دخلت الدبلوماسية الجزائرية في سباق مع الزمن، لبذل جهوده حثيثة في كافة الاتجاهات ومع كامل الأطراف لاستدراك ما يمكن استدراكه والحلول دون حصول تدخل عسكري أجنبي في شمال مالي، خصوصا بعد تصاعد المخاوف والتصريحات من أن الحل العسكري أصبح وشيكا للغاية. وقد شكل الوضع في منطقة الساحل محور لقاء ثنائي جمع وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي بالأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، حيث تحادث الرجلان أول أمس على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول قضايا الأمن في الساحل الإفريقي، وفي مالي على وجه الخصوص، الذي تعصف به أزمة سياسية وأمنية وإنسانية حادة منذ شهور عديدة. وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد أبدى خلال المناقشات المفتوحة في الجمعية العامة تخوفاته من تدخل عسكري في مالي، والذي «قد تكون له تداعيات إنسانية خطيرة» حسب بان كيمون، «بما فيها نزوح جديد للسكان وانحسار وصول المعونات الإنسانية»، كما أعلن أنه سيعين مبعوثا خاصا للساحل، سيكلف بإنهاء إستراتيجية الأممالمتحدة المدمجة الخاصة بمنطقة الساحل، من أجل السهر على توحيد النشاطات التي تقوم بها مختلف هيئات الأممالمتحدة، والمساعدة على تعبئة الدعم والموارد الضرورية. من جهة أخرى، استقبل الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، عبد المالك قنايزية، أمس الأحد العميد القائد الأعلى لقيادة القوات المسلحة الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم) الجنرال كارتر هام، وقد تمحورت المحادثات حول المسائل ذات الاهتمام المشترك، لاسيما الوضع في بلدان الساحل. وسبق لضيف الجزائر أن تحادث أول أمس مع الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل، حيث تطرق الطرفان إلى حالة «الوضع بمنطقة الساحل وخاصة الأزمة في مالي وآفاق حلها»، حسب بيان لوزارة الشؤون الخارجية، وعرض مساهل مجدّدا المقاربة الجزائرية من أجل استتباب الأمن والاستقرار بمالي، والتي تقوم على البحث عن حل للأزمة في مالي وعلى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بين دول الميدان والشركاء الدوليين. وتندرج زيارة رئيس أفريكوم إلى الجزائر في إطار المشاورات المنتظمة بين البلدين، عشية دورة الحوار الاستراتيجي بين الجزائروالولاياتالمتحدة التي ستعقد بواشنطن يوم 19 أكتوبر المقبل، حسب ما أعلنت عن ذلك وزارة الخارجية، إذ يرتقب أن تكون العلاقات الأمريكيةالجزائرية على المستويات الأمنية والعسكرية، من بين أهم المحاور التي سيتم تناولها خلال لقاء واشنطن بالنظر إلى التحديات التي تعرفها منطقة الساحل ورغبة واشنطن في تدعيم الدور الجزائري المحوري، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، بعد تنامي التهديدات التي تمثلها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وعدة تنظيمات مسلحة على المصالح الغربيةوالأمريكية بالخصوص، على امتداد منطقة شمال إفريقيا والساحل والقرن الإفريقي وحتى شرق وغرب إفريقيا الغنيتين بالمحروقات والثروات المعدنية. وقد كثفت الجزائر من تحركاتها الدبلوماسية وتوظيف كل «أوراقها التفاوضية» للحيلولة دون أي قرار أممي للتدخل العسكري في شمال مالي، خاصة مع تمسك فرنسا بمثل هذا الخيار في ظل رئاستها الدورية لمجلس الأمن منذ شهر أوت الماضي، ودعوة دول «الإكواس» المجتمع الدولي لتقديم دعم لوجستيكي لقواتها العسكرية استعدادا للتدخل المباشر في المنطقة، لكن مساعي فرنسا وحلفائها الأفارقة فشلت حتى الآن في نيل ثقة الأمريكيين، فضلا عن الصين وروسيا باعتبارهم أعضاء دائمين في مجلس الأمن، ولا يمكن تجاوز موقفهم بهذا الشأن. كما أن فتح قنوات التفاوض والاتصال بين سلطة باماكو وحركة الأزواد في الشمال، إضافة إلى فك ارتباط هذه الأخيرة مع الجماعات المسلحة وإبداء استعدادها العسكري لمواجهة ميلشياتها في حال ما وجدت السند المادي، ربما قد يعيد ترتيب الأوضاع في المنطقة بأخف الأضرار، ويخلط أوراق سيناريوهات التدخل الأجنبي الذي سيلهب المنطقة برمتها وفق تقديرات الخبراء الأمنيين. القائد الأعلى لقيادة «أفريكوم يصرح بالجزائر: أمريكا مع حل «سياسي ودبلوماسي» للأزمة المالية صرح الجنرال كارتر ف. هام القائد الأعلى لقيادة القوات المسلحة الأمريكية بإفريقيا (أفريكوم) أمس الأحد بالجزائر، بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية تؤيد إيجاد حل «سياسي ودبلوماسي» للأزمة التي تهزّ شمال مالي منذ عدة أشهر. وخلال ندوة صحفية نشطها أمس بمقر سفارة الولاياتالمتحدةبالجزائر، أكد الجنرال هام «إن البديل الوحيد الذي لا يجب أن يكون هو الوجود العسكري الأمريكي في شمال مالي». وأضاف المسؤول أن «أحد الجوانب الأساسية في تسوية الأزمة المالية يكمن في التمييز بين المجموعات المسلحة بالمنطقة وتحديد تلك التي تعتبر إرهابية من التي هي ليس كذلك». وبالمناسبة، نوّه الجنرال الأمريكي ب«الحضور الفعال جدا» للجزائر، لا سيما بفضل المساعدة الإنسانية التي تقدمها للسكان اللاجئين بالمنطقة، على حد قوله.