عرض وزير العدل حافظ الأختام, بلقاسم زغماتي, أهم محاور خارطة طريق قطاع العدالة في إطار مخطط عمل الحكومة, والتي تهدف إلى “تحسين نوعية العمل القضائي ومردوديته” و”حماية استقلالية القاضي ونزاهته”. وتطرق زغماتي في كلمة له بمناسبة افتتاحه أشغال اجتماع رؤساء ومحافظي الدولة لدى المحاكم الإدارية, اليوم، إلى خارطة طريق القطاع في إطار مخطط عمل الحكومة تنفيذا لبرنامج رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, والتي تهدف إلى “تحسين نوعية العمل القضائي ومردوديته من خلال السعي إلى إعادة النظر في منظومة توظيف وتكوين القضاة مع الأخذ بعين الاعتبار التركة الثقيلة السابقة واستشراف المستقبل فيما يخص الاحتياجات المتجددة لقضاء ذي نوعية يحمي الحقوق ويضع حدا لأشكال التعسف”.
كما ترمي إلى “تصنيف الجهات القضائية وإعادة النظر في الخريطة القضائية”, باعتبارها “إحدى الاهتمامات الرئيسية, نظرا لما تنطوي عليه من ترشيد لاستعمال الموارد البشرية من قضاة وأسلاك أمانة الضبط والأسلاك المشتركة والحدّ من النفقات غير المستوجبة”. وفي سياق ذي صلة, اعتبر وزير العدل أن “مراجعة القانون الأساسي للقضاء والقانون الذي يحكم المجلس الأعلى للقضاء ومدونة الأخلاقيات تشكل الوجه الآخر للرؤية الخاصة بقطاعنا”, كاشفا أن خارطة الطريق تتضمن في هذا الجانب “استحداث آليات تحمي استقلالية القاضي ونزاهته وتعترف له بمركزه الاجتماعي”, مستطردا بالقول أنه “إذا كانت استقلالية القضاء تضمن تحرر القاضي من العديد من المعوقات, هنالك معوقات أخرى ناتجة عن الترسانة التشريعية والتي أثبتت الممارسة أنها تحول دون عدالة ذات نوعية”.
وأوضح زغماتي أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية, الذي “نعتزم إجراء مراجعة له في عدة جوانب يتصدر هذه النصوص”, كاشفا أنه أشرف “يوم 10 مارس 2020 على تنصيب عدة أفواج عمل, منها الفوج المكلف بمراجعة هذا القانون”, والذي يتمتع ب”كل الصلاحيات ليقترح ما يراه مناسبا”, وطلب من رؤساء الأفواج “إنجاز العمل المطلوب إنطلاقا من الواقع الجزائري مع الاستفادة من تجارب غيرنا ومن التشريع المقارن بأنظمته المتنوعة”, إلى جانب “توسيع الاستشارة لتشمل المهن القانونية وشركاء العدالة والجامعيين والمؤسسات ذات العلاقة”, معربا عن ترحيبه “بكل مساهمة”.
وأكد الوزير على أهمية مراجعة هذا القانون, مشيرا إلى أن “الإحصائيات المتوفرة للفترة من سنة 2015 الى 2019 تؤكد بشأن عدد القضايا المفصول فيها أن الأحكام الصادرة بعدم قبول الدعوى شكلا ورفض الدعوى في الموضوع وصلت نسبة 64ر50 بالمائة (30776 قضية), كما أن الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع وصلت بدورها نسبتها 14,21 بالمائة (8634 قضية), ونتيجة لذلك فإن نسبة الأحكام الصادرة في الموضوع غير رفض الدعوى لم تتعد 35,15 بالمائة وهي نسبة ضعيفة للغاية”.
وثمن وزير العدل “الضمائر الحية لدى الكثير من القضاة الذين طالبوا بتعديل أحكام هذا القانون في جانبها المتعلق بالإجراءات الشكلية المؤدية لصدور أحكام بعدم قبول الدعاوى”, مؤكدا أنه “يشاركهم هذا الرأي, وهو ما يسعى إلى تحقيقه”.
وقال في ذات الشأن أن “وجوبية ترجمة الوثائق الصادرة بغير اللغة العربية إجراء يتناقض مع الواقع الجزائري الذي لا تزال تستمر فيه المؤسسات العمومية في إصدارها بغير اللغة العربية”, متسائلا : “هل من المنطق إلزام المواطن, الخصم مع الإدارة, ترجمة الوثيقة التي أصدرتها هي والدفع بها في مواجهتها, فضلا عن ذلك فإن ترجمة عدد كبير من الوثائق كما هو الحال عليه في بعض القضايا, يقتضي مصاريف غير متناسبة تتناقض مع مبدأ مجانية التقاضي”.
وفيما يخص المحاكم الإدارية, فإن رؤية القطاع تنطوي ،حسب الوزير، على “العصرنة الواسعة لأدوات التسيير”, حيث تحتل في ذلك “رقمنة الملف القضائي المكانة المرموقة”, لذلك طلبت الوزارة من رؤساء ومحافظي الدولة لدى المحاكم الإدارية “تقييم وضعية عصرنة العمل القضائي في المحاكم الإدارية تمهيدا لتعميم هذه الرقمنة”.
وأوضح وزير العدل أن الأمر “لا يتعلق بإدخال وظائف أو آليات جديدة جزئية لتسيير الملف القضائي, إنما يتعلق بمنظومة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع احتياجات القاضي والمتقاضي والدفاع والإدارة القضائية, تمتد حدودها وفقا للتصور الذي سيعد مع المصالح التقنية للوزارة, إلى درجات التقاضي المختلفة”, مضيفا أن هذا التصور “يأخذ بعين الاعتبار تطور الممارسات في العالم ضمن الحدود التي تسمح بها التكنولوجيا المتوفرة”.
وفي هذا الصدد, طلب زغماتي من المجتمعين “الاستعداد لهذه المرحلة”, مؤكدا أنه يعول في ذلك على “التزامهم الشديد واقتناعهم الأكيد بجدوى هذا المسعى وضرورته”.
وقال زغماتي إن من أوجه حماية الدولة الاجتماعية “المساهمة في محاربة الفساد في إطار الآليات التي يوفرها القانون”, مذكرا أنه سبق له منذ شهر اوت 2019, “التأكيد على أنه من غير المجدي إنكار ما هو جارٍ في إداراتنا ومؤسساتنا العمومية من تفشي ظاهرة الفساد التي شوهت سمعتها وسمعة موظفيها وقلصت من فعاليتها وحطمت ثقة المواطن فيها”.
وأشار بذات المناسبة إلى أن “الظرف الذي كانت تمر به بلادنا, وهو ظرف لا يزال قائما, يوقع على القضاء الإداري مسؤولية عظمى للمساهمة بجد في محاربة هذه الظاهرة المقيتة, بالكشف عن القرارات غير المشروعة وإعلان بطلانها وفقا للقانون بكل حياد وتجرد واستقلالية”.