زهية بوغليط الأطباق الشعبية....أصالة عريقة وثقافة لا تزول من منا لا يحن إلى أطباق أمه في صباه ولم يتذكر تلك "البنة" التي لا تضاهيها أخرى ، فكانت أطباقا جزائرية حرة نابعة من تراثنا وتقاليدنا، الشخشوخة ، البركوكس والسفيرية وغيرها من الأطباق التي عمّرت لسنوات طويلة ،وبقيت تحظى بمكانتها في كل الأزمنة، فهناك من يزال محافظا على هذا الإرث ومتمسكا بتقاليد أجدادنا إلى يومنا هذا ، ولم تتمكن عولمة العالم ولا التطور الحاصل في كل الأصعدة من زعزعة قيمه وتقاليده أمثال عائلة الجدة عيشة 72 سنة، التي لا تزال عائلتها المتكونة من 20 فردا تفطر على مائدة واحدة، فتخبرنا هذه الجدة أن كنّاتها لا تزلن متمسكات بتقاليدنا الأصيلة ،لا سيما أطباقنا الشعبية كالشطيطحة والشخشوخة والشربة بلسان الطير، و غيرها من الأطباق الشعبية، وعلى حد قولها فإن رمضان بدون هذه الأطباق لا يمكن أن يكون، وقد ورثت هذه العادة لكناتها وأصبحن هن بدورهن لا ينسلخن عن هذه العادات التي تردن توريثها لبناتهن مستقبلا من أجل الحفاظ على تراثنا و إبعاده عن التلاشي.
أطباق فتافيت، منال العالم وشميشة وجهة من يبحث عن الجديد
وأمام التغيرات الحاصلة في شتى مجالات الحياة لم يسلم المطبخ الجزائري هو الآخر من هذه التغيرات ، حيث عرف تغيرا جذريا جعله يتماشى مع الموضة والعصرنة ، فانفتاح المرأة العصرية على الثقافات العالمية جعلها تتأثر هي الأخرى بهذه الأخيرة ، وتسعى دوما لتعلم المزيد وتقليد الغير من خلال أطباق تعرف بديكورها الجذاب وأذواقها المختلفة ، فتجدهم لا يدخرون جهدا في تتبع كل ما هو جديد في المجال من خلال تتبع برامج فتافيت ومنال العالم وشميشة وغيرها من الأطباق العالمية ، بل تجد هوايتهن الأولى هي التعرف على الثقافة الاستهلاكية للدول الأخرى من خلال إعداد أطباق عربية لم نكن نسمع عنها شيئا. التقينا بالسيدة منال 36 سنة، ماكثة بالبيت وهي تقتني معلبات ومواد غذائية لم تتعود على اقتنائها كالكريمة الطازجة والخبز اللبناني وحليب مركز نيسلي، حيث أعربت لنا أنها تستعمل هذه المواد في أطباقها الغذائية خاصة خلال هذا الشهر الفضيل ،حيث تشمر على ساعديها وتتفنن في إبراز قدراتها، إذ تحضر أطباقا من مختلف أنحاء العالم سواء اللبنانية أو الايطالية أو المغربية ، وهي على استعداد لتعلم الطبخ الصيني وتجسيده في الأطباق الجزائرية.
أطباق عربية وديكور جذاب لكن الذوق يبقى غائبا
ومن خلال سبر الآراء الذي قمنا به في أزقة العاصمة ، لمسنا من خلاله مدى تتبع عامة الناس لا سيما النساء للطبخ العالمي، فعلى حد قول السيدة سميرة 42 سنة ، أنها لا تفوت حصة من حصص منال العالم لكنها عندما تريد إعداد أطباق رمضان فإنها لا تستطيع الانسلاخ عن أطباقنا الجزائرية، لا سيما في شهر رمضان الكريم فلا بديل للمثوم أو الحريرة أوالدولمة أو الحم الحلو، وما عدا ذلك فهي بمثابة "الخضرة فوق الطعام" يمكن الاستغناء عنها، وهذا هو رأي السيدة فتيحة 42 سنة التي أخبرتنا أن زوجها شديد الارتباط بأطباقنا الجزائرية ، ويرفض تمام الرفض أي تغيير في ثقافته الاستهلاكية ، فهو لا يمكن أن يتصور مائدة الإفطار بدون لحم الحلو أو المثوم ،ولا يمكنه تصور عصير البرتقال في السلطة أو الملوخية أو اللبن على مائدة الفطور، وأمثال زوج فتيحة من لا تغويهم الأطباق العالمية بأشكالها المغرية وطريقة تقديمها العصرية، أما إذا رجعنا إلى ذوقها فنجدها تختلف تمام الإختلاف عن ثقافة مجتمعنا الاستهلاكية ، فلكل مجتمع ثقافته الخاصة به ، التي تختلف عن ما في المجتمعات الأخرى ، فالصينيون بطبعهم نباتيون يميلون للأطباق النباتية واستخدام البهارات المختلفة التي تختلف تماما عن بهارات مجتمعنا الجزائري.
نحن أمة وسط ولأننا أمة وسط ، فإن التوازن هو أساس كل شيء في كل تعاملاتنا وسلوكاتنا، فلابأس أن نحافظ على تراثنا وتقاليدنا مع محاولة التقدم من الحسن إلى الأحسن من خلال تحسين مهارتنا ومعارفنا ، حسب المثل القائل "الجديد حبو والقديم ما تفرط فيه"، فجميل أن تتعلم المرأة مهارات جديدة في مجال الطبخ وتسعى للتقدم نحو الأحسن، لكن دون الانسلاخ عن هويتها وأصالتها ودون السماح لأطباقنا بالتلاشي .