ولاية المدية هي واحدة من الولايات التي مسّتها هذه الظروف المناخية القاسية، تقع على بعد 88 كلم من الجزائر العاصمة، تقع على الهضاب العليا التي تختم سهول متيجة وترتفع عن سطح البحر ب 920 مترا، عُرفت بعاصمة ”بايلك التيطري”، تنقلت ”البلاد” إليها نهاية الأسبوع، بعد مرور 15 يوما لم تتوقف الثلوج فيها عن التساقط، وجدناها تكتسي حلة بيضاء على مستوى تضاريسها الطبيعية المحاذية للطريق الوطني رقم 1 الرابط بين البليدةوالمدية، الجبال والأشجار مغطاة بسمك عميق من الثلوج، دخلنا إلى وسط مدينة المدية هي الأخرى شوارعها ومدنها تكتسي الحلة البيضاء، وما لاحظناه من الوهلة الأولى هو بداية عودة الحياة إلى المدينة بعد أن أشرقت الشمس مجددا في ذلك اليوم، وخرج المواطنون لقضاء حاجياتهم والتجار إلى فتح محلاتهم وإزالة ركام الثلوج عن الأرصفة والساحات والطرقات وحالت دون تمكنهم من الخروج من منازلهم لمدة 15 يوما· هي مناظر طبيعية لم نعهدها من قبل ولأول مرة نلتقي بها، والأجمل من كل ذلك أن هذه المدة كانت كافية لتُبرز عمق مشاعر الجزائريين المليئة والمشعة بروح التضامن والتآزر التي تختلج قلوبهم، حيث سمحت هذه الظروف المناخية الصعبة بتفجير عواطفهم تجاه بعضهم البعض، وإعادة الثقة إلى نفوسهم والأهم من ذلك توطيد علاقاتهم مع مؤسسات وأجهزة الدولة خاصة مصالح الأمن، التي لم تتركهم يعانون وحدهم في هذا المناخ القاسي والبرد القارس، ووجدوا العناية والاهتمام ويدّ المساعدة في كل الجوانب · إجراءات استثنائية وإعلان حالة التأهب لمصالح الدرك والشرطة قبل بداية التقلبات الجوية ”لم تكن تلك الوضعية متوقعة، تلقينا نشرية خاصة للديوان الوطني للأرصاد الجوية تفيد بتساقط كميات الثلوج، ووضعنا مخططات خاصة تحسبا لأية طوارئ، لكننا لم نكن نترقب ما حدث، قرى ومدن عزلتها الثلوج بعد أن بلغ سمكها أزيد من مترين ووصل في بعض المرتفعات إلى ثلاث أمتار”، هي عبارات أجمع عليها كل من مسؤولي أمن ولاية المدية· الروبورتاج الذي أردنا من خلاله إبراز جميع الجهود الإنسانية التي بذلتها تلك المصالح الأمنية من أجل سلامة وحماية المواطنين وإنقاذهم من الخطر، وتثمينها، وكانت البداية مع المسؤول الأول على رأس أمن ولاية المدية عميد الشرطة رمضاني عبد العزيز الذي خصّنا بلقاء، حيث أكد لنا أنه ”مباشرة بعد تلقي النشرية الخاصة للأرصاد الجوية، وعملا بتعليمات القيادة بالمديرية العامة للأمن الوطني، تم عقد اجتماعات لتحديد الإجراءات الاستثنائية خلال هذه الفترة بغية توفير الأجواء الأمنية الملائمة، ذلك من خلال تجنيد واستدعاء جميع عناصر الشرطة التابعين لأمن الولاية، مع تسخير كل الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة ووضعها تحت تصرف المواطن وكل الهيئات التي تحتاج إليها، مع تنظيم اجتماعات مصغرة يوميا لتحسيس أفرادها قبل إسناد المهام إليهم والعمل في كل الظروف والأحوال لتشريف صورة جهاز الشرطة· تنقلنا إلى المجموعة الإقليمية للدرك الوطني والمجموعة الولائية للدرك الوطني بالمدية هي الأخرى كانت وحداتها في مستوى هذه الأزمة منذ الوهلة الأولى، هذا ما لمسناه ميدانيا وما أكده لنا قائد المجموعة المقدم قريش بوزيان في لقاء معه، حيث تم وضع جميع وحدات المجموعة في حالة تأهب قصوى، بتجنيد 56 فرقة إقليمية، مجموعتين للتدخل وعناصر سرية أمن الطرقات وأيضا عناصر ثلاث فصائل للأمن والتدخل، وإيفاد ضابط من المجموعة ليكون ضمن طاقم خلية الأزمة التي شكلها والي الولاية، وبعد ذلك تم إنشاء تشكيلات من رجال الدرك للعمل بالتنسيق مع مصالح الحماية المدنية والأشغال