بعد مواراته التراب هذا العصر و قراءة الفاتحة و الدعاء المعتاد بأن يتجاوز الله عن سيئاته و ان يدخله فسيح جنانه ، تفرق الجمع و معظمهم على عجلة لمتابعة مقابلة في كرة القدم قيل عنها مصيرية و حاسمة ، و منهم من اتجه صوب المقهى ليثأر لنفسه من الذين هزموه هذا الصباح في لعبة الدومينو ، إما أنا فاتجهت إلى متجري علني ألم بعض الدنانير من الإقبال الشحيح لبعض الزبائن الذين أضحى استهلاكهم يتناقص يوما بعد يوم. لم يبق في المقبرة إلا بعضا من ذويه للملمة أغراض الدفن...... قبل أن أتخطى باب المقبرة الكبيرة لحق بي أحد أقرباء الميت يدعوني للعشاء هذه الليلة. ما إن فتحت باب دكاني الحزين حتى رن الهاتف ، إنها زوجتي تستعجلني للعودة إلى الدار ..... بمجرد سماعها وقع خطواتي قرب الباب فتحته محتضنة إياي و عيناها تشعان ابتهاجا . أدركت سر فرحتها ...خرجت الكلمات متسابقة من فمها : زرت الطبيب هذا الصباح..و.. قال لي .... قاطعنها : أنك حامل. كيف عرفت ... الم يفرحك الخبر ...؟ وجدت نفسي ملزما لِقول ما لا بد من قوله بأن هذا هدية من السماء ... و أن عليها الاعتناء بنفسها ...و أن لا تحمل الأشياء الثقيلة ..و... لأواصل بيني بين نفسي ... ومبروك على الطبيب المختص الذي سنضاف إلى قائمة زبائنه بلا ريب، من حسن حظه انه الوحيد في البلدة ... و مبروك على صاحب المحل الكبير ' دلِع طفلك' ، إذا دخلته يبهرك ديكوره الذي يبدأ بالحفاظات لينتهي بالمشتيات و اللعب... و مبروك على 'السيد مبروك' الذي سننظم إلى قوافل المترددين عليه لحماية أطفالهم من العين و المس... بعد صلاة العشاء قصدت بيت العزاء ملبيا الدعوة ، دخلت قاعة فسيحة فيها جمع من الناس تتوسطهم مجموعة من حفظة القرآن كانوا يقرؤون و ما إن يسمع الحاضرون عبارة " صدق الله العظيم ' حتى ينبري كل اثنين في حديث يخصهما يتوقفان فجأة حين تُُستأنف القراءة و هكذا حتى صفت الموائد. بعد العشاء مباشرة عادت الجماعة إلى القراءة و عاد الحاضرون يواصلون أحاديثهم البينية كلما توقف المقْرِئون . أثناء رجوعي إلى بيتي سنحت لي وِحدتي و الصمت و الظلام الذي يلف الشارع الطويل أن أتذكر صديقي المتوفى :كان على وشك الزواج من إحدى قريباتي ، كان يريد مقابلتها في بيتها ليتأكد من موافقتها غير ا ن أباها رفض رفضا قاطعا و بدا له من العار دخول رجل غريب بيته ليرى كريمته.. و لكن بعد إقناعه بشرعية الطلب وافق بعد أن تفاهم مع زوجته ان يُرتب اللقاء دون عِلم منه. كان بدون عمل رغم حصوله على شهادة جامعية عليا.. و الأمر الذي شجعه على الزواج كون خطيبته موظفة بإحدى الإدارات ... البعض من أقاربها استهجن قبولها هذا العريس البطال، هي وافقت ... تشارف على العقد الرابع من عمرها الزمني ، بررت موافقتها بحبها له و أن مديرها وعدها بإيجاد منصب له في أقرب فرصة ... قبل ولوجي البيت وقفت مستديرا ناحية المقبرة الصامتة المظلمة القريبة من الحي ،تأملتها للحظات ثم فتحت الباب لأجد زوجتي مستمرة في فرحتها وابتهاجها تهاتف ذويها عن المولود الذي تنتظره..