قواعد الصفقات العمومية على طاولة الحكومة    مقرمان يلتقي كاربونيي    صناعة: مجمع "جيتكس" يطلق تشكيلته الجديدة لملابس الأطفال بأسعار تنافسية    مؤسسات جزائرية تتألق في قطر    الجزائر تعتزم تحديث استراتيجيتها الوطنية    إنفانتينو يُهنّئ صادي    الشرطة تتبرّع بالدم    ابنة صلاح.. ممثّلة!    الجزائر-النيجر: آفاق واعدة لمستقبل التعاون الثنائي    التوقيع على اتفاق لتنفيذ المشاريع المخصصة لنيامي    اجتماعية الدولة مبدأ مقدّس    تحرير ضحيتين كانتا محتجزتين داخل منزل بعلي منجلي    توسيع التعاون ليشمل الصناعة النّفطية والغازية    "حماس" تطالب الوسطاء بالتحرّك الفوري    الشعب الصحراوي في آخر أشواط الكفاح    سوريا ترحب بقرار الاتحاد الأوروبي    دراسة 19 تعديلا على مشروع قانون محكمة التنازع    الاتحاد العام للعمال الجزائريين يحيي الذكرى المزدوجة ل24 فبراير    اللجنة المشتركة لمتابعة إنجاز طريق تندوف - الزويرات    استقرار في أسعار اللحوم البيضاء في رمضان    سوناطراك توقع عقد مع "سينوبك" لاستكشاف واستغلال المحروقات بحاسي بركان-شمال    افتتاح معرض تشكيلي جزائري-إيطالي بالجزائر العاصمة    وزارة الشؤون الدينية والأوقاف تنشر إمساكية رمضان    حج 2025: آخر أجل لدفع التكلفة هو يوم الجمعة المقبل على الساعة الثامنة مساء    وزير الداخلية والجماعات المحلية يلتقي بكاتب الدولة للسياسة الإقليمية لمملكة إسبانيا    كرة القدم داخل القاعة: فريق وكالة الانباء الجزائرية يتبارى في المجموعة الثالثة    جبهة البوليساريو تجدد تمسك الشعب الصحراوي بحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال    الدولة الفلسطينية ومواجهة التحديات المقبلة    مصانع التحلية ستؤمّن 42 بالمائة من مياه الشرب    إقبال واسع على الأسواق الجوارية الخاصة بشهر رمضان بجنوب البلاد    رمضان : الحماية المدنية تدعو المواطنين إلى توخي الحذر للوقاية من الحوادث اليومية    رخروخ في زيارة عمل إلى موريتانيا ابتداء من يوم الأربعاء    العياشي:نجاح الدبلوماسية الجزائرية على الصعيدين الافريقي و الدولي يصب في صالح القضية الصحراوية    حوادث المرور: وفاة 34 شخصا وإصابة 1641 آخرين خلال أسبوع    كأس إفريقيا للأمم-2026 سيدات: المنتخب الوطني ينهي تربصه استعدادا للقاء جنوب السودان    مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعه الثلاثاء لبحث الوضع في فلسطين    الأمم المتحدة: غوتيريش يعبر عن قلقه بشأن تصاعد عنف وهجمات الاحتلال الصهيوني بالضفة الغربية    المولودية تبتعد    16 طائرة جديدة لتخفيف الضغط عن الرحلات الداخلية    مهمة عسيرة ل"الحمراوة"    أوامر بإنهاء مشروع حماية المدينة من الفيضانات    قسنطينة على صفحة نادي ليفربول    صناعة صيدلانية: شركة قطر فارما تبدي اهتمامها بالاستثمار في الجزائر    "مفدي زكريا" يستضيف فن التصميم الإيطالي    فارسي يعود لأجواء المنافسة ويريح بيتكوفيتش    المجلس الشعبي الوطني: وزير الثقافة والفنون يستعرض واقع وآفاق القطاع أمام لجنة الثقافة والاتصال والسياحة    سايحي يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية المستقلة للقابلات الجزائريات للصحة العمومية    كرة القدم (داخل القاعة): المنتخب الوطني يشرع في تربص اعدادي بفوكة (تيبازة)    "طيموشة" تعود لتواصل مغامرتها في "26 حلقة"    الشوق لرمضان    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تخليق العدو... الرعب لا يغير مواقعه
نشر في البلاد أون لاين يوم 26 - 10 - 2011

استأجر جحا دارا، وكان خشب السقف يقرقع كثيرا، فلما جاء صاحب الدار يطالبه بالأجرة قال له: أصْلِحْ هذا السقف فإنه يقرقع، قال: لا بأس عليك، فإنه يسبح الله، قال جحا: أخاف أن يزداد خشوعه فيسجد.