العمومية، مجهزين بكل الوسائل التي من شأنها السماح بإزالة الثلوج على غرار الجرافات، وذلك في كل من الطريق الوطني رقم 1 الرابط بين البليدةوالمدية، رقم ,8 رقم 62 بحناشة، 18 بحربيل، وغيرها، لتباشر عملها فيما بعد مباشرة بعد بداية تساقط الثلوج· قوات الشرطة تقف وقفة رجل واحد لحماية المواطن والتضامن مع المتضررين ومن بين المهام التي تكفلت بإنجازها قوات الشرطة على غرار مصالح الدرك وبالتنسيق مع مصالح الحماية المدنية، التكفل بإسعاف المرضى وتحويلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج، نقل وتحويل الأشخاص في حالة خطر معنوي، ومدّ يدّ المساعدة للمصالح الأمنية الأخرى، وذلك من خلال الرقم الأخضر 15.48 و17 للشرطة، الذي لم يتوقف في طلب الإغاثة لدى مصالح الشرطة للتدخل وإغاثتهم، حيث في هذا الخصوص استقبلت قاعة العمليات على مستوى أمن الولاية 2219 مكالمة عبر الرقم الأخضر ,17 و3970 مكالمة عن طريق الرقم ,15.48 وإثر ذلك تم تسجيل 613 حالة تدخل ميدانية منها 269 تدخلا لمد يد المساعدة لإسعاف وتحويل المواطنين المرضى مد يد المساعدة لمصالح البلدية، الأشغال العمومية، النشاط الاجتماعي والحماية المدنية ومستعملي الطرقات، 104 تدخلات للقيام بعمليات حفظ النظام في نقاط بيع وتوزيع غاز البوتان وأيضا المخاب، وتدخلات أخرى شملت التدخل في إطار حفظ النظام إثر تجمعات واحتجاجات المواطنين بسب ندرة قارورات غاز البوتان والمواد الاستهلاكية وانقطاع التيار الكهربائي، إضافة إلى إنقاذ أشخاص إثر انهيار سكنات وغيرها بسبب الثلوج إضافة إلى 200 عملية حماية ومرافقة لشاحنات نقل وتوزيع قارورات غاز البوتان، وكذا فتح الطرقات والمسالك بالإمكانيات الخاصة بأمن الولاية وكذلك التنسيق مع المصالح المعنية· 650 وجبة قتالية ومرافقة ”ناس الخير” لتوزيع وجبات ساخنة وفي الإطار نفسه، وتحت شعار قافلة إنسانية للأمن الوطني، تنفيذا لتعليمات المدير العام للأمن الوطني للوقوف إلى جانب المواطنين في هذه الظروف، وإثرها تم تجنيد لهذه العملية كل الإمكانيات المادية والبشرية وتخصيص وجبات قتالية للمعوزين والفقراء المتضررين من العاصفة الثلجية، نظمت مصالح الأمن أزيد من 14 ليلة إلى مختلف المناطق بحثا عن هؤلاء، وتم في هذا الخصوص توزيع 650 وجبة قتالية على مستوى قطاعات الاختصاص التي عرفت تضررا كبيرا، حيث زار عناصر الشرطة العائلات المعوزة والفقيرة التي تعيش ظروفا مادية متدنية، على مستوى أحياء طحطوح، حي مقدم بن يوسف، حي 15 ديسمبر وحي تيبحيرين، حي رأس قلوش، قرية عبوشة ببلدية ذراع السمار وغيرها من الدوائر· إلى جانب ذلك، تدخلت مصالح الشرطة لمرافقة أعضاء ومتطوعي جمعية ”ناس الخير” الشبابية التي أبدت هي الأخرى التضامن مع المتضررين في مثل هذه الظروف، من أجل توزيع وجبات ساخنة خاصة للعائلات الفقيرة والمعوزة التي كانت الطرقات المؤدية إليها مقطوعة بسبب الثلوج، وذلك بتسخير لهم سيارات المصلحة الرباعية الدفع من أجل الوصول إلى تلك الأماكن، ولقيت هذه المبادرة استحسانا كبيرا وترحيبا من قبل سكان الأحياء المتضررة والمجتمع المدني، مشيدين بهذه الوقفة الإنسانية لمصالح الأمن ووقفتهم رجلا واحدا في ظل هذه الظروف، مما عزز روح التضامن وأواصر الثقة بين الطرفين· رجال الدرك في مهام شبه مستحيلة للولوج إلى المناطق المعزولة بالثلوج في مهمة أقل ما يُقال عنها أنها شبه مستحيلة خاصة في الأيام الخمسة الأولى من بداية تساقط الثلوج وبكثافة على جميع مرتفعات ولاية المدية، استطاع رجال الدرك باستعمال الوسائل المادية الثقيلة وحتى الوسائل التقليدية الدخول