في الماضي كانت تمارس علينا سياسات التجهيل، الآن نمارس على أنفسنا كل سياسات التصديق الإعلامي… النتيجة واحدة _ "جلال الخوالدة "_ كاتب و صحفي أردني لقد تابع العالم بحر الأسبوع المنفرط بألم و ترقب معاناة الطفل المغربي "ريان" البالغ من العمر خمس سنوات و هو منعزلا في جب البئر البالغ طوله حسب ما تتدواله الأخبار 32 مترا، في أعالي جبال مدينة "شفشاون" الريفية بالمغرب. والذي قضى يوما و نصف اليوم حبيس إهتمام المدونين المغاربة قبل أن تتدخل السلطات المغربية في الساعات الأولى من اليوم الثاني. إستبشر جميع سكان الأرض و هم يرون الطفل البريء ريان تلتقطه الكاميرا و هو لا يزال على قيد الحياة، قبل أن يعلن الديوان الملكي عن الخبر الصادم الذي صدم العالم الإنساني و يعلن أن الطفل ريان رحمه الله أخرج ميتا بعد قضائه أسبوعاً كاملاً في البئر دون أن تتمكن الفرق المختصة في إنقاذه. و في ظل الغموض الذي إتسمت به عملية إنقاذ الطفل ريان التي حظيت بمتابعة وإهتمام دولي وأصبحت قضية الساعة في عديد القنوات الإخبارية عبر العالم و تابعها الملايين من الناس، ثمة ملاحظات يطرحها الكثير من المحللين الذين رأوا أن المخزن المغربي تعامل مع أزمة الطفل ريان بكثير من السياسة والإستغلال العاطفي للمتابعين على حساب طفل برئ لا حول و لا قوة له لأجل تحقيق أغراض سياسية وتعزيز مواقف و كسب تعاطف دولي و تمرير رسائل سياسية محضة مستغلاً التواجد الكبير للصحافة، دون مراعاة لمشاعر عائلة الطفل والعالم الذي أعلن تعاطفه معه. لقد نجح المخزن المغربي في المتاجرة بقضية الطفل ريان نجاحاً قياسياً إعلامياً و سياسياً، بعد أن تحكم في مجريات الأزمة و رفض أي تدخل خارجي رغم أن أكثر من سبع شركات أجنبية عرضت خبرتها مجانا لأجل إنقاذ الطفل و هو على قيد الحياة بعد أن راكمت خبرات عبر أزمات سابقة مماثلة . لكن المخزن أرادها تجارة و بيزنس و ضرب كل العروض عرض الحائط. بدأ كل شي بعد تشكيل خلية إدارة الأزمة التي تمكنت من السيطرة على نقل الرسائل الإعلامية للصحافة و لعبت على عواطف المتابعين و هنا سنستعرض بعض مظاهر الإستغلال الإنساني و السياسي و الإعلامي المخزني لقضية الطفل ريان رحمه الله. في البداية تم تجييش إعلامي لشحذ العواطف و التركيز على وحدة المغاربة مع التأكيد على نقل خبر أن الطفل لازال على قيد الحياة . هنا بدأت الإستخبارات في التحكم في الواقعة و أبعدت الجماهير المتعاطفة عن مكان الحدث . فضيحة الفوارق الزمنية بين الأحداث مما يؤكد الإستغلال السياسي لحادثة الطفل ريان من قبل المخزن و المتاجرة بها هي الفواصل الزمنية و التصريحات المتضاربة للجنة الإنقاذ و التي بدت غير منطقية و فضحت حجم التلاعب الحاصل بالواقعة. مثلا يقدر الفاصل الزمني بين تصريح اللجنة و إعلانها عن نهاية عملية الحفر اليدوي و التوصل للطفل و خبر الإعلان عن وفاته قرابة 5 ساعات كاملة دون إعطاء أي تفصيل للصحافة و دون ظهور الطفل من النفق. و هي نفس الفوارق الزمنية تقريبا بين عمليات الحفر الأولى. منع والدي الطفل من الإدلاء بالتصاريح الإعلامية قبل يومين من إعلان الوفاة كذلك من مظاهر التلاعب الكبير في مسرحية المخزن هو منع والدي الطفل ريان من التصريح لوسائل الإعلام قبل يومين من نهاية الحفر، و هو ما يرجح فرضية وفاته داخل البئر خلال اليومين الأول أو الثاني و أن المخزن أبلغ والديه بذلك ، و هو الأمر الذي جعل والدة الطفل تبدو بعيدة عن الصدمة لحظة إعلان الديوان الملكي الخبر للعالم. الإبعاد الكلي للصحافة عن مكان الحفر تحجج المخزن بهشاشة التربة و حفر نفق موازي يوصل لمكان الطفل ريان عبر عملية حفر واسعة أرادها المخزن ترويج لحجم التضامن بين السلطة و الشعب. لكنها في الحقيقة لم تكن سوى خطوة خبيثة لإبعاد الصحافة عن نقل الحقيقة للعالم و التحكم فيها و إستغلالها لتمرير رسائله . قضية "عمي أعلي الحفار" من بين كل الحاضرين و سواق آليات الحفر الذين تواجدو بالمكان و الذين أكدت الصحافة تواجدهم طيلة الأسبوع دون نوم ، لم يركز الإعلام المغربي و العربي _ قناة الجزيرة و العربية_ بشكل خاص، سواء على شخص واحد يحمل صفة "الصحراوي" و صفه الإعلام و اللجنة المكلفة بالإنقاذ بعمي أعلي الصحراوي . و هو إستغلال سياسي بحت لمأساة الطفل من أجل تمرير رسالة المخزن للعالم و "مغربية الصحراء" و تلاحم " أعلي الحفار " جنبا إلى جنب مع المغاربة في أبهى صور الإنسانية أو "الوحدة الترابية المغربية". هذا يظهر تماطل المغرب في عملية إنقاذ طفل برئ من أجل تمرير أطروحته الإستعمارية عبر قنوات عالمية يتابعها الملايين. هل كانت مأساة الطفل ريان ستأخذ نفس الإهتمام العالمي لولا أصوله الريفية؟ يتسائل الجميع عن السر الذي جعل قضية الطفل ريان قضية عالمية تتابعها كافة القنوات العالمية و أسرت قلوب الملايين عبر العالم طيلة أسبوع ، رغم أن نفس الحادثة و نفس الواقعة حدثت قبل عامين للطفل " سوهيت" بدولة الهند الذي سقط في بئر إرتوازية و توفي و لم يسمع عنه حتى نسبة 15٪ من سكان المعمورة. الفرق لا يعدو كونه مجرد "إنسانية الإعلام و التأثير في القرن الواحد والعشرين" حيث إستغل النظام المغربي مأساة طفل صغير من أجل نزواة سياسية . و يرجح أن القضية لم تكن لتأخذ نفس الزخم لولا الأصول الريفية للطفل ريان، و التي تشهد منذ شهور حالات عصيان مدني و مظاهرات منددة بنظام الحكم و الحگرة و التهميش التي تطال سكان الريف لهذا أراد المغرب خلق حالة من التعاطف و التأزر . و لعلى العالم إنصدم في صورة مدينة شفشاون المهترئة في مغرب التنمية و الإزدهار أكثر مما إنصدم بالحادث نفسه. بيوت طينية هشة و أبار غير مغطاة تهدد حياة الأطفال و الكبار كما حدث مع ريان رحمه الله. و هو ما ينسف بشكل كلي دعاية الملك و حاشيته حول التطور و الإزدهار و الرقي و الحقوق في المملكة. هل غطى المخزن بقضية ريان على فشل سياسي؟ لم يتفطن الكثير من المتابعين المتأثرين بالحدث والمتواجدين تحت الصدمة عن حدث سياسي مهم جدا، وقع بالتوازي مع واقعة سقوط الطفل ريان بالبئر وهو المعركة الكبرى الدائرة رحاها على مستوى الإتحاد الإفريقي بين الأفارقة و المملكة المغربية والتي سببها أن هذه الأخيرة أرادت فرض إسرائيل كعضو مراقب بالمنظمة القارية، و هو ما تم رفضه جملة و تفصيلا . و هو ما تعتبره الرباط فشل سياسي ذريع خاصة بعد تخصيص ميزانية ضخمة لرشوة بعض الدول من أجل تمرير القرار، و هي ميزانيات ضخمة أكبر حتى مما تم صرفه لإنفاذ ريان. وهذا أبشع إستغلال يمكن أن يرتكبه نظام في حق مواطنيه . فالمخزن جازف بحياة طفل بريء من أجل التغطية على فشل سياسي . وقد يتسائل الكثيرين عن العلاقة بين الأمرين ، فصناعة الأزمات هي حلول لأزمات أخرى. نفس الأمر حدث مع دولة قطر التي غطت على المفاوضات الأمريكية مع طالبان بالدوحة عن طريق إلهاء العالم بإنتقال اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي إلى باريس نهاية أوت الماضي . الفارق أن قطر لم تستغل مأساة إنسانية كما فعل المخزن. فهل ساوم المخزن والإستخبارات المغربية بحياة الطفل ريان من أجل عيون إسرائيل؟