نشط الأستاذ الدكتور محمد الأمين بحري، الموعد الرابع لمنتدى المسرح الوطني الجزائري عبر صفحة المنتدى بمنصة “فيسبوك” سهرة الأحد حول موضوع “جدلية المؤلف والمخرج.. من له الفضل على الآخر”، حيث طرح مجموعة من الأسئلة جعلته يبدو منحازا للكاتب على رأي المخرج محمد شرشال الذي كان حاضرا في أول النقاش، بالإضافة إلى تدخلات أخرى من مختصين. زينة.ب يعتقد الأمين بحري أن النص المسرحي يحتوي بداخله، مخرجاً افتراضياً، لكن غالباً ما يتم محو هذا المخرج الافتراضي، أو تشويش رؤيته، حين يقع النص بين يدي مخرج فعلي، يجسده على الركح. ومنه طرح أسئلة متنوعة حول حدود حريتهما معا، سواء تعلق الأمر بانفراد المخرج بالنص أو مدى تدخل الكاتب فيه بعد ذلك ولم تم بيع العمل بعقد وفيما إذا كان له الحق في التدخل ومتابعة تجسيد نصه على الركح، مشيرا إلى الصراعات الناتجة عن الكاتب والمنتج والمخرج التي تجعل بعض المخرجين يوقفون تعاملهم مع نصوص الكتاب، ليتحولوا هم أنفسهم إلى كُتّاب نصوص لمسرحياتهم، وذلك بالخبرة فقط، دون أن يتلقوا تكويناً تخصصياً في الكتابة المسرحية. وخلال النقاش، تطرق بحري إلى أن رجوع الحرية للكاتب لا تكون إلا إذا كان في العقد شرط أن يكون المخرج منفذا، وفي الواقع -يتابع- لا يحصل هذا لأن الرؤى عند الإخراج تختلف عن الرؤية خلال الكتابة على الورق، وحتى إن كان النص للمخرج نفسه فما بالك إن كان المخرج شخصًا آخر، مؤكدًا أنه حتى وإن اختلفت الكتابة الركحية عن الكتابة النصية، يبقى صاحب النص هو المنطلق والمرجع الذي ينطلق منه العرض. محمد شرشال: النص عنصر يمكن الاستغناء عنه وخلال تدخله، قال المخرج المسرحي محمد شرشال للأمين بحري أن انحيازه للكاتب على حساب المخرج واضح ومفضوح، مشيرا أن بحري قد طرح كل الأسئلة التي تجعل من الكاتب مركز الفعل المسرحي، وتجاهل الأسئلة التي يجب طرحها في وضعنا نحن كجزائريين، حيث طرحها بقوله “هل فعلا كتّابتا مخرجون وملمون بأدوات الخطاب المسرحي؟ أم أنهم يكتبون للمسرح بأدوات الأدب فيسقطون في السرد والثرثرة والكلام المنمق البعيد عن كل فعل مسرحي؟ وهل يحق للمخرج أن يرفض نصا لا يصلح للمسرحة إذا تعنت الكاتب لعمله الإنشائي؟ وماهي مقاييس ومعايير اختيار لجان القراءة للنصوص و بأية شرعية هم الذين يختارون؟ أليس المخرج هو حامل المشروع وهو الذي يختار النص الذي يناسب اختياره الجمالي؟ (تشيكوف وستانيسلافسكي مثالا)؟”، مضيفا أنه على الممارسين أن يعرفوا بأن النص ليس هو مركز الفعل المسرحي بل النص عنصر بسيط من عناصر الخطاب المسرحي الكثيرة، عنصر يمكن الاستغناء عنه تماما ولا يختل الفعل المسرحي. وتابع شرشال فكرته، بأن المخرج هو حامل المشروع، يختار النص الذي يجسد الفكرة التي يرجوها كما يختار ممثليه وكل المتعاونين الفنيين من سينوغراف وموسيقي وكوريغراف وغيرها، فيما تنجم إشكالية الكاتب والمخرج حين يفرض المسرح نصا على المخرج أو أن تختار لجنة قراءة نصا ثم تبحث بعد ذلك عن المخرج كما هو معمول في أغلب مسارحنا، مؤكدًا أن كل الأسئلة التي طرحها بحري تزول حين يختار المخرج