والوصول إلى أكثر المناطق عزلة لإنقاذ حياة المواطنين ومدّ لهم يدّ المساعدة، وكانت أقصى نقطة بلغوها هي منطقة ”الغرارقة” بوزرة التي بلغ سمك الثلوج على طريقها غير المصنف علّو 3 أمتار، واستدعى إعادة فتحه للوصول إلى السكان 5 أيام كاملة باستعمال جميع الوسائل من جرافات ووسائل تقليدية بسواعد الدركيين وموظفي الأشغال العمومية· كما تمكن الدركيون الوصول إلى أقصى القرى المعزولة على غرار منطقة الحوضين، الميهوب، العيساوية، بعطّة، وزرة، أولاد إبراهيم، بن شيكاو، بوعيشون، بوعشيرة، سي محجوب التي تجاوز سمك الثلوج فيها المترين، وكانت الأكثر تضررا، إلى جانب قرية صنهاجة ببلدية سي محجوب، وبوعيشون، هذه الأخيرة استدعى الوصول إليها قطع الوادي الذي تجمد لتقديم المؤونة ل 50 عائلة كانت محصورة بين الثلوج· عائلات الدركيين بالفرق الإقليمية تؤوي الأسر والعائلات المتضررة تحولت مهام عناصر الدرك في مكافحة اللصوصية إلى مهام إنسانية، وتجسّدت أروع صور هذه الروح الإنسانية، في مبادرة لعائلات رجال الدرك الذين أبوا هم الآخرون المساهمة في رفع هذه المحنة، حيث لجأت إلى إيواء عائلات بأكملها من عابري السبيل ومستعملي طرقات الولاية كانت الثلوج قد حاصرتها، ولمسنا ذلك على مستوى كل من إقامات عناصر الدرك في الفرق الإقليمية للدرك الوطني بكل من وزرة، بن شيكاو، والحوضين وحناشة· المساجد تؤوي 3000 مواطنمن عابري السبيل بعد أن تجاوزت مراكز الإيواء التي وضعتها الولاية لمثل هذه الظروف، طاقة استيعابها، تدخل والي الولاية وطلب من مديرية الشؤون الدينية، فتح عدد من المساجد لإيواء عابري السبيل والمواطنين المتضررين، حيث تم في هذا الخصوص إيواء 3000 مواطن لمدة خمسة أيام كاملة في مراكز الإيواء على عاتق السلطات الولائية، وذلك في كل من بن شيكاو ووزرة، تحت حراسة أمنية تضمنها عناصر الدرك الوطني لتأمين المواطنين· كما استدعت حالة وقوع حافلة لنقل المسافرين على مستوى الطريق الوطني رقم 2 قادمة من وهران إلى بجاية وعدة سيارات خفيفة، تجنيد جميع الوسائل لمدة يوم كامل من أجل إعادة فتح الطريق مع تقديم كل المتطلبات للمسافرين· نساء حوامل ومرضى القصور الكلوي يُنقلون على متن سيارات الدرك للمستشفى في الإطار نفسه، واجه مرضى القصور الكلوي الذين تستدعي حالاتهم الخضوع اليومي للعلاج، صعوبة في التنقل إلى المستشفيات، مما جعلهم يستنجدون بمصالح الدرك عبر الرقم الأخضر ,10.55 وعلى الفور تم الاستجابة لندائهم بإرسال وحدات إلى العنوان المطلوب، ونقل المريض إلى المستشفى، منها 21 حالة من هذا الخصوص، وبعد تأزم الوضع تدخل والي الولاية وطلب التكفل بهم وإبقاءهم في المستشفيات إلى غاية تحسن الوضع الجوي· كما نقلت مصالح الدرك عدة نساء حوامل على متن سياراتهم في بعض المناطق المعزولة إلى المستشفيات، حيث تم إنقاذ حالتين بكل من بلدية بعطّة وراس الكاف، وتكللت هذه التدخلات السريعة بوضع موالدهن في الوقت المناسب· 520 مساعدة غذائية للمناطق المعزولة بدروها خصصت المجموعة الإقليمية للدرك الوطني بالمدية، 160 مؤونة وُجهت في المرحلة الأولى لعدة قرى على غرار قرية الغرارفة، رأس قلوس وبعطّة وغيرها تحتوي على مواد غذائية كاملة، وشملت المرحلة الثانية 360 مساعدة إلى سكان تيبحيرين، عين العرايس، سطارة ورأس قلوش، و50 مساعدة إلى قرية صنهاجة وأولاد إبراهيم وبن شيكاو وغيرها· وأحصت مصالح الدرك الوطني بذلك أزيد من 1718 تدخلا عبر الطرق وفتح مسالك الطرقات و5047 تدخلا لحماية الأشخاص، وذلك عن طريق الرقم الأخضر 10.55 الذي حطم رقما قياسيا في عدد المكالمات خلال هذه الأزمة·