هذا هو حال أمريكا؛ لاتنفك عن توسيع رقعة ثقب الأزون الأمني بتخليق أعداء وهميين بين الفينة والأخرى لكي يقرقع سقف الأمان الدولي، فينكمش العالم على نفسه وتعلن حالة الطوارئ التي تبيح كل المحظورات من اعتقالات عشوائية وتكديس للمشتبه بهم في غوانتنامو، فرض عقوبات على دول مارقة حسب البارومتر الأمريكي، إلى تدخل عسكري مباشر بتهمة دعم الإرهاب أو الاشتباه بتحالف بين صدام وبن لادن.
هكذا هي أمريكا، تسبح في كل الاتجاهات و صدرت الرعب لكل أنحاء المعمورة، لكن عيونها لاتغفل عن اقتصادها وعن امتصاص مقدرات الشعوب العربية من جهة ووقف الزحف الاقتصادي الأسيوي من جهة أخرى.
الإمبراطورية الأمريكية آخذة في التصدع و التآكل من الداخل، فالولايات المتحدة فقدت صدارتها العالمية في مجال الحقل التكنولوجي والتصنيعي والاكتشافات العلمية، كما أن مستوى التعليم الأمريكي والرعاية الصحية متدنيان، فضلا على أن قدرتها على إغراء رأس المال الأجنبي على المحك، فهي كالمرأة التي قاربت سن اليأس وتوشك أن تفقد معجبيها.
ترتكز خطة إنقاذ أمريكا على نقطتين رئيسيتين. الأولى تمس البنية الداخلية وتشمل حزمة إصلاحات لقطاعات الحياة العامة. أما النقطة الثانية (التي تعنينا) فتقضي بضرورة تخليق عدو خارجي عن طريق إعادة السياسة الخارجية إلى ملعب المحافظين الجدد؛ الجناح المتطرف للحزب الجمهوري.
في ظل حالة الإحباط التي صاحبت عهدة اوباما من انعدام توازن خارجي و ركود داخلي، اختلت كفتا ميزان التشريع الأمريكي.ومع ضعف الجناح الديمقراطي في الكونغرس ومجلس الشيوخ، أصبح من الصعب على اوباما تمرير خطة إصلاحاته الخاصة بالشأن الداخلي. المخرج الوحيد لازمته يقضي باستمالة الجمهوريين من خلال منح صلاحيات لامتناهية للمخابرات الأمريكية لمواصلة سياسة الفوضى الخلاقة والهجوم وخلق بؤر توتر خارجية تحت غطاء مكافحة الإرهاب.
تعتمد خطة اوباما على تخصيص عائدات اكبر لمجالات الصحة وتوفير فرص الشغل والتعليم والنظافة العامة في مقابل تقليل الإنفاق العام خلال العشرة أعوام المقبلة بقيمة 400مليار(1). حين تعلن أمريكا سياسة تقشف، فهناك حتما طرف خارجي مستعد لتحمل فارق النفقات ودفع ضرائب للخزينة الأمريكية، لذلك أعادت المخابرات الأمريكية إحياء العدو الإيراني لاستنزاف الخليج، فضلا عن التلويح الدائم (منذ مجيء اوباما) بسحب القوات المحتلة من العراق لكي يستجدي الخليج بقاءها ويسدد تكاليف إنقاذ اقتصاد أمريكا وحماية ظهره من الوحش الفارسي المتربص به.
إذا خطة إنقاذ الولايات المتحدة هذه المرة تستوجب إخراج المارد “الوهمي” الإيراني من القمقم عن طريق حملة إعلامية واسعة تقودها المخابرات الأمريكية. ما زالت أمريكا تجتر سيناريوهاتها المتهرئة الغير محبوكة، بالإعلان عن اكتشاف وإحباط مخطط إيراني لاستئجار عصابة مخدرات مكسيكية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير. يتضح جليا أن أسلوب إيران يختلف عن ما تم الإعلان عنه ، فالقوات الخاصة للحرس الثوري كفيلة بانجاز هكذا مهمة في سرية تامة دون الاعتماد على مشبوهين مكسيكيين (وقد أثبتت هذه الوحدات الإيرانية الخاصة براعتها الشيطانية في اقتناص إخواننا السوريين العزل المتظاهرين ضد بشار الوحش)، فضلا عن أن عملية غير بالغة الأهمية لا تستأهل تخصيص مبلغ 1,5 مليون دولار لإتمامها كما صدر عن وسائل الإعلام.
