة الأوروبية سنة 2018، فهل يمكن رفع قضية من قبل أي مسلم أو دولة إسلامية ضد ماكرون أمام هذه المحكمة تحديداً بتهمة الإساءة للنبي؟". كما انتقدت الناشطة سهام سارك، في تغريدة، سياسة ماكرون تجاه الرسوم المسيئة، "رغم ادعائه أن فرنسا بلد للحرية". أما جلال عويطة، فذكر في تدوينة عبر "فيسبوك"، أنه "لا فرق بين فرنسا الأمس وفرنسا اليوم غير المكياج وأضواء باريس الليلية نفس الحقد، نفس الكراهية، نفس الترهيب، نفس العقليات". وأضاف عويطة: "تعمدت نشر الصور ليعلم الجميع حجم الكراهية التي يحملها صناع القرار في فرنسا". وتساءل "هل هكذا سيتوقف الفرنسيون عن الدخول في الإسلام".
إجراءات فرنسية أعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس الجمعة فرض عقوبات على نشر معلومات شخصية على الإنترنت من شأنها أن "تعرض حياة آخرين للخطر"، بعد مقتل أستاذ التاريخ في المنطقة الباريسية قبل أسبوع. وسيتضمن القانون الذي سيطرح في 9 ديسمبر "إمكانية معاقبة أولئك الذين ينشرون معلومات شخصية على الإنترنت" والتي من شأنها تهديد "حياة الآخرين"، مشيرا إلى واقعة المدرس صمويل باتي الذي قام والد طالب وداعية إسلامي بنشر هويته واسم المدرسة التي يعلم فيها على الإنترنت. وأعلن رئيس الحكومة عن زيادة عدد موظفي منصة مراقبة الشبكة وإنشاء "جهاز متخصص في مكتب المدعي العام في باريس لحصر الملاحقات وتحسين كفاءتها". ومن المقرر أن تكشف المفوضية الأوروبية عن قانون جديد "قانون الخدمات الرقمية"، بحلول نهاية العام لتحسين تنظيم عمل عمالقة التكنولوجيا، من حيث إدارة البيانات والمعلومات المضللة وخطاب الكراهية على وجه الخصوص.
إدانة طالبة مسلمة إلى ذلك قضت محكمة فرنسية الجمعة بالسجن 4 أشهر مع وقف التنفيذ بحق طالبة مسلمة، في وقت وجهت السلطات تهمتي الاعتداء والإهانات العنصرية لامرأتين طعنتا مسلمتين قرب برج إيفل وحاولتا نزع حجابيهما الأحد الماضي. واتخذت المحكمة قرارها بإدانة الطالبة، التي تدرس البيولوجيا وتبلغ من العمر 19 عاما، بتهمة "تمجيد الإرهاب" لأنها كتبت على موقع فيسبوك أن أستاذ التاريخ صمويل باتي، الذي قتل بقطع رأسه، كان "يستحق" الموت. وسيترتب على الشابة التي مثلت أمام محكمة في بيزانسون (شرق) الخضوع لدورة مواطنة لمدة 6 أشهر.
جريمة ضد المسلمين وفي سياق متصل، وجهت السلطات تهمتي الاعتداء والإهانات العنصرية لامرأتين طعنتا محجّبتين قرب برج إيفل، وحاولتا نزع حجابيهما الأحد الماضي. وقالت إحدى الضحيتين وتدعى حنان إن المهاجمتين نعتتهن بالعربيات القذرات، كما وجهت إحدى المعتديتين 3 طعنات لإحدى المحجبتين و6 طعنات للثانية اخترقت إحداها رئتها، أمام أطفالهما.وقال محامي الضحيتين أريي ألمي إنه "هجوم عنصري لأن الضحيتين محجبتان" مشددا على أن دافع الهجوم هوالقتل لأن إحدى الطعنات وجهت للرأس.وأوضح المحامي أن الشرطة رفضت قبول دعوة حنان يوم الاعتداء عليها، واكتفت بالاستماع إليها، وأن بلاغ الشرطة لم يشر إلى الشتائم العنصرية. وبدوره ندد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي، بشدة، بواقعة طعن فتاتين مسلمتين في العاصمة الفرنسية، ووصفها بأنها "جريمة إرهابية". وطالب داغي، عبر صفحته على موقع فيسبوك، المجتمع الفرنسي، بإدانة هذه الجريمة، بنفس مستوى إدانته للجرائم الإرهابية السابقة، وبالحفاظ على النسيج الاجتماعي، والتعاون والتعايش السلمي، والعلاقات الإنسانية.