كاتبه ونصه، وهنا يصبح مسؤولا عن خياره يتعاون مع الكاتب حتى في قضية الحذف أو الإضافة أو التعديل حسب متطلبات العرض، منوها من جانب آخر أن أكثر المخرجين المجددين أصبحوا لا يجدون في النص المكتوب ضالتهم، لذا يلجؤون إلى كتابة نص عرضهم ركحيا، حيث جرب شخصيا هذا المسار في عرضه “ما بقات هدرة” و”جي بي أس”، حيث توصلت إلى النص النهائي بعد العرض الشرفي، وهذه الطريقة اعتمد عليها بيتر بروك وكثيرون، لذلك فأن يكون المخرج هو الكاتب هنا حتمية نظرا لانتهاج التجريب والكتابة المخبرية. وفي إجابه منه، أكد الأمين بحري بعدم وجود انحياز للكاتب، حيث أن الأسئلة التي طرحها كانت من أجل فتح المجال لمن عاشوا التجربة ليتقدموا بآرائهم سواء من الكتّاب أو من المخرجين، مضيفا أنه استفزاز أكثر منه انحياز ليقوم المخرجون المتدخلون بالدفاع عن رؤاهم الإخراجية أمام غضبة الكتاب من مصير نصوصهم، وهي فرصة لتوضيح هذا الأمر، كما أن هذه الأسئلة -يتابع- قد التقطت من الواقع الذي يعيشه المسرح ومن جلسات نقاش مع كلا الطريفين، مرحّبا بجميع وجهات النظر حتى تلك الأحادية التي تلغي الطرف الآخر لأن الطرف الآخر سيقوم بفعل الشيء نفسه، وما يهمنا -يقول- هو الحجج التي يقدمها كل طرف بكل محبة، وليست النية أن نثير صراعا، بل نقاشا حضاريا بين أهل الفن. عبد الحليم بوشراكي: الكاتب والمخرج علاقة ظرفية وفي تدخله يرى أستاذ تحليل الخطاب والمسرح المقارن في كلية فنون وثقافة بقسنطينة عبد الحليم بوشراكي، أن جدلية المؤلف والمخرج لا تبحث من حيث أصل الفضل بينهما، فهذا إشكال نسبي تتحدد الإجابة عنه بمقتضى كل علاقة فردية تمت بين كاتب ومخرج يفترض في وجودهما تلازم ظرفي محدد، لكن ما لفت انتباهه هو حديث بحري عن العلاقة التعاقدية التي تنتج بين الكاتب والمخرج، وهذا أمر محسوم منتهٍ مسرحيا عند المجتمعات التي أسست وأقرت تقاليدها الإبداعية، فالكاتب قارئ أول للحياة البشرية ومكنوناتها ونوازعها، والمخرج قارئ ثانٍ وربما ثالث وتوالي المخرجين للنص الواحد لا يعدو أن يكون تتاليا لسلسلة قراءات تحكمها شرطيات تاريخية وسياقية وفلسفية وفنية محددة المعالم والبنى، وقد يرغب مخرج ما -متمرد مثلا- أن يكون صاحب القراءة الأولى وهذا طبعا من حقه مادام أنه سيقابل جمهورا يخوض وإياه معركة الإقناع الطاحنة. وفي رده، أكد بحري أننا نتساءل عن أمر قابل للاختلاف ولابد من قبول كل الآراء، قائلا “الاختلاف هو أكسجين الثقافة، ومع ذلك أجدك قد حاولت الإجابة من موقعك على بعض من تلك الأسئلة، كما أضفت إليها مشكورًا بعض الأسئلة التي أغفلتها من أجل مزيد من الإحاطة وتوسيع النقاش، طبعا لا توجد إجابة نهائية، لكننا نستفيد من وجهات النظر المختلفة، ايما افادة، وهذا هو المرجو من هذه الطروحات”. جميلة الزڤاي: العمل بالمرافقة ولا فضل لأحد على الآخر أما الناقدة وعضو المجلس الوطني للفنون والآداب بوزارة الثقافة، جميلة مصطفى الزڤاي، فأوضحت أن إشكالية المؤلف والمخرج تبقى قائمة لأنهما يشتركان في تقديم العمل المسرحي وما ينبغي أن ندعن له هو أنه للمخرج سلطته في مباشرته