من جهة أخرى، لامتصاص الغضب الأمريكي الداخلي واحتجاجات وال ستريت، على أمريكا توحيد شعبها حول خطر محدق ببلادهم. دق ناقوس الخطر للفت الأنظار وشد الأنفاس وتوحيد الشعب الأمريكي حول عدو مشترك. فحين يعلو جرس إنذار الأمن القومي الأمريكي، يخبو صوت الاحتجاجات الداخلية. وبهذا تضمن أمريكا سلما اجتماعيا طويل الأمد من خلال نشر الرعب من عدو لا وجود له. أعلنت حالة الطوارئ على مستوى الخارجية الأمريكية تحسبا ل “مزيد من التهديدات للمصالح الأمريكية” كما تم تحذير الأمريكيين المقيمين في والمسافرين إلى الخارج لمراجعة المعلومات والأنباء المتوفرة قبل تنظيم خطط السفر. تذكرنا هذه التعبئة العامة بتلك التي تلت سبتمبر2011. اعتقدت لوهلة بان أمريكا لن تلبث أن تندم على إعلان مقتل بن لادن، وسيضطر المحافظون الجدد إلى تخليق عدو جديد من العدم، لكن أمريكا أشبه بتلك الغانية التي تحتفظ بقصاصات لكل عشاقها ولا ترمي شيئا مهما تقادم ومر عليه الزمن. إستراتيجية أمريكا للشؤون الخارجية طويلة الأمد وتمتد عمليات تخليق الأعداء النشيطين و الاحتياطيين لعقود من الزمن، كالعنكبوت ينسج شباكه بإتقان وبلا كلل، وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
لكن من الخطأ الاعتقاد بأن ترسانة أمريكا العسكرية لا تهدف إلا لخدمة مصالحها الاقتصادية، ف”تخليق العدو هو ضرورة حيوية لوجود العقيدة العسكرية للجيش الأمريكي و ليس [فقط] نتيجة لظروف اقتصادية آنية من أي نوع”(2). مع حلول سنة 1945، كانت الحرب العالمية الثانية قد حسمت والحلفاء ربحوا الحرب، لم يكن هناك أي داع لقذف قنبلتين نوويتين على بلد قد أعلن استسلامه وانتهى أمره. كان رمي هيروشيما وناجازاكي بقنابل ذرية إعلانا لمركز القوة العالمي الأوحد و استعراضا أمريكيا للرعب الذي يمكن أن تصدره للعالم إذا اقتضت الضرورة، تماما كما كان التسريب المتعمد لصور العار من أبي غريب تحذيرا أمريكيا وحشيا لكل من يجرؤ على معارضة زحفها على بترول العراق أو اعتراض وجودها في الخليج العربي.
إذا ففتح ملف إيران من جديد في هذا الوقت بالذات يتعدى مجرد الرغبة في الهاء الرأي العام الداخلي بالإضافة إلى إرضاء الجمهوريين لكي ينجح تمرير خطط اوباما في الكونغرس. السبب الآخر يتلخص في كبح فرامل حلف الناتو الذي عاد نجمه ليسطع بعد أعوام الحرب الباردة ثم الحرب على ميلوسوفيتش. هذا الدور المتنامي للناتو والتعويل الزائد عليه لحسم الأمور في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بدأ يضايق الولايات المتحدة (كشرطي أول للعالم) التي لا ترغب حتما بتحول القارة الأوروبية العجوز إلى ند عسكري لها وأحد أبطال “الربيع العربي”. لذا كان من اللازم تهديد إيران بشكل حاسم ومباشر لإثبات استمرارية سيطرة أمريكا العسكرية وقدرتها الدائمة على التدخل و توجيه الضربات الاستباقية.
الجيش الأمريكي متناثر في كل أنحاء المعمورة، وتعتبر أمريكا الدولة الوحيدة التي يفوق تعداد قواتها خارج حدودها عدد جنودها في الداخل، لسبب بسيط وهو أن البطالة وتدني مستوى المعيشة قد تدفع ملايين الأشخاص للمشاركة في حروب بالنيابة عن المجندين الأمريكيين. وتقوم شركات استثمار في البشر (مثل بلاك واتر) بتجميع البطالين و المجرمين والمرتزقة من كافة ربوع العالم، ثم تأجيرهم للجيش الأمريكي الذي يشن بواسطتهم حروبه الخارجية _كما حدث في العراق_ ويدفع ل”بلاك واتر” من عائدات النفط العراقي. الكارثة أن العراق لا يرزخ تحت براثن الاحتلال فقط، بل انه يسدد فواتير احتلاله أيضا!
في هذه المرحلة، على الخليج أن يدفع ثمن إعادة بعث العدو الإيراني القديم˗الجديد. على الخليج أن يصاب ب”بارانويا بني الفرس” وينصاع (كعادته منذ حرب الخليج) للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية للولايات المتحدة.
ولكن ألا يقال بأن احتراق آبار البترول يستوجب تفجير الآبار المحترقة، لأن الحرائق الكبرى لا تطفئها إلا انفجارات اكبر و اشد قوة؟ ألا يمكن أن يؤدي التلاعب الأمريكي المتواصل بملف الإرهاب و القرقعة المتعمدة إلى تصدع سقف الأمن الدولي وانهياره على رؤوس كل شعوب المعمورة؟
من السهل تخليق الأعداء، لكم من الصعب التحكم بتوجهاتهم و أهدافهم على المدى البعيد.
ملاحظة:
(1) البروفيسور رمضان كوزان عضو الهيئة التدريسية في قسم العلاقات الدولية بجامعة عزت بايزل˗تركيا (2) الأستاذ أحمد شوشان

بقلم: إيناس نجلاوي – خنشلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.