وتحدثت مصر عن نفسها لأوّل مرّة بعد مخاض عسير، فأسفر المخاض المؤلم عن مولود بهيِّ الطلعة، أصيل الانتماء، نموذجي الاقتداء، اسمه الوطن المصري. فعلى أصوات التهليل والتكبير، من جماهير التّغيير، في ميدان التحرير، خرج إلى الوجود المصري، رئيس منتخب، ظلّ بعد عقود من الزمن، هو الأمل المرتقب. وبطَلَ ما كانوا يعملون، فلم تُجد المناورات، والمؤامرات، وليُّ القوانين والعبارات، فانتصرت الصدور المؤمنة العارية، على مختلف الأسلحة الظاهرة، والخافية، وأُعلِن عن فوز الرئيس محمد مرسي، بعد رحلة طويلة من المعاناة والعناء، وبعد ألوان من السجون والشقاء. يدخل القصر الرئاسي إذن الدكتور محمد مرسي، لا محمولاً على الدبابات، والمدافع، ولا تزّيِن كتفه الأوسمة والنياشين، وألوية المجامع، بل إنّه يدخل القصر حاملاً معاناة وآلام الجماهير بجسم مثخن بالجراح وماض مثقل بالتقارير. سبحانك اللّهم، ناصر المستضعفين، تدخل من تشاء، وتخرج من تشاء، تعزّ من تشاء، وتذِّل من تشاء، تدخل السجين وتخرج السّجان، وتذِّل الحاكم، وتعزُّ المحكوم، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير. إنّها إرادة الله المستوحاة من إرادة المستضعفين، وتلك هي سنة الله، التي كتبت في أقدارها أن تنصر المظلوم، ولو بعد حين. بهذه المؤهلات النّفسية، والشعبية دخل محمد مرسي، يخطى وئيدة تعزز جانبه، ثقافة جامعية عالية، حصل عليها من أعرق الجامعات التي تعلّم وعلّم بها، ليضرب المثل على أنّ لِبَابِ الحرّية الحمراء مفتاحا مخضبا بالدماء، وبالدموع، ومصنوعا أيضًا من العلوم والثقافة، لابدّ لمن رام ولوج باب الحرّية، أن يحصل عليه. وإذن، فسيجد ضيف القصر الرئاسي الجديد عالمًا من الأشياء الثمينة اللامعة، ومن اللآلئ والجواهر الضائعة، وسيصطدم بالحرير والفراش الوثير، ولكن أصوات الأذان التي ستدخل من نوافذ وشبابيك القصر، سيكون لها وقع خاص، وصدى خاص. إنّها أصوات ستملأ آذان الرئيس الجديد بأصداء التحدّيات الجديدة التي ستواكب خطوه وستحاصر نومه في كلّ مكان وفي كلّ زمان، وإنّ من أهمّ التّحدّيات التي ستواجهه: 1 ملء الأرض عدلاً، بعد أن ملئت جورًا، ففي جنبات القصر وغير بعيد منه، أصوات الثكالى والأيامى، واليتامى والمعذبين، تتعالى بالدعاء إلى ربِّ السماء أنْ يا سماء نحن بلا آباء… نحن كأوراق الخريف في الفضاء. 2 ملء البطون الجائعة، التي تعدُّ بالملايين بعد أن سطا على عيشها حفنة من الانتهازيين، والانتفاعيين، ممن استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، فكانوا من العوائق التي حالت دون وصول الدكتور محمد مرسي إلى القصر. 3 إعادة الثقة بمصر من أبنائها ومن غيرهم، حتى يعيدوا الأموال المهربة منها إليها، ولكي يستثمروا في أرضها الخصبة، وجماهيرها الحبيبة، في كنف الحرّية والعدل، والاستقرار… 4 نصرة قضايا المظلومين وفي المقدمة قضية فلسطين، التي جثم الظالمون على أنفاسها، بعد تواطؤ من حكام مصر، وذوي المصالح، الذين باعوا البلد، فاستعصى عليهم بيع (ميدان التحرير) الذي ظلّ ينبض بحياة مصر وحبِّ النصر… وإذن، فإننا إذ نهنئ من الأعماق أوّل رئيس منتخب لمصر، فإنّنا، نشفق عليه من التحدّيات التي ستواجهه، ونطمئنه بأنّ القوّة الحيّة الحقيقية من أبناء مصر وأبناء العروبة والإسلام، ستقف إلى جانبه، ونذّكره في هذا المقام بحكمة الشاعر العربي أحمد مطر: إذا الصبح صحا عندما أيقظته قام بإطفاء الضحى.