للكتابة الثانية والمخرج الذي ينثني لسلطة النص يحكم عليه دوما بالضعف وناهيك عن كون بعض النصوص المسرحية تكون مثقلة بالسرد فيخضعها الكاتب الثاني لمشرط الحذف والتحوير الذي يمكنه أن يحيد بالنص عن ضالته، والحل الأمثل -تضيف- يكمن في مرافقة الكاتب للمخرج بدءً من القراءة إلى أن يشتد عود العمل المسرحي، فلا فضل لأحد على الآخر غير الحرص على تجسيد جمالية العرض ومدي مواءمته لأفق انتظار الجمهور. فيما أوضح لها بحري، أنه أمام الجمالية تنتهي كل الأسئلة فعلا، متسائلا إن كانت مواكبة الكاتب للمخرج أمر واقع ومعمول به أم هو مأمول ومنتظر. ليلى بن عائشة: مع التجربة لكن باحترام التخصصات وفي كلمتها، الكاتبة المسرحية ليلى بن عائشة، قالت أن الكاتب أثناء أي تجربة له في الكتابة المسرحية يخلق عالما يرغب من خلاله بتحقيق رؤيته الخاصة، والمخرج أيضا له تصوره الخاص في بلورة رؤيته الإخراجية، وهنا قد يحدث التصادم في حال تحول النص عن مبتغاه وجوهره كليا، أما -تشير- الاختلاف حول الطبيعة الفنية التي يمكن أن تفرز هذا النص في قالب مسرحي معين فهنا الأمر قد يطرح تساؤلات تقف عند حدود طبيعة التعامل بين الطرفين وطبيعة الاتفاق فكريا وفنيا، معتقدة أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتكئ المخرج على نص أدبي -يدعي صاحبه أنه يكتب مسرحا- خال تماما من الأسس الدرامية التي تسعفه في إعادة كتابة النص ركحيا، مثل هذه النصوص -تضيف- تئد نفسها بنفسها وتئد معها كاتبها الذي لا يدرك أسس النص الدرامي الحقيقي وعراه، كما يمكن لنص قوي بآليات درامية جيدة أن لا يجد مخرجا مقتدرا يترجمه على الركح بأدواته وجنونه الإبداعي المسرحي، وهنا قد نجد كاتبا نرجسيا يعتبر أنه لا مخرج يمكنه أن يترجم عالمه، كما يمكن أن نصطدم بمخرج نرجسي لا نص يقنعه ليحقق مشروعه الإخراجي، وخلال تجربتها كتابة واقتباسا وتعاملا مع بعض المخرجين لمست الفرق بين هؤلاء جميعا، ووقفت على المبدعين منهم ممن يمتلكون ملكة في الإخراج، حتى أنها لم تكن تنتبه أحيانًا لما يطرأ على نصها من تغييرات على الخشبة، مؤكدة أنه لا مانع في التجربة مع احترام مجالات وتخصصات الآخرين، مشيرة إلى تجربتها في عمل مساعد مخرج للوقوف على الاستفادة منها عن قرب في مجال النقد والكتابة. حبيب بوخالفة: ستعود سلطة الممثل من جهته، قال الدكتور حبيب بوخالفة، خلال النقاش ذاته، أن سلطة النص بدأت منذ الحضارة الإغريقية واستمرت إلى غاية أواخر القرن التاسع عشر، ولا يزال قاعدة أساسية تنطلق منها عملية الإخراج خصوصا في النصوص الكلاسيكية التي تجاوزت خمسين سنة وأكثر، فإذا كان الأديب أو المؤلف حيا فيمكن أن يشترك مستشارا في عملية تغيير بعض الأجزاء بطلب من المخرج لضرورة الإبداع الفني المسرحي، لكن بعد تجربة ميرهولد في المسرح الشرطي التي تعتمد على الممثل وأدوات السينوغرافية والموسيقى مما أدى إلى تجربة المسرح ما بعد الدراما (ما بعد الحداثة)، قائلا “فموت المؤلف، كسلطة انتهت وستموت سلطة المخرج وتعود من جديد سلطة الممثل الذي كان أساسًا في بداية الفرجة المسرحية البدائية.