لا بد للحياة السياسية السليمة في الجزائر من بروز طبقة سياسية فعلية تحمل مشاريع حقيقية للحكم، فلا يمكن أن نضفي الصفة الديمقراطية على نظام سياسي يستعمل في كل مرة أشباه أحزاب «des pseudo-partis» لتمرير أطروحاته بتخريجات وأشكال «ديمقراطية». إن المؤسسة الحزبية هي في قلب الإصلاح الديمقراطي المنشود، فهي عندنا بغض النظر عن توجهها الفكري نشأت مشوهة في بيئة سياسية بعيدة كل البعد عن أجواء الحرية والديمقراطية، نشأت في بيئة يطبعها الاحتكار والإقصاء وعدم احترم للحقوق والحريات. فأصبحت هي بحد ذاتها نموذجاً مصغراً لحالة الفساد السياسي وللنظام السياسي القائم باعتمادها على الأساليب والطرائق نفسها التي يعتمدها النظام. ولا فرق هنا بين الكثير منها بغض النظر عن مشاربها الفكرية، فالكل خرج من قالب واحد ووحيد أعطى شكله للجميع دون ظلم في هذه الحالة فقط. فلا بد إذن لنا أن نبدأ من البداية، ولا بد أن نبدأ من إصلاح الذات قبل محاولة إصلاح الغير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). إن الأغلبية الغالبة للأحزاب السياسية في طبعتها الحالية لا يمكن لها أن تشكل الأمل المنشود للجماهير العريضة لأبناء شعبنا، ولا يمكنها حمل البديل الديمقراطي إلى الحكم، لأنها بكل بساطة فاقدة للمصداقية لأنها لا تتمثل الديمقراطية سلوكاً وممارسة داخلها، فبدلا من أن تكون أداة للحل، صارت هي ذاتها جزءاً من أزمة البلاد. لقد أضافت الجزائر إلى دكتاتورية الحزب الواحد دكتاتوريات مصغرة (des mini-dictatures) اسمها «أحزاب». إن أغلبية الأحزاب العاملة في الساحة الوطنية أبوابها موصدة في وجه الكفاءات الوطنية الوافدة وبخاصة الشابة منها، وذلك لغلبة فكر المغانم داخلها، فأصبحت تشبه آلة الطرد المركزي «centrifugeuse» التي تطرد كل من ثقل وزنه ويلتصق بها ويدور حول محورها كل من خف وزنه. فلا أمل لتلك الكفاءات في أحسن الأحوال بالظفر إلا بمكان في المقاعد الخلفية. أما تقلد المسؤوليات فقد تفنى أعمارهم في قاعات الانتظار دون جدوى. إن المعيار في التقديم والتأخير عند الأحزاب اليوم ليست الكفاءة والفعالية والنضال، وإنما المعيار هو الولاء للأشخاص فقط، وكن بعد ذلك من تكون. لقد أصبحت الأحزاب اليوم مرتعاً للانتهازية، وشجع على ذلك الوضع القانوني للأحزاب مما أنتج سلوكيات مسيئة للجزائر دولة وشعب. لقد أصبحت الأحزاب عبارة عن مستثمرات ذات الشخص الوحيد بأتم معنى الكلمة، حيث الربح فيها مضمون ومعفى من جميع الرسوم والضرائب. هذا بالنسبة لعموم الطبقة السياسية. أما التيار الإسلامي فلا يختلف حاله كثيراً، فقد استطاع بعض من تصدروا العمل الإسلامي من تحويل التنظيم إلى فرقة سياسية «une secte politique» يصبح موضوع «الولاء» الذي يفترض أن يكون للإسلام والأمة والمشروع، إلى ولاء جاهلي لأشخاصهم لتثبيت سلطانهم باسم الدين والشرع. فمن خالفهم في رأي أو موقف أو وجهة نظر يكون قد خالف الإسلام والشرع، مما يستوجب التوبة والاستغفار والعدول عن الرأي والموقف إلى رأي وموقف الزعيم، يدعون بذلك العصمة لأنفسهم، ويضفون القدسية على أفعالهم وأقوالهم وكأن الحقيقة المطلقة ملك يمينهم، ويجعلوا من أنفسهم مشروعا يتفانى في تمجيده الجميع، وتُفنى في خدمته الأعمار. فلا بد إذاً من إصلاح المؤسسة الحزبية أولا قبل مباشرة أي إصلاح آخر، لاعتبارها أداة كل إصلاح في النظام الديمقراطي المنشود، ففي غياب أجواء الحرية والديمقراطية داخل الأحزاب، فإنه لا أمل في بروز طبقة سياسية حقيقية تضطلع بمهمة تأطير المجتمع وحمل تطلعاته على مستوى الدولة، ففاقد الشيء لا يعطيه، وإصلاح الذات بداية كل إصلاح.