«أنا رئيس... سأحترم الفرنسيين وأقدرهم.....»، بمثل هذه العبارات الحاسمة التي رددها خمس عشرة مرة متتالية ختم مرشح الحزب الاشتراكي حديثه خلال المناظرة... التي جمعته بالرئيس المنتهية عهدته نيكولا سركوزي مرشح ال«أوأم بي» اتحاد الحركات الشعبية يوم الخميس الماضي. والتي بثتها القنوات الفرنسية والأوروبية حيث كانت هذه المناظرة بمثابة المنعرج الأساسي، حيث بدا من خلالها واضحا للكثير من المتتبعين مال الدور الثاني للرئاسيات الفرنسية الذي ستجري وقائعه اليوم. حيث تمكن فرنسوا هولاند المترشح الاشتراكي من السيطرة على مختلف محطات المناظرة ولم يدخر أدنى جهد في الإطاحة بمنافسيه الرئيس سركوزي مذكرا بإخفاقاته العديدة في السياسة والاقتصاد والتسيير الداخلي خلال المخطط الخماسي الذي قاده مند تواليه الحكم عام 2007. حيث اعتمد هولاند على أرقام دقيقة كما تطرق إلى الشؤون الاجتماعية والجبائية التي أدت بفرنسا إلى أزمة غير مسبوقة. كما رافع هولاند من أجل «التغيير» الذي يراه ممكنا في الظروف الراهنة التي تميز فرنسا اليوم، وشرح هولاند مرة أخرى برنماجه للفرنسيين بأفكار واضحة ومقنعة دون التستر والتهرب بلغة مطمئنة ميزته على نظيره. فرض هولاند من جهة أخرى الاحترام بهيئته واستعاد الثقة لدى الفرنسيين حيث استطاع خلال المناظرة أن يطمئن الناخبين ويترك في أنفسهم بصمة الرؤساء التى سبقوة إلى الإيليزي أمثال متيرون وشيراك. أما مرشح اتحاد الحركات الشعبية «اوام بي» فبدا مرتبكا لا يهمه إلا «إعادة ترشحه لعهدة ثانية...» حاول نيكولا سركوزي عدة مرات تفادي اتهامات هولاند مشيرا بدوره الاتهام إلى كون مناظره «لا يعرف جيدا أوروبا» وكرر القول إن «اليوم العالم مفتوح» ولم يستطع سركوزي أن يذكر أو يدافع عن برنامجه السياسي في حالة ما إذا انتخب لعهدة ثانية. لقد كانت الأزمة الاقتصادية التي تسود حاليا في أوروبا قلب النقاش بين الخصمين السياسيين. أحصيت بدقة الشؤون الاقتصادية والتسيير الداخلي والشؤون الاجتماعية من طرف هولاند الذي أعطى اهتماما كبيرا لملف التربية والتعليم حيث وعد الفرنسيين بإعادة نظام أسبوع العمل بثماني عشرة ساعة لموظفي القطاع عوضا عن ست وعشرين ساعة المفروضة في عهدة ساركوزي، ووعد أيضا بالنهوض التدريجي ل80.000 منصب شغل الملغاة في القطاع. كانت الهجرة أيضا من ضمن الملفات الساخنة التي تناولها المرشحان حيث انتقد هولاند نظيره ساركوزي على قضية «الإسلاموفوبية» قائلا «كيف تعتبر أن 200.000 مهاجر سنويا إلى فرنسا جلهم مسلمون...» وارتبك ساركوزي من هذا السؤال وذهب في نظرية لم يعرف لها منطقا «نريد إسلام فرنسا ولا نريد الإسلام في فرنسا»... بعدها أكد هولاند على ضرورة احترام معايير الدولة وقوانين الجمهورية المفروضة على كل من يقصد أرض فرنسا. وفي ملف السياسة الخارجية أشار ساركوزي إلى التوترات التي تسود منطقة الساحل الصحراوي حيث ذكّر بموقع الجزائر الإستراتيجي ولكونها مستعمرة سابقة عليها أن تلعب دورها «الطبيعي» في حماية الحدود مع السنغال ومالي وموريتانيا. خرج فرنسوا هولاند مؤهلا للدور الثاني للرئاسيات بمعنوية قوية ومعرفة دقيقة للملفات الدولية والجمهورية وباحترام القوانين والدقة السياسية الملحوظة. ومن الطبيعي أن يسانده المرشح ميلونشون، لكن المفاجأة جاءت من فرنسوا بايرو الذي ناشد أنصاره بالإدلاء بأصواتهم للمرشح الاشتراكي في الدور الثاني. ولا ننسى أن إيفا جولي مناضلة الخضر هي الآخرة تلحق الموكب الانتخابي لصالح هولاند. ولم يسمح الزمن ولا الرغبة في التصور ل«خرجة مشرفة» من المناظرة الضيقة التي خنقت نيكولا سركوزي وستؤكد للفرنسيين شعورهم بالمسخرة الكبرى التي عاشها منذ 2007. «أنا رئيس...» ويبقى السؤال مطروحا من سيكون رئيسا إلى غاية أمسية اليوم.