على وقع حديثها يتألم الحجر ويصرخ ويقول: "الحرية لك يا فلذة كبدي بلال"؛ فكلامها عنه يطول، ولا تكاد تنطق بشيء عن بلال، إلا وتبتسم لحبها الشديد له، لكنها في ذاتها.. تتألم لبعده وفراقه. هذه الأم الفلسطينية الخنساء، التي لا مثيل لها في العالم، هي سيدة الصبر والصمود والتضحية، هذه أم وائل، والدة الأسير بلال يعقوب أحمد البرغوثي (37 عامًا)، من بلدة بيت ريما قضاء رام الله، تروي تفاصيل قصة ابنها بلال مع الاحتلال الصهيوني، والذي اعتقل بتاريخ (2-4-2002). بدأت أم وائل حديثها لمركز "أحرار" لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان، لا تدري من أي حديث وكلام ووصف لبلال تبدأ، ففضلت البدء ببلال في المنزل.. بلال الطيب الحنون مع والدته.. والذي لا تذكر أنه أغضبها في يوم من الأيام.. بلال الإنسان الشهم الشجاع.. بلال القوي والمساعد في الوقت ذاته؛ ولم تنس بلال المتفوق في دراسته وجامعته، فقد أنهى دراسة البكالوريوس، تخصص علم النفس والتربية من جامعة بير زيت. بداية مشوار النضال تقول أم وائل إن ابنها بلال، والذي كان يشارك في المواجهات التي كانت تندلع ضد قوات الاحتلال الصهيوني، أصيب عام 1994 بثلاث رصاصات، اثنتين في الظهر وواحدة في اليد، وعلى إثر تلك الإصابة فقد بلال كليته وجزءًا من الكبد، وبعد تعرض حياته للخطر وحدوث نزيف نجم عن الإصابة، مكث بلال في المشفى 40 يومًا، فكان له عند الله العمر الجديد فتعافى وعاد للبيت. وتكمل أم وائل: "لم يكف الاحتلال إصابة بلال ووصوله لدرجة الموت، بل جاء ليعتقله بعد خروجه من المشفى بأسبوعين فقط، وكان بلال في ذلك الحين، لا يزال يعاني من ألم العمليات التي أجريت له، لكن الاحتلال لم يضع ذلك في عين الاعتبار واختطف بلال من بيننا، وبقي في السجن لمدة شهر". لم تثن الإصابة بلال عن المضي في طريق الجهاد والنضال، فانضم لصفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة، ليصبح فيما بعد قائدًا للكتائب، وليبدأ مشوار مطاردة الاحتلال له، والذي فيه لم تستقر فيها حياة بلال ولا حياة العائلة، بل وكان الاحتلال يضع اسم بلال على قائمة المنوي اغتيالهم في الضفة. هدم منزل العائلة تطرقت أم وائل في حديثها عن اعتداءٍ آخر للاحتلال الصهيوني، وبالتحديد في تاريخ (24-10-2001)، وخلال فترة مطاردة بلال، فأقدمت قوات صهيونية معززة بالجنود والمعدات الحربية والجرافات، وقامت بهدم منزل العائلة الواقع في بلدة بيت ريما، والسبب رفض بلال تسليم نفسه والانصياع لأوامرهم. هدم المنزل، وشتتت العائلة، ومزق القهر والألم قلب بلال على ما حدث، لكنه لم يسلم نفسه، وبقي مطاردًا ومصممًا على المضي في درب من رحلوا للشهادة، ومن ضحوا بدمائهم، فعبدت الطريق لصناع النصر من بعدهم. اعتقال بلال والحكم بالمؤبد وتضيف أم وائل:" طالت جولات المحتل "الإسرائيلي"، وظل يبحث عن بلال الذي رفض تسليم نفسه رغم كل الضغوطات التي واجهته، إلى أن تم اعتقاله بتاريخ (2-4-2002)، ويوضع بين يدي من لا يخافون الله في التحقيق والتعذيب، حتى حكم عليه بالسجن 16 مؤبدًا و35 عامًا، والتهمة: (قيادة كتائب القسام في الضفة)". فسحة أمل أم وائل تعيش على زاد الصبر والدعاء، وفسحة من الأمل على أن يتجدد اللقاء بينهما ذات يوم، فبلال كان دومًا بارًّا بها وقال لها ذات يوم: "سأبكي الكثير يا أمي، إن تذكرت أني أغضبتك"، فردت الأم الحنون: "أنت يا بلال لست كذلك أبدًا، ولم يحصل ذلك في يوم من الأيام". فؤاد الخفش مدير مركز أحرار يقول إن أم وائل تشتاق لبلال وتتمناه معهم في كل لحظة وفي كل أكلة تعدها، وفي كل جلسة تكون فيها، وهي تملك من الإيمان والصبر ما يقويها ويجعلها صبورة على فراق الابن البار الغالي، الذي يشتاق له جميع من عرفه، فالتحية كل التحية لك أيها البطل. وذكر الخفش أن بلالًا: "أستاذ في المقاومة، وصاحب مدرسةٍ كان العنصر والقائد الأبرز فيها، وله ينسب العديد من الأعمال البطولية التي كان لها دور في تغيير خارطة المنطقة برمتها".