يعد الاختيار الصحيح للزوجة أساس كل زواج ناجح، فإن لم يتم اختيار شريكة العمر على أسس متينة، فسيؤثر ذلك سلبا على هذه العلاقة التي ستؤول حتما إلى الانفصال. وفيما كان آباؤنا -وهم المرجعية في هذه الأمور- بما برهن عليه نجاح أساليبهم المبنية على أسس المبادئ والقيم السامية المستقاة من العرف يبقى الجيل الحالي في عصر التطور، منتقدا بشدة لهذه الأساليب التي يصفها بالرجعية و بتجاوز الزمن لها، فهي لم تعد مناسبة له، من بين هذه الأمور موضوع اختيار الأم لزوجته. ومن سمات أبناء الزمن الحالي أنهم يتمتعون بالحرية التامة في اتخاذ قراراتهم ومن بين هذه الخيارات التي يتمسك أكثر شباب اليوم على اتخاذها ذاتيا هو اختيار الزوجة المناسبة، غير أن أمهاتنا ممن عاشوا تجربة اختيارهن من طرف أمهات أزواجهن وخبروا نجاعتها فهل لا زالت هذه الطريقة مناسبة لهذا الزمان؟. ومن أجل معالجة هذا الموضوع، استفسرت "الجزائرالجديدة" من بعض المواطنين عن رأيهم حول هذا الموضوع فاختلفت آراؤهم بين مؤيد ومعارض. اختيار الزوجة..قرار فردي كثير من الشباب الحالي يعتبرون مسألة اختيار الزوجة قرارا فرديا يدل بطريقة مباشرة على استقلاليتهم وحريتهم فهم لهم الحق في العيش وإتمام حياتهم مع الشخص الذين يرغبون ويحبون ثم إن الزواج مبني على المشاعر والمحبة ولا يمكن للغير أن يختار عنك قرار الزواج منه من عدمه حتى أمك، هذا ما قاله إسماعيل، شاب متزوج، مضيفا " قبل زواجي لما فاتحت والدتي في الأمر قالت لي أنها هي من ستختار زوجتي حيث تعرف بنت الحلال المتخلقة الرزينة، غير أنني رفضت الأمر كوني اخترت مسبقا الفتاة التي سأتزوجها فهي درست معي بالجامعة وجربت سلوكها وتصرفاتها وتعاملها مع الغير فما لاحظت عليها شيئا يعاب وحتى من الجانب الديني فهي محافظة على صلاتها ومتسترة بحجابها فتقدمت لخطبتها وتزوجتها ثم استرضيت أمي شيئا فشيئا حتى اقتنعت بها". ونسمع في أيامنا هذه عن تكرار الكثير من حالات الأمهات اللواتي يرفضن قرار زواج ابنهن من الفتاة التي وقع عليها اختياره مباشرة بعد قبولها الذهاب معه لمقابلة أهل البنت وهذا ما يزيد جرح الابن عمقا. وهذا ما جرى ل "جعفر" الذي، بعد تخرجه قرر خطبة إحدى زميلاته بالجامعة فأخبر أمه بالأمر فقبلت الذهاب معه لبيت الفتاة، وحتى الآن يبدو الأمر عاديا لكن ما فاجأ "جعفر" هو ليس رفض أهل الفتاة له فبالعكس لقد أعجبهم من حيث خلقه وثقافته وتمسكه بأداء الفرائض، ولكن أمه التي قالت له مباشرة بعد عودتها للبيت الفتاة لم تعجبني ولم أرتح لها ولن أسمح لك بالزواج منها فما كان منه إلا أن واعدها سرا محاولا معها إيجاد حل يقنع أمه ويجمعه بمن اختارها زوجة له، غير أن هذه المرة كان الأمر من والديها فبعد أن كانا موافقين على زواجها من جعفر قاما بتزويجها لآخر متحججين على قرارهم هذا أنه لو انتظروه فسيطول انتظارهم وستعيش ابنتهم مع أم زوجها في جو من المشاكل التي لا تنتهي. خجولون مضطرون لاستشارة الأم رغم عدم قبول أغلب الشباب تدخل أمهاتهم في اختيار الزوجة، غير أن من يعانون من الخجل فلا غنى لهم عن اللجوء إلى الوالدة فهي حلهم الوحيد لإتمام نصف دينهم. "محمود"، واحد من هؤلاء الشباب يقول" أنا أستحي من التكلم مع النساء في موضوع الزواج فأنا كثير الخجل ولهذا ألقيت مهام اختيار زوجتي على عاتق أمي فلا خيار آخر عندي"، وقد لجأ إلى أمه في الأمر لكن قراره هذا كان لغاية أخرى إذ يقول لنا " قررت ترك موضوع اختيار الزوجة لأمي لسببين أولا، إحياء للتقاليد التي لطالما حدثتني عنها والدتي فأثارت إعجابي وثانيا للواقع الحالي، حيث أنه يصعب إيجاد فتاة ممن يمكنك الزواج بها وبناء بيت سعيد معها". ويعتبر أخصائيو علم الاجتماع ظاهرة اختيار الأم لزوجة ابنها امتدادا لتقاليد وأعراف الأجداد لكنه تلاشى مع مرور الزمن خاصة في وقتنا الحالي والمتميز بتشبث أبنائه بحرية اتخاذ القرار والتعبير عن الذات، ورغم برهنة الماضي على جدوى هذا الأسلوب إلا أننا عند استقرائنا لكثير من الحالات المتأخرة من الطلاق نجد أننا سببها تدخل الوالدين في اختيار الطرف الآخر بطريقة إلزامية، غير أن الرأي الشرعي القاضي بمشاورة الأبناء في الأمر يبقى الحل الأفضل لإرضاء كل الأطراف. ويبقى اتخاذ الشاب المقبل على الزواج قرار انتقاء شريكة الحياة بين الخيار الشخصي وسلطة الأم. محمد بن حاحة