مسألة نسبة عضوية المرأة في المجالس المنتخبة متروكة للنواب الذين هم أعرف من غيرهم بمدى قابلية الشعب لنسبة مشاركة المرأة وإلى أي مدى التجاوب معها وإسقاط ذلك على خصوصيات المجتمع التي يجب أن تحترم· حاوره: ع/ محمد ؟ سيتناول المجلس الشعبي الوطني مع افتتاح دورته الخريفية مشروع قانون الانتخابات الجديد، وهو أول مشاريع الإصلاحات السياسية التي أعلنها رئيس الجمهورية· أية قراءة تعطونها للنص الجديد الذي دُرس في مجلس الوزراء وتناولته الصحافة يشكل مستفيض؟ ٌ سيعيش البرلمان الجزائري دورة خريفية مميزة عما سبقها من الدورات مشبعة بمشاريع قوانين من الأهمية بمكان، كونها تحمل معها تحولا عميقا وجادا نحو تعميق الديمقراطية في البلاد، سواء منها القوانين الجديدة أو تلك التي سوف تحين بما سيحدث عليها من تعديلات وتحسينات تستجيب لمتطلبات المرحلة بمعاييرها الدولية وتطلعاتها الوطنية، ويأتي بالتأكيد في مقدمتها النظام الانتخابي باعتباره الضابط الوحيد للعملية الانتخابية كآلية مثلى لتطبيق الديمقراطية وتجسيد الحريات الفردية التي ننشد تعزيزها وتدعيمها عبر حزمة الإصلاحات التي أعلنها رئيس الجمهورية الربيع الفائت والتي ستطغى لا محالة على أشغال الدورة الخريفية الحالية· إنّ القراءة الأولية لمشروع النص الجديد لقانون الانتخابات توحي بأنه جاء ليطور الجاهزية التي كانت تعرفها البلاد في ممارسة العمليات الانتخابية، كما أنه يضطلع بقوة بالتطلعات المشروعة للناخبين والطموحات المتزنة لمختلف الأطياف السياسية الساعية إلى الانتقال بطرق سلسة ويبدو أنه حلّ في حينه ليتكيف مع القفزة النوعية في المجال الديمقراطي التي تحصد مؤسساتنا الدستورية ثمارها باطراد وبوتيرة تبدو حتى الآن موزونة ومتزنة· من خلال ذلك يكون النظام الانتخابي الذي بين أيدينا قد عمق المسار الديمقراطي بوضعه المواطن الجزائري الخائض الأول والأخير غمار الإصلاحات المنظورة من جهة والمنتظرة من جهة أخرى جراء تجسيدها في الميدان، عناصر أساسية كرستها المواثيق الدولية بوضوح مثل توفير شروط ممارسة الحق الانتخابي وحرية التصويت، مما يضمن نزاهة العملية الانتخابية وحريتها، توفير الجو السياسي والمناخ التنظيمي للمترشحين والأحزاب السياسية لممارسة حقوقهم وواجباتهم أثناء التحضيرات وخلال الاقتراع وهو ما يضفي طابع الشفافية اللازمة على الاقتراع، تأكيد حياد الأعوان المشرفين على تسيير العملية، ووجود ملاحظين وحضور ممثلين للقوائم وإنشاء لجان متابعة ناطقة باسمها· ومن المميزات الهادفة إلى إبعاد كل الشكوك في مشروع النص محل الدراسة، الإشراف القضائي على النزاعات والبت في الطعون وإصدار الأحكام الجزائية المتعلقة بكل ما يسيء إلى مصداقية العملية الانتخابية أو عرقلتها أو التشويش عليها· ومن أجل هذا، فإن التعديلات المستحدثة تخص ضبط وتسيير القوائم الانتخابية كقاعدة ارتكاز لكل استحقاق وكحق مكتسب لكل مواطن، ناخبا كان أو مترشحا، وتتعلق أيضا بعمليات التصويت التي تعد الفعل الحاسم في أمر كل انتخاب كمكاتب التصويت، الوثائق الانتخابية، الإشراف والمراقبة والتكفل بالجانب الأمني ومستلزمات التأطير، سواء كان ذلك على مستوى المجالس المحلية البلدية والولائية، أو على مستوى الانتخابات المباشرة لأعضاء المجلس الشعبي الوطني أو غير المباشرة للأعضاء المنتخبين لمجلس الأمة أو الانتخابات الرئاسية· إنّ ما سيقوم به أعضاء المجلس الشعبي الوطني من تعديلات على مواد النص باعتبارهم الممثلين الشرعيين للمواطن والأقرب منه، سيحين لا ريب أحكام القانون وجعله أكثر قابلية للتطبيق وأوفر جاهزية للتنفيذ ومستجيبا لمطالب المواطنين واهتماماتهم وطموحاتهم وخاصة الشباب والنساء· ؟ من النقاط التي يُتوقع أن تثير جدلا برلمانيا مسألة حصة المرأة في الانتخابات القادمة· مبدئيا، ما موقف الحزب من ”فرض” نسبة للنساء، خاصة أن ندوة ”سوسيولوجية الناخب الجزائري” التي عقدتها لجنة الدراسات والأبحاث في الحزب قد أكدت أن للناخب موقفا متحفظا على مسألة ترشح المرأة· ألا ترون أن نسبة الثلث تعتبر مرتفعة؟ هناك من يتوقع أن تخصيص نسبة مرتفعة للمرأة سيكون على حساب فئة الشباب، باعتبار أن التنافس سيشتد على المناصب والمواقع من طرف ”المرشحين الكبار”؟· ٌ إنّ إثارة النقاش واحتدام الجدال المنتظر حول الموضوع مسألة طبيعية من طبيعة طرحه الجديد على المجتمع الذي له تقاليد وأعراف سار عليها عبر تاريخه الطويل في مهام أفراد الأسرة والأدوار التي يقومون بها بديهيا وتقليدا· لقد تعودنا على ترقية المرأة في مختلف المجالات والميادين التي افتكتها عن جدارة وأثبتت فيها وكفاءتها إلى درجة أثبتتت فعاليتها في جل المهام التي أنيطت بها والتي انتقلت إليها تدريجيا دون أن تحدث ضجة· ولما بقيت دون المطلوب في العمل السياسي الانتخابي، كرس الدستور مبدأ ترقيتها في هذا الإطار عبر قانون عضوي يحتاج إلى طرحه إعلاميا وبرلمانيا· واحتراما من حزب جبهة التحرير الوطني لهذا المبدأ الدستوري وإيمانا منه بأن الوقت قد حان لأن يفسح المجال أمام إشراك المرأة في المجالس المنتخبة المحلية والوطنية انطلاقا من ارتكازه على مشروعية التشريع عبر البرلمان، فإن مسألة نسبة عضوية المرأة في المجالس المنتخبة تترك للسادة النواب الذين هم أعرف من غيرهم بمدى قابلية الشعب لنسبة مشاركة المرأة وإلى أي مدى التجاوب معها وإسقاط ذلك على خصوصيات المجتمع التي يجب أن تحترم والمميزات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في الريف وفي الحضر· يحضر حزب جبهة التحرير الوطني للحفاظ على الأغلبية المريحة التي يتمتع بها، بل وتعزيزها في الانتخابات المقررة العام .2012 ما هي إستراتيجية الحزب في هذا الاتجاه؟ ٌ إنّ إستراتيجية الحزب للاستحقاقات الانتخابية ليست وليدة اليوم، ولا هي بالنسبة له أمر مستحدث يجهل معطياته وخباياه، إنما هو صانع لها ماسك بحيثياتها وميكانيزماتها منذ القدم· لذلك لا يجد حرجا في التعامل مع أي استحقاق تحضيرا ومشاركة وتسييرا، ولا يهاب من صعوبة يتصورها لأن في مقدوره من خلال تجربته الطويلة في هذا النطاق أن يحل كل العقد وأن يفك كل الرموز، عاملا على تهيئة نفسه في كل مناسبة متعاملا معها حسب إفرازاتها ووفق معطياتها الزمنية والسياسية والاجتماعية والقانونية، عبر أعمال جوارية مع كل طبقات الشعب وفئاته التي يتجذر ويتغلغل فيها أكثر من غيره باستمرار الشيء الذي يتيح له أن يكون دائما في الصدارة وبالأغلبية المريحة التي يسعى لتزكيتها ورفع نسبتها خدمة للمصلحة العامة التي يعرف الشعب أنها الشغل الشاغل لحزب جبهة التحرير الوطني من تاريخ نشأته إلى يوم الناس هذا· ؟ ألا ترون أن المنشقين سيؤثرون على حظوظ الحزب في تلك الاستحقاقات، خاصة مع إعلان عبد الكريم عبادة عن ترشح ”التقويميين” في قوائم مستقلة؟ ٌ لا يتناطح كبشان، ولا ينتفش ديكان ولا يختصم شخصان، على أن حزب جبهة التحرير ومن أيام ربيعه الأول ، يعيش مثل هذه الظواهر الصحية التي تزيد من متانة عوده وصلابته باعتباره منبرا ديمقراطيا حرا، لا تكميم فيه للأفواه ولا تكبيل للأكف ولا للأقدام وتلك هي قوته، وذلك هو ديدنه الذي يفتح باب التعبير الحر على مصراعيه وتلك هي الميزة التي ينفرد بها والمتمثلة أساسا في أنه مهما اشتدت الخصومة بين مناضليه أو عناصره، فإنهم لا يغادرون ميدانه، إنما يبقى رحابهم الذي يقيمون عليه السباقات وميادينهم التي ينطلقون منها لبلوغ الطموحات وتحقيق الرغبات المشروعة· لذلك فالمسألة ترتبط بتنافس الطموح الذي لا يفسد للود قضية ولا يذهب ذرة ريح من عزم قوة الحزب وقدرته على تسجيل الانتصارات وحصد الفوز المستحق في كل موعد واستحقاق· ؟ بعيدا عن التصريحات المتواترة لقيادة الحزب بشأن المنشقين من خلال وصفهم بالباحثين عن المواقع والمسؤوليات، يرى بعض الملاحظين أن هؤلاء قد انخرطوا فعلا في أجندة أطراف تخاصم الجبهة استعدادا للانتخابات الرئاسية المقررة عام ,2014 هل توافق هذا الرأي؟ ٌ الحكم سابق لأوانه، وإلى ”أن يزيد ونسميه سعيد”، وأن العملية دونها بيداء، وليس من طبيعة مناضلي الحزب الدخول في المجهول والتشبث بدخان الأحداث، أو الانجرار وراء الدعايات واللهث خلف ما يصدر عن أبواق معادية لحزبهم أو الجري نحو أوهام سراب، إنهم يعرفون جيدا من أين تؤكل الكتف وكيف تورد الإبل ·· وإن هذا الموضوع لايزال معلقا في السماء لم ينزل الوحي بشأنه بعد، وما دون هذه الحقيقة فإنها مجرد قوافل تمر، ولا تعدو أن تكون سحابة صيف ترعد ولكن لا تمطر· ؟ اتهم القيادي السابق عبد الكريم عبادة الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم بأنه مسؤول عن ”انتفاضة” الزيت والسكر في 5 جانفي ,2011 لأنه (استفز الشباب بإعلانه بقاء الأفلان في الحكم إلى غاية 2030)! أية قراءة تعطونه لتصريحات من ”هذا المستوى”؟ ٌ معرفتي للمناضل عبد الكريم عبادة أنه لا يضيق صدره ببقاء الأفلان في الحكم لمدة أطول، وأنه من غير المعقول لمناضل مثله أن يعتبر ذلك افتزازا للشباب الذي يسعى كل مناضلي الحزب لاستقطابه وهيكلته ضمن صفوف الحزب من أجل تحقيق التواصل ومن ثم دعم الحزب وتعزيز وجوده وبقائه واستمراره في الطليعة وفي الصدارة· أعتقد جازما بأن هذا الهم مشترك بين كل مناضلي الحزب وإن اختلفت آراؤهم وتنوعت مشاربهم وتوزعت مقاصدهم وتباينت مطامحهم، وليس ذلك بغريب وغير مستهجن لأن حزب جبهة التحرير الوطني هو السفينة التي حملت كل أطياف المجتمع وشتى حساسياته· أمّا فيما يتعلق باضطرابات 5 جانفي الفارط، فإني أميل إلى الرأي القائل: إنها وقعت بسبب إفرازات وتراكمات تأكسدت، أثارتها تصرفات غير عاقلة لمتعاملين ومحتكرين ونشطين في السوق الموازية فاجأوا الشعب برفع أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع دون وجه حق ودون إشعار أو إنذار مبكر، لذلك أخمدت فور تَفَطُن السلطة لتلك المباغتة غير المشروعة· لذلك فلا علاقة لها بالعمل السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي ما يزال ينادي بالعدالة الاجتماعية وبالتوازن الجهوي، ويؤكد على بقاء دعم الأسعار ورفع المرتبات ومضاعفة المنح باستمرار، وكلما دعت الحاجة إلى ذلك، وبما يحسن من المستوى المعيشي للمواطن· إنّ قراءتي مثل هذه التصريحات تأتي مشككة في صحتها لأن مثل السيد عبد الكريم عبادة لا يقع في مطب تهمة حزبه بأشياء كلما بدت له تسؤه، وهو الذي يعمل على دحضها والتخلص من شوائبها التي إن علقت بالمجتمع صارت حجر عثرة يعرقل مساره ويثقل كاهل إنمائه وتطوره· ؟ هل تطالب جبهة التحرير بتعديل حكومي، وتعيين وزير أول غير متحزب للإشراف على الانتخابات القادمة؟ ٌ لقد كانت إجابة الأمين العام للحزب، عبد العزيز بلخادم، عن مثل هذا السؤال عبر مؤسسة التلفزيون واضحة ولا غبار عليها، والتي كانت تتجاوب وتتطابق مع رغبات الجماهير الشعبية ومطالبها· إلاّ أن تعيين وزير أول يعود إلى صلاحيات السيد رئيس الجمهورية التي يخولها له الدستور، والتي تسمح بتعيين الوزير الأول لشخصه وليس لحزبه، وبعد التعديل الدستوري القادم يكون لكل حادثة حديث· وبالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي يطالب بحياد الإدارة في كل عملية انتخابية ومن خلال تجاربه السابقة، فإنه وهو يخوض غمار أي استحقاق انتخابي لا يخيفه طيف أي مسؤول أو انتمائه، لأنه يعول أكثر على مناضلي الحزب وأنصاره ومؤيديه في الأوساط الشعبية وخاصة القواعد وعلى الأخص في الجزائر العميقة، التي ”يتكل عليها” و”يحلف برأسها” في كل مناسبة بل في كل زمان ومكان· ؟ كانت الجزائر في المدة الأخيرة موضوع حملة إعلامية مركزة، من الشرق والغرب، على خلفية موقفها من الأوضاع في ليبيا· كيف تشرحون الموقف الجزائري بالتمسك بالحياد مما حدث ويحدث في الجارة الشرقية لبلدينا؟ هل توافقون الرأي القائل إن الدبلوماسية الجزائرية كانت متأخرة كثيرا في الأزمة الليبية؟ ٌ إنّ بلدا مثل الجزائر يعرفه غيره، القاصي منهم والداني، الخصم والصديق، بمواقفه المبدئية ومناصرته للقضايا العادلة في العالم والشعوب المتطلعة إلى التحرر واسترجاع السيادة، وأنه يتكل على نفسه ولا يمد يده لأحد، وإن اشتدت ضائقته وهو الذي يصدق فيه قول القائل: وإنما رجل الدنيا وواحدها من لا يعول في الدنيا على رجل· بديهي أن يكثر حساده وخصومه الذين يعملون من أجل تلفيق التهم له والصاق الشبهات به زورا وبهتانا، وقد تعودنا على هذا وحددنا مصادره، وأغراض أصحابه ونواياهم، سواء تعلق الأمر بمشاكل ليبيا أو بغيرها· يبدو واضحا أن موقف الجزائر كان الموقف المتعقل المحترم للشعوب وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإلاّ حصل التناقض عنده بين المبادئ والقيم وبين السلوكات والتصرفات، إن الموقف كان مطابقا للقول وللعمل· لذلك فإن الديبلوماسية الجزائرية لم تكن متأخرة بالنسبة للأزمة الليبية، إنما كانت متأنية متسمة بالحكمة وهي تنادي بالمصالحة والتفاهم والتوافق بين الأشقاء في ليبيا وكل ما يحقن الدماء ويوقف التدمير وينهي التيتم والترمل والتشرد، وتطالب بعدم التدخل الأجنبي في الشؤون الخاصة للشعب الليبي الشقيق القريب